الفهرس

أبو إسحاق الشاطبي

   يستهل الشاطبي كلامه في موضوع المقاصد بمقدمة يقول فيها: 

’’ولنقدم قبل الشروع في المطلوب مسلمة في هذا الموضع:و هي أن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل و الآجل معا، وهذه دعوى لا بد من إقامة البرهان عليها صحة أو فسادا، وليس هذا موضع ذلك، وقد وقع الخلاف فيها في علم الكلام، وزعم الرازي أن أحكام الله ليست معللة بعلة البتة، كما أن أفعاله كذلك، وأن المعتزلة اتفقت على أن أحكامه تعالى معللة برعاية مصالح العباد، وأنه اختيار أكثر الفقهاء المتأخرين، ولما اضطُر في علم أصول الفقه إلى إثبات العلل للأحكام الشرعية أثبت ذلك على أن العلل بمعنى العلامات المعرفة للأحكام خاصة، ولا حاجة إلى تحقيق الأمر في هذه المسألة.  

والمعتمد إنّما هو أنَّا استقرينا من الشريعة أنها وُضعت لمصالح العباد استقراءً لا ينازع فيه الرازي، ولا غيره، فإن الله تعالى يقول في بعثه الرسل، وهو الأصل: {رسلا مبشرين و منذرين لِئَلاّ يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}[النساء: 165] {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}[الأنبياء: 107] وقال في أصل الخلقة: {وهو الذي خلق السموات و الأرض في ستة أيام و كان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا }[هود: 7] {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}[الذاريات: 56] {الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيُّكمْ أحسن عملا }[المـلك: 2].    

وأما التعاليل لتفاصيل الأحكام في الكتاب والسنة فأكثر من أن تحصى، كقوله بعد آية الوضوء: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم}[المائدة: 6] وقال في الصيام: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}[البقرة: 183] وفي الصلاة: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر}[العنكبوت: 45] وقال في القبلة: {فولّوا و جوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة }[البقرة: 15] وفــي الجهــاد: {أُذن للذين يقاتَلون بأنّهم ظُلموا}[الحج: 39] وفـي القصـاص: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب} [البقـرة: 179] وفـي التقريـر علـى التوحيـد: { لست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين}[الأعراف: 172] والمقصود التنبيه.    

وإذا دلّ الاستقراء على هذا، وكان في مثل هذه القضية مفيدا للعلم، فنحن نقطع بأن الأمر مستمرٌّ في جميع تفاصيل الشريعة، ومن هذه الجملة ثبت القياس والاجتهاد، فلنجر على مقتضاه ويبقى البحث في كون ذلك واجبا أو غير واجب، موكولا إلى علمه ……‘‘.

ــــــــــــــــــــــ

أبو إسحاق الشاطبي من علماء الأندلس توفي سنة 1388م  “الموافقات في أصول الشريعة” ج. الثاني ـ كتاب المقاصد ـ ص. 4

X