يستمر الحديث في المغرب عن جدوى اعتماد اللغة الفرنسية كأداة أساسية في التعليم؛ حيث هناك من يعتبر أن الوقت قد حان لإحداث تغيير جذري على الوضع التراتبي اللغوي المعمول به في المغرب في كافة القطاعات.

إحدى الإشكاليات المتعلقة بالفرنسية، هي تلك التي أثارها وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف ميراوي، في شهر نونبر/تشرين الثاني من السنة الماضية (2021)،  في مناسبة تقديمه لمشروع ميزانية الوزارة  أمام لجنة التعليم بمجلس النواب.

فحسب الطرح الذي قدمه الوزير، يلاحَظ وجود تفاوت كبير من حيث أعداد الطلبة المسجلين في كافة التخصصات التي تقدمها الجامعات المغربية.

فعدد الطلبة المسجلين بكليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بلغ   473 ألف و544 مسجل، وهو ما يمثل 48% من مجموع الطلبة، أي تقريبا نصف العدد المسجل  على مستوى كافة الجامعات المغربية والذي ناهز مليون و 110 ألف طالب تقريبا.

ويشكل المُعْطى المعلن عنه إشكالية ذات أبعاد متعددة، ويعني فيما يعنيه، ممارسة ضغط شديد على كليات القانون والاقتصاد والاجتماع، على نحو يؤدي إلى تراجع أدائها وافتقارها إلى الجودة المطلوبة لتخريج أطر تتمتع بالكفاءة اللازمة للعمل في القطاع العام أو الخاص وتقديم العطاء المناسب. عِلمًا أن كليات القانون في سياق بعض التجارب عند دول أخرى يعتبر الالتحاق بها الأصعب والأكثر تعقيدا مقارنة مع باقي التخصصات، وذلك نظرا للأهمية التي توليها هذه الدول لقطاع العلوم القانونية.

لكن الإشكالية لا تقف في حدود الضغط على جامعات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وإنما تتعدى ذلك عندما يعلن وزير التعليم العالي بشكل ضمني أن هذا التفاوت مَرَدُّهُ  اصطدام الطلبة بمشكل اللغة الفرنسية في كليات العلوم، أي أن الأعداد الضخمة التي تلتحق بجامعات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية لا تفعل ذلك عن اختيار وإنما عن اضطرار حتى لا تبقى خارج أسوار الجامعة وتحتفظ على الأقل بتسجيلها في إحدى الشعب المتاحة. فالطالب الجديد، وفق تفسير الوزير للظاهرة، يمضي شهرا أو خمسة عشر يوما في كلية العلوم ليجد نفسه أنه غير قادر على المسايرة بسبب العامل اللغوي وليطالب بعد ذلك بتغيير الشعبة.

ومن النتائج المباشرة لهذه الإشكالية، كما سبقت الإشارة، وجود تفاوت كبير بين التخصصات الجامعية من حيث أعداد الطلبة المسجلين. فإذا كان عددهم في جامعات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية يصل تقريبا إلى نصف العدد الكلي للطلبة المسجلين، فإنه بالكاد يتجاوز 33 ألف طالب تم تسجيلهم في السنة الماضية في كليات العلوم والتقنيات، بينما بلغ عدد المسجلين في كليات الآداب والعلوم الإنسانية، 224 ألف و655 طالب، و104 آلاف طالب في الكليات متعددة التخصصات.

ولن يفي بالغرض محاولة معالجة الأمر بحصره في ضرورة تحسين مستوى اللغة الفرنسية عند الطلبة القادمين من المدارس العمومية، إنما يجب مساءلة المنظومة التربوية ككل والتفاوتات الحاصلة في داخلها من حيث جودة التعليم، كما يجب طرح السؤال حول اللغة التي يجب تبنيها كوعاء للمعرفة تكون قادرة على مسايرة العصر والمستجدات المعرفية على المستوى الدولي. وما تزال هذه المسألة مناط نقاش، وإلى اليوم لم يتم التعاطي معها بشكل حاسم.

وقد أثار هذه الإشكالية عدة فاعلين ومفكرين مغاربة، ومنهم المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري، حيث اعتبر، في  حوار قديم أجرته معه مجلة ’’عالم التربية‘‘ في عددها الرابع من خريف سنة 1996، أن: ’’بعض الدول تجعل تدريس الإنجليزية في الابتدائي ضرورة. نحن كذلك يجب أن نواكب هذا ونجعل الإنجليزية حاضرة في تعليمنا بالشكل الذي يمكن طلابنا من استعمالها في الجامعة كلغة علمية. أما أن نعلمهم الفرنسية ثم يجدون أنفسهم لا يعرفون لا العربية ولا الفرنسية وفي حاجة إلى الإنجليزية، فهذا واقع يحتاج إلى مراجعة. هذا هو الواقع، الطالب الذي يصل إلى كلية الطب أو غيرها نجده ناقصا في اللغة الفرنسية ولا يستطيع المتابعة بكيفية جدية، والطالب الذي يأتي إلى الكليات النظرية من حقوق وآداب نجده ناقصا في اللغة العربية، ولا يستطيع المتابعة، وكلاهما لا هذا ولا ذاك إذا أرادا فعلا أن يواكبا سواء في العلوم الدقيقة أو العلوم النظرية يجب أن يتعلما الإنجليزية‘‘.

(الفهرس/سعيد منصفي التمسماني)

X