هل يأتي ذلك حبا في موسكو أم هو رفض لازدواجية المعايير الغربية التي تكيل بمكيالين؟
أظهر تصويت الدول العربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا على تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان الأممي، مزاجا متعاطفا مع موسكو أو على الأقل رافضا لهيمنة الغرب على المؤسسات الأممية.
إذ إن ليبيا وجزر القمر الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان صوتتا لصالح تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، بينما امتنعت اثنتا عشرة دولة عربية عن التصويت، وكان ذلك أقرب إلى رفض القرار.
وصوتت الجزائر وسوريا ضد القرار، بينما فضل كل من المغرب ولبنان وموريتانيا والصومال وجيبوتي النأي بالنفس والتغيب عن جلسة التصويت.
ويتجلى هذا التغير في المزاج العربي الرسمي، في أن 16 دولة عربية قبل أيام صوتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح إدانة “غزو روسيا لأوكرانيا”، بينما امتنعت كل من الجزائر والسودان والعراق عن التصويت، وصوتت سوريا ضد القرار، واختار المغرب النأي بالنفس.
أي أن 14 دولة عربية تراجعت عن دعم الموقف الأمريكي والغربي المناهض للعملية الروسية في أوكرانيا، فيما اختارت الجزائر القفز من قائمة الممتنعين عن التصويت إلى قائمة الرافضين الصريحين لتشديد العقوبات أكثر على موسكو. في حين اختارت كل من لبنان والصومال وجيبوتي وموريتانيا الانضمام للمغرب في معسكر النأي بالنفس.
وعلى غرار هذا الانقسام العربي الرسمي بشأن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فإن أراء الناشطين العرب والمعلقين على شبكات التواصل الاجتماعي منقسمة ومتباينة.
لكن إن كان موقف المنددين بالعملية الروسية في أوكرانيا واضحا، حيث يعتبرونه غزوا واعتداء روسيًا على دولة ذات سيادة، فإن موقف المتعاطفين مع موسكو يبدو غريبا ومثيرا للتساؤل خاصة من دول وشعوب خضعت ذات يوم لغزو أجنبي.
الوساطة العربية
أعادت الحرب الروسية الأوكرانية أجواء الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو، لكن بالمقابل بدأ يتبلور موقف عربي بالعودة إلى سياسة عدم الانحياز بصورته الإيجابية، تجلى في زيارة وفد مجموعة الاتصال العربية، لروسيا وبولندا لحل الأزمة الأوكرانية.
وضم وفد مجموعة الاتصال العربية وزراء خارجية الأردن والجزائر والعراق ومصر والسودان، والتقى بوزيري خارجية روسيا وأوكرانيا في موسكو ثم بالعاصمة البولندية وارسو.
هذه الوساطة بين موسكو وكييف تفرض على الدول العربية أكبر قدر من الحياد، وهو ما يفسر امتناع أغلبية الدول العربية عن التصويت على قرار تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، بعدما أيدت غالبيتها قرارا بإدانة “الغزو الروسي لأوكرانيا”.
والامتناع عن التصويت موقف أقرب إلى الرفض أو التحفظ على نص القرار، ويعكس رغبة عربية إلى عدم دفع الدب الروسي إلى زاوية ضيقة ما قد يؤدي به إلى ردود فعل غير متوقعة من شأنها تهديد السلم والأمن العالمي.
وهذا ما يتوضح في تصريح رئيسة المجلس القومي لحقوق الانسان المصري “مشيرة خطاب”، التي اعتبرت أن القرار “يشوبه التسرع وازدواجية المعايير، حيث أنه يصادر على قرار إنشاء لجنة تقصي الحقائق في الانتهاكات والقتل في أوكرانيا”.
بينما اعتبرت البعثة الجزائرية لدى الأمم المتحدة أن “الرغبة في تعليق عضوية أي دولة منتخبة من قبل المجموعة الدولية، من أي هيئة أممية، ليس من شأنه أن يساهم في تعزيز روح العمل والتعاون متعدد الأطراف”.
