ما هي مسبّبات عدم التركيز وما هي مقوماته الأساسية؟

رغم أن الدماغ يؤلف قرابة 2 بالمائة فقط من وزن الجسم، إلا أنه يتطلب 20 بالمائة من مجمل الطاقة التي يحتاجها كل الجسم.

فهذا العضو الذي يرقد في تجويف الجمجمة، والذي لا يتجاوز وزنه في المعدّل 1,4 كغ، يقوم بأهم  الوظائف وأخطرها على مستوى الجسم كله. فهو يراقب  العمليات الجسدية اللاّشعورية وينظمها، كسرعة (خفقان) القلب، وينسّق معظم الحركات الإرادية، وهو مركز الوعي وجميع الوظائف الذهنية المختلفة التي تتيح للكائن البشري قدرات التفكير والتعلُّم والإبداع.

من ثمة، فإن الحفاظ على صحة الدماغ يعني الحفاظ على سلامة الجسم كله، كما أنه يعني القيام  بمختلف العمليات الذهنية في أحسن حال والحصول من خلالها على أحسن النتائج.

ومن بين أهم الوظائف الذهنية التي تحدث على مستوى دماغ الإنسان هي وظيفة ’’التركيز‘‘.

والتركيز الذهني يتمثل في عملية توجيه التفكير وجعْله مُثْبَتاً حول موضوع بعينه أو قضية معيّنة.

وتجري عملية التركيز على شبكة من نُطُق الدماغ، ولا سيما في القشرة الأمامية للفص الجبهي، حيث يحدث التفكير التحليلي المعمّق. وتستهلك هذه الشبكة طاقة أكبر من مجموعة نُطُق الدماغ التي تنشط عندما لا نفكّر في شيء محدّد.

ويعاني الكثيرون من عدم القدرة على التركيز بشكل جيّد في المواضيع والقضايا المعروضة أمامهم على نحو يؤدي بهم إلى تضييع وقت كبير وعدم إنجاز الأعمال المنوطة بهم ضمن آجالها ويُسبِّب لهم أحيانا شعورا بالقلق والإحباط يليه شعور  بالكسل وغياب التحفيز.

مسببات عدم التركيز

أما عن أسباب عدم التركيز، فهي كثيرة، تختلف باختلاف الشخصيات والوضعيات، وهي على العموم تتأتى من العوامل الآتية:

ـ الحجم الهائل من المعلومات التي أصبح عقل الإنسان يتلقاها يوميا، والتي تساهم بشكل كبير في تشتيت الانتباه، وعدم التركيز الجيّد، والتأخر في حل المسائل المعروضة بسبب تخمة على مستوى المعلومات تؤدي في الكثير من المواقف إلى التردد والتيه الذهني في جملة من الدروب.

ـ مباشرة عدة مهام في آن واحد والانتقال بينها يؤدي إلى إضعاف التركيز، وفي النهاية، إلى تخفيض مستوى الإنجاز.

ـ الإجهاد النفسي والبدني غالبا ما يفقد صاحبه القدرة على التركيز في عمله، وقد يدخله في حالات متكررة من الشرود.

ـ الضغوط اليومية للحياة، يصاحبها عادة توتر نفسي يتسبب في عدم التركيز.

ـ اتباع أساليب سلبية مؤثرة على صحة الدماغ، كالأطعمة المضرة، وعدم ممارسة الرياضة، وعدم تلقي الحصة الكافية من النوم، والإدمان على الأجهزة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، والسهر إلى أوقات متأخرة من الليل، وغير ذلك من العادات السيئة التي يكتسبها الشخص تراكميا من تلقاء نفسه لتتحول مع مرور الوقت إلى عامل اضطراب ذهني وصحي.

ـ الارتهان إلى أسلوب التسويف وتأجيل إنجاز المهام خارج الموعد، وعدم الانضباط والتنظيم، وغير ذلك من ضروب الفوضى في أساليب الحياة التي تؤدي إلى تشتيت الانتباه والإحساس بنوع من العجز وفقدان السيطرة الفكرية على الأمور والقضايا التي تنتظر الإنجاز.

ـ العمل في بيئة مزعجة، قد تكون بسبب الضجيج، أو بسبب أشخاص لديهم تأثير سلبي، أو لأسباب متعددة تختلف حسب طبيعة كل امرء وشخصيته.

