تمثل روسيا إحدى البدائل المطروحة أمام دول الساحل لملء الفراغ الفرنسي الناتج عن قرار ماكرون إنهاء عملية ’’برخان‘‘، خاصة أن العديد من المظاهرات التي خرجت للتنديد بالتواجد الفرنسي في مالي والنيجر كانت تنادي بالتحالف مع روسيا.

فروسيا وريثة الاتحاد السوفييتي، تحقق في السنوات الأخيرة عدة اختراقات في مناطق النفوذ الفرنسي، من بوابة التعاون العسكري وتوريد السلاح.

ولطالما وقف الاتحاد السوفييتي إلى جانب شعوب المنطقة في التحرر من الاستعمار الفرنسي، ودعمها في مرحلة الاستقلال، قبل أن يتراجع هذا النفوذ منذ نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي.

وتسعى روسيا لاستثمار الفشل الفرنسي في الساحل على غرار ما فعلته في جمهورية إفريقيا الوسطى، لكنها قد تكرر نفس الأخطاء الفرنسية مما يؤدي إلى استنزافها هي الأخرى.

فقد تبتلع رمال الساحل الروس كما ابتلعت الفرنسيين، وموسكو لديها تجربة سيئة في أفغانستان عندما احتلتها ما بين 1979 و1989.

وعمل الأمريكيون على استنزاف السوفييت في أفغانستان طيلة 10 سنوات، حتى أُنهكوا اقتصاديا وبشريا وعسكريا، واضطروا للانسحاب، وبعدها وفي أقل من 3 أعوام انهار الاتحاد السوفييتي وتفكك.

بعد عقد آخر، وقع الأمريكيون في نفس الخطأ الذي أسقط الاتحاد السوفييتي وقبلهم البريطانيون والهنود، فاحتلوا أفغانستان، ودخلوا في حرب استنزاف طيلة 21 عاما، خسروا خلالها ما بين 800 مليار و3 تريليونات دولار، بحسب مصادر مختلفة، ليقرروا أخيرا الانسحاب منها دون أن يتمكنوا من القضاء على عدوهم الصغير (حركة طالبان).

وفي الساحل، لم تستطع فرنسا الصمود أكثر من ثماني سنوات، بالنظر إلى إمكانياتها الاقتصادية والعسكرية المحدودة مقارنة بالولايات المتحدة.

فبعدما أطلقت باريس عملية سرفال في 2013، لوقف زحف المتمردين الطوارق والجماعات المتشددة المقربة من القاعدة في شمال مالي، شكلت عملية برخان لتمتد إلى كامل دول الساحل الخمسة (مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا).

وإن وجهت برخان وقوات دول الساحل الخمسة ضربات قوية للتنظيمات المسلحة في المنطقة، إلا أن العنف تفجر على نطاق واسع وامتد من شمال مالي إلى معظم دول الساحل، بل إلى غاية دول غرب إفريقيا المدارية، وفي مرحلة ثالثة وصل إلى قلب إفريقيا الاستوائية وحتى جنوبها الشرقي.

ويعبر هذا التمدد الواسع للجماعات الإرهابية في الجغرافيا الإفريقية إحدى أبرز تجليات “الفشل الاستراتيجي” للجيش الفرنسي وخططه.

ولتفادي سيناريو الاستنزاف، الذي وقعت فيه واشنطن في أفغانستان وباريس في الساحل، تعتمد موسكو أسلوب الحرب الهجينة، من خلال استعمال شركة فاغنر، التي توظف بضعة آلاف من المرتزقة، في حروبها المختلفة.

بحيث أن أي هزيمة لفاغنر لا تعني بالضرورة هزيمة لروسيا، التي لا تتبنى رسميا هذه الشركة، بل لا تسمح قوانينها بإنشاء شركات أمنية، ما يترك لها مجالا ولو محدودا للمناورة.

إذ تعرضت فاغنر لعدة ضربات وهزائم في شرق سوريا وفي غرب ليبيا وشمالي الموزمبيق، دون أن يحرج ذلك موسكو.

تصاعد العنف

ومنذ إعلان الرئيس الفرنسي، في 10 يونيو/حزيران الجاري، استبدال برخان بتحالف دولي أوسع، تشهد دول الساحل ارتفاعا حادا في العنف الذي ينسب معظمه لجماعات إرهابية تابعة للقاعدة أو داعش.

وهذا الوضع مشابه لما يجري في أفغانستان منذ قرار واشنطن الانسحاب منها ما أدى لتصعيد طالبان هجماتها على أطراف المدن الرئيسية.

ففي 25 يونيو، أصيب 15 جندي ألماني من القوات الأممية في مالي في هجوم بسيارة مفخخة، وقتل قبله بنحو يوم 19 مدنيا في غرب النيجر بالقرب من الحدود مع مالي.

وفي 21 يونيو، أصيب 3 جنود فرنسيين من عملية برخان في مالي، وقبلها بنحو أسبوع قتل جندي نيجيري وأصيب 3 جنود بينهم فرنسيان.

غير أن أكبر حصيلة من القتلى في شهر يونيو وقعت في شمال بوركينا فاسو، بالقرب من الحدود مع مالي والنيجر، وقتل فيها نحو 100 مدني على يد إرهابيين.

وهذا الوضع الأمني المتردي، في منطقة الحدود الثلاثة بالساحل، يؤكد أن إنهاء عملية برخان، كان حتميا بعد عجزها طيلة 8 سنوات في تحقيق الحد الأدنى من الأمن والاستقرار في المنطقة.

(المصدر: الأناضول)

X