في الوقت الحاضر، أضحى في مقدور الدول العادية، بل حتى بعض المنظمات والجماعات، استعمال وسائل مؤثرة لإلحاق الضرر بالدول الكبرى رغم فارق موازين القوى، وتشكل حروب الكابلات الدولية المفترضة نموذجا من بين نماذج أخرى…

لم تعد الحروب منحصرة في عمليات برية وجوية وقصف مدفعي متبادل واستخدام شتى أنواع الطائرات الحربية والصواريخ والقنابل، فمع تقدم التكنولوجيا اتسعت دائرة الأهداف لتشمل مجالات لم تكن معروفة في تاريخ الحروب البشرية.

اللافت للانتباه، أن تقدم الذكاء الصناعي ومستلزماته وتوظيفه في مجال الحروب أعطى فرصة للأطراف الضعيفة لإلحاق الضرر بالأطراف القوية.

فكلما ازداد تفوق الدول المتقدمة في ميدان الذكاء الاصطناعي، كلما اتسعت وسائل المناورة لدى الأطراف الضعيفة وبكلفة أقل.. وهذه مفارقة تفرض نفسها على أرض الواقع، لأن الذكاء الاصطناعي إذا كان يحقق تفوقا لمُنتجيه فإنه في المقابل يحتاج إلى بنيات وشبكات تكون بطبيعتها في مرمى الآخرين.

اليوم، أصبح بإمكان جماعة، تمتلك قدرا من المعرفة والبنى التحتية الرقمية أن تشن حربا سيبيرانية مكلفة على أكبر الدول، إذ يصل الأمر إلى حدّ التحكم في بعض البنى الحساسة لدولة ما واختراقها وإلحاق الضرر بها بواسطة برمجيات خبيثة .. هؤلاء، يطلق عليهم اسم: قراصنة، ويمثلون جيلا جديدا من المحاربين!!

في سنة 2021 بلغت الخسائر العالمية جراء الهجمات السيبيرانية 6 تريليونات دولار أمريكي، في حين تشير التقديرات إلى أن الخسائر قد تصل سنة 2025 إلى 10,5 تريليونات دولار (Special report cyberwafare in the C-Suite).

تفيد المعطيات إلى أن أغلب الهجمات السيبيرانية تأتي من روسيا والصين، لكن هناك هجمات مصدرها دول أخرى، مثل إسرائيل، كوريا الشمالية، إيران، أو فصائل مناوئة للمصالح الأمريكية تنتشر في عدة مناطق من االعالم.

وقد يكون للهجوم السيبيراني طابع أمني، لكنه يكتسي طابعا اقتصاديا في حالات أخرى يكون الهدف منه السيطرة على الأموال والأصول وتحويل ملكيتها مما يلحق أضرار فادحة بالاستقرار المالي.

ومن جملة ما تحتاجه البنية التحتية للذكاء الصناعي، وجودُ شبكة من الكابلات الدولية التي تربط مناطق العالم عبر البحر، وتكمن أهميتها في أنها توفر أكثر من 95% من تدفقات البيانات والاتصالات الدولية بما فيها البيانات المطلوبة لتنفيذ العمليات العسكرية المتقدمة، فالكابلات هي الجهاز  الوسيط الوحيد الذي يتميز بعرض نطاق تردُّدي كاف لاستيعاب تيرابايت من بيانات أجهزة الاستشعار العسكرية التي توفر المعلومات للعمليات الجارية. هذا،  بالإضافة إلى دورها المالي والاقتصادي الذي تلعبه من خلال السماح بإنجاز ما يقدر بـ 10 تريليونات دولار يوميا، حسب ما ذكرته الخبيرة ’’إيميلي ميليكين‘‘ في مقال في موقع ’’منتدى الخليج الدولي‘‘.

ونظرا للأهمية الخطيرة التي تكتسيها الكابلات الدولية، فإن أي ضرر يلحقها يمكن أن تكون له تداعيات كبيرة ومؤثرة، منها منع الوصول إلى الأنترنت، وقطع الاتصالات العسكرية، وإيقاف كم كبير من المعاملات المالية.

والأخطر من ذلك كله، أن استهداف الكابلات الدولية ليس عملا صعْب المنال…

وبالتالي، باتت التهديدات المستهدِفة لشبكة الكابلات الدولية تثير قلق القوى الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة الأمريكية، اللذين يتنافسان بقوة للسيطرة على شبكة الاتصالات الدولية التي توجد الكابلاتُ الدولية في صلبها.

أشارت الخبيرة ’’إيميلي ميليكين‘‘، كمثال، إلى جماعة الحوثي وقدرة تهديدها لشبكة لجزء مهم من شبكة الكابلات الدولية.

تقول الخبيرة، إن اليمن يقف عند منعطف حساس بالنسبة لهذه الكابلات، ويعد واحدا من ثلاث نقاط اختناق للكابلات في العالم. وإذا كان الحوثيون يفتقرون إلى الغواصات اللازمة للوصول إلى الكابلات، فيمكنهم مع مرور الوقت أن يكيّفوا أساليبهم لاستهداف البنية الحيوية للاتصالات، حيث يتوفرون على غواصين مدربين وترسانة من الألغام البحرية التي تمكنهم من إتلاف الكابلات، حسب تقدير ’’إيميلي ميليكين‘‘.

في الوقت الحاضر، أضحى في مقدور الدول العادية، بل حتى بعض المنظمات والجماعات، استعمال وسائل مؤثرة لإلحاق الضرر بالدول الكبرى رغم فارق موازين القوى .. فالهجمات السيبيرانية، واستهداف الكابلات الدولية، وامتلاك أنواع مختلفة من الطائرات المسيرة، إلى غير ذلك من الوسائل والآليات والأسلحة المتاحة بتكلفة زهيدة، تطرح السؤال حول مدى قدرة الدول الكبرى في حسم الصراعات على النحو الذي كان جاريا من قبل.

(الفهرس/مواقع إلكترونية)

X