تدافع أمريكا ومن ورائها الغرب المسيحي بكل قوة عن إسرائيل للإبقاء على وجودها .. إنه في حقيقة الأمر، دفاع عن المستحيل، ووقوفٌ ضدّ تيار قوانين التاريخ.

إن الشيك على بياض الذي منحته الإدارة الأمريكية لإسرائيل، جانبٌ من بواعثه يستمدّ وجوده من الأفكار الصهيونية المسيحية المتأثرة بمجموعة من الإيديولوجيات العنصرية والمقولات الدينية التوراتية الإنجيلية ونبوءاتها.

أما الجانب الآخر، فهو اقتصادي محضٌ، يرى في إسرائيل تجسيدا لصلة الوصل بين المشروع الاستعماري المباشر القديم والمشروع الاستعماري الاقتصادي المُتَجدّد.

إنه مشروع يهدف إلى استغلال خيرات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتحكم في المعابر البحرية الاستراتيجية، ووضع اليد على شرق المتوسط بما يمثله من ثقل جيوسياسي وما يحتويه من احتياطات ضخمة من النفط والغاز.

إن شركات دولية كبرى، مثل شركة الطاقة الأمريكية شيفرون وإكسون موبيل ونوبيل إنرجي، وتوتال إينرجي الفرنسية، وإيني الإيطالية، وكوجاس الكورية الجنوبية، ومجموعة بي جي البريطانية، وقطر للبترول، وشركات إسرائيلية للطاقة، كلها التقت مصالحها في شرق المتوسط في إطار مشروع تقوده إسرائيل بغطاء وإشراف أمريكي، ومشاركة وظيفية تركية مصرية عربية.

نُذَكِّر في هذا السياق، على سبيل المثال لا الحصر، بمنتدى غاز شرق المتوسط الذي انعقد على أساس اتفاق بين  مصر وقبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية سنة 2019، وبمنتدى الشرق الأوسط الذي عُقد في القاهرة في يونيو 2022 للتوقيع على اتفاقية ثلاثية بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي لنقل الغاز الطبيعي وتصديره. ولا حاجة للتفصيل هاهنا بشأن أهمية غاز شرق المتوسط لتعويض ولو جزء من الخصاص الناتج عن العقوبات الاقتصادية الغربية ضد روسيا.

من هذه المنطلقات الاقتصادية المذكورة وغيرها، تدعم الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل، وتستعملها كرأس حربة متقدمة وأداة لمشروعها التوسعي الإمبريالي، وتمنحها الضوء الأخضر لارتكاب أفظع الجرائم التي عرفها العصر الحديث، مُحَصِّنة إياها ضدّ كل ما قد يلحقها من تبعات قانونيــة.

إن إسرائيـل، بدون الولايات المتحدة الأمريكيــة، مثــل كائــن حيّ يقطع عنــه الأوكسجيــن، فيكــون مصيــره المـوت المحتــوم؛ وقد أثبتت عمليـة السابـع من أكتـوبـر، وما تلاهـا من وقائع ميدانيــة، هذا المعطــى.

فمنذ بداية العدوان الهمجي لكيان الاحتلال، اصطفت واشنطن إلى جانب إسرائيل بقوة شديدة، فأرسلت بوارج بحرية لشرق المتوسـط والبحر الأحمر، وغواصة نوويــة، وأقامت جســرا جويــا وبحريــا لإيصال المؤونــات والأسلحــة والذخائر، ونشرت اثنتا عشرة منظومة دفاع جوي على أراضي دول المنطقة، ووظفت استخباراتها وإمكانياتها التكنولوجية وأقمارها الصناعية خدمة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غــزة.

أما على المستوى السياسي، فقد استعملت الولايات المتحدة الأمريكية سلاح الفيتو أكثر من مناسبة لمنع صدور أي قرار من طرف مجلس الأمن يقضي بوقف إطلاق النار أو حتى فرض هدنة إنسانية مؤقتـة، كما عملت بنشاط على إفراغ أي مشروع قرار من محتواه موجّه لمجلس الأمن. وبذلك تكون قد انخرطت عمليا وسياسيا في جرائم دولة محتلة يقودها نظام فصل عنصري وسمحت لها بارتكاب جرائم مكتملة الأركان في حق شعب بأكمله.

وعلى الرغم من هذا الدعم، لم تستطع دولة الاحتلال إلحاق الهزيمة بالطرف الآخر أو تحقيق أي من أهدافها المعلنة في بداية العدوان، بل إن وقائع الميدان تشير إلى أن إسرائيل تتكبّد خسـائر بشريـة وماديــة لم يواجهها جيشها منذ إقامة دولتها على أرض فلسطيــن.

بدأ بعض الإسرائليين يتساءلون حــول مصيــر دولتهـم لولا الدعم اللامشروط واللانهائــي الأمريكي…؟

يجيب أحد محللي الشؤون السياسية في ’’القناة12‘‘ الإسرائيلية، أمنون إبراموفيتش، بأنه لو لم تساعد الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل بالأسلحة والذخائر ((لكنا اضطررنا إلى القتال بالعصيّ والحجـارة))، -انتهى الاقتباس-.

(سعيد منصفي التمسماني/الفهرس/وكالات)

انضموا إلى قناة الفهرس في تلغرام للكاتب سعيد منصفي التمسماني

 

 

X