مقومات التركيز

من الواضح أن الوصول إلى درجات عالية من التركيز يتطلب تفادي ’’موانع‘‘ التركيز، والتي تمت الإشارة إلى مجملها في  أعلاه تحت عنوان ’’مسببات عدم التركيز‘‘.

لكن، قبل الشروع في تصفية كل مانع من موانع التركيز، يجب أولا إعداد النفس وتسليحها بالإرادة والوقوف إزاءها وقفة متأملٍ عازمٍ على رصد العوامل التي تمنعه من التركيز على قضاياه وشؤونه وأعماله. مع العلم، أنه من الصعب إبقاء التركيز على موضوع ما والحفاظ على اليقظة الذهنية لأوقات طويلة.

وعلى العموم، يمكن إجمال النصائح والتوصيات المتعلقة بطرق الحفاظ على أكبر قدر من التركيز في النقاط الآتية:

ـ تجنب ’’تخمة المعلومات‘‘ بالتركيز فقط على المفيد واستبعاد الرديئ منها وغير النافع، أي اتباع ’’حمية‘‘ خاصة للذهن مثلما يتبع المرء ’’الحمية الغذائية‘‘. فليس كل ما تعرضه المواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية جدير بالتتبع وبذل الطاقة الفكرية من أجله. وبَدَل ذلك، يمكن الاعتماد على المصادر المفيدة، كالكتب والتقارير العلمية وغيرها من الموارد التي تغذي العقل غذاء نافعا ولا تجعل منه مجرد رقم تتقاذفه المواقع الإكترونية من مكان إلى مكان لتدخله بعد ذلك في دوامة من الإنهاك تنتهي به إلى الشعور بعدم الرغبة في القيام بأي عمل جِدّيّ.  

ـ مقابل المهام المتعددة، والضغوط اليومية للحياة، علينا تفادي كل أنواع الفوضى والتسويف وعدم الانضباط، من خلال التخطيط، وتسطير البرامج العامة واليومية، وكتابة الملاحظات، وإدارة الوقت، وتنزيل المخططات على أرض الواقع، والحسم في الأمور.

ـ لتجنب الإجهاد المتواصل، والحفاظ على صحة جيدة للدماغ، يجب اتباع نظام غذائي صحي، وتفادي السمنة والأغذية المعيقة لانسياب الدورة الدموية، وتناول وجبة فطور يوميا، وممارسة الرياضة بشكل منتظم، والحصول على قسط كاف من النوم.

ـ يجب عدم إرهاق الدماغ بالإصرار على التركيز لمدة طويلة. ومقابل ذلك، من الأفضل الاستراحة لبعض الوقت، وتناول مشروب يحتوي على ’’الكافيين‘‘، فالاستراحة القصيرة من وقت لآخر، تعني تركيزا لفترة أطول.

ـ التحفيز الذاتي، وإنهاء الأعمال داخل الآجال المحددة لها؛ فكل عمل منجز يُوَلِّد رغبة في إنجاز عمل آخر ويمد صاحبه بالتحفيز والطاقة الذهنية.

ـ العمل على تحسين سرعة الدماغ وجعله في حالة يقظة، من خلال تدريبه اليومي بواسطة بعض العمليات الذهنية، كفك الألغاز، ولعب الشطرنج، وحلّ بعض المسائل الرياضية، وممارسة الحساب الذهني، وحل الكلمات المتقاطعة والسودوكو، وحفظ بعض المقولات سواء كانت أشعارا أو نثرا… وباختصار، ممارسة كل ما من شأنه تحفيز الدماغ وتحسين سرعة أدائه وسرعة معالجته للمعطيات.

ـ التجديد والإبداع وتفادي السقوط في دوامة الروتين الفكري، وذلك من خلال اكتساب مهارات جديدة ومعارف جديدة تحفز الدماغ وتشعر صاحبه بالرضى عن النفس.

ـ ممارسة ’’التأمل‘‘، من خلال مراقبة الأفكار والأحاسيس الذاتية، ومراقبة مكونات الجسم، وتتبع أشياء العالم الخارجي، بالإضافة إلى ممارسة التأمل المركز على شيء واحد، كالصوت أو التنفس أو صورة محددة.

(الفهرس/سعيد منصفي التمسماني/مواقع إلكترونية)

X