فالعرب متحفظون من إصدار قرار يحمل إدانة لروسيا قبل إرسال لجنة تحقيق في الجرائم المرتكبة بأوكرانيا والتأكد من الطرف المتورط في هذه الجرائم على غرار ما حدث في سوريا وغزة ولبنان، ولا يرغبون في تصعيد الموقف أكثر بشكل لا يخدم الوساطة التي تقودها الجامعة العربية.
المصالح العربية في خطر
تستورد العديد من الدول العربية السلاح والحبوب من روسيا وتربطها بها علاقات تاريخية ومتينة، وأي مواقف حادة ضد موسكو من شأنه أن يهدد هذه المصالح التي يمكن وصفها بالاستراتيجية خاصة في ظل الضغوط الأمريكية والغربية.
فالجزائر تستورد ثلثي أسلحتها من روسيا، بينما استوردت مصر قرابة 70 بالمئة من احتياجاتها من القمح من روسيا، ويخشى المغرب من موقف متشدد من موسكو بمجلس الأمن في قضية الصحراء، والنظام السوري بقاؤه مرتبط باستمرار الدعم الروسي.
وتشكل روسيا شريكا للدول العربية النفطية في منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” لضبط أسعار البترول، بل وخيارا مثاليا للتوظيف ضد التهديدات الأمريكية على بعض الدول الخليجية، على غرار تهديد جو بايدن، في 2019، قبل أن يصبح رئيسا، بجعل السعودية “دولة منبوذة”.
فرغم رفض الدول العربية من حيث المبدأ اعتداء أي دولة على سيادة دولة أخرى، إلا أنها لا ترغب في أن تكون جزءا من هذا الصراع بشكل يضر مصالحها الاستراتيجية.
وعزل روسيا وإضعافها بسبب حربها على أوكرانيا لا يخدم مصالح الدول العربية في رغبتها في عالم متعدد الأقطاب، بدل القطب الأمريكي الواحد، الذي تجلى ضرره حتى على الدول الحليفة للولايات المتحدة.
فرفض الهيمنة الأمريكية، سبب آخر يدفع دول وشعوب عربية إلى التعاطف مع الموقف الروسي الذي حذر منذ سنوات من تمدد حلف شمال الأطلسي “الناتو” من حدوده الغربية.
خطأ قاتل؟
على الصعيد الشعبي، فإن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لم ينل تعاطفا من جانب مؤيدي القضية الفلسطينية، عندما شبه الهجوم الروسي على بلاده بما “تتعرض له إسرائيل”، في خطابه الذي ألقاه أمام الكنيست عن بعد.
وهذا الموقف لم يجلب له انتقادات الكثير من الإعلاميين والمثقفين العرب فحسب، بل دفع جزءا من الرأي العام العربي والمتعاطف مع الشعب الأوكراني إلى إعادة مراجعة موقفه، بعد أن وضع زيلينسكي إسرائيل في موضع الضحية، وبالتالي فإن الشعب الفلسطيني في نظره أصبح المعتدي.
أحد المعلقين العرب غرد على تويتر ردا على الرئيس الأوكراني “زيلينسكي وضع روسيا والفلسطينيين كجلادين، وأوكرانيا وإسرائيل كضحايا للغزو”.
ازدواجية المعايير
لم يكن وحده الرئيس الأوكراني من يعاني من ازدواجية المعايير في نظر المعلقين العرب، بل إن الغرب ناله نصيب من الانتقادات.
فردة فعل الدول الغربية المنددة بالعملية العسكرية الروسية والداعمة للجيش الأوكراني بالأسلحة وإيواء اللاجئين، قابلها صمت عن الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في فلسطين، بل دعم وتأييد لها.
وبينما تندد واشنطن بجرائم الروس في أوكرانيا تتناسى ما ارتكبته من جرائم في العراق وأفغانستان وحتى ليبيا، بحسب معلقين.
وهذا ما يدفع جزءا من الرأي العام في دول مثل فلسطين والعراق والجزائر ومصر والمغرب للتعاطف مع روسيا ضد الغرب، ليس حبا في موسكو بقدر ما هو رفض لازدواجية المعايير الغربية التي تكيل بمكيالين، ولا تستعمل حقوق الإنسان إلا بما يخدم مصالحها.
(المصدر: الأناضــول)