الفهرس

بقلم: د. مصطفى أمزير

بين ريتا وعيوني … بندقية
والذي يعرف ريتا، ينحني
ويصلي
لإله في العيون العسلية
… وأنا قبَّلت ريتا
عندما كانت صغيرة
وأنا أذكر كيف التصقت
بي ، وغطت ساعدي أحلى ضفيرة
وأنا أذكر ريتا
مثلما يذكر عصفورٌ غديره
آه … ريتا!

    من منا لم يتغنّ داخل ساحات النضال في الجامعة بقصيدة محمود درويش (ريتا) التي ذاع صيتها بلحن مارسيل خليفة الجميل، باعتبارها نصا ثوريا يبوح بتباريح الألم والشوق المستبد بمناضل لاجئ يتحرق لملاقاة أرضه بعد فراقها ظلما .. كان الجميع يؤول اسم “ريتا‘‘ بهذا البعد الرمزي لمدلول فلسطين شعريا .. وهكذا كانت القصيدة تبدو لنا دافئة بل ملتهبة وجدانيا مع الشروح والتحاليل التي تولى الرفاق كتابتها في أكثر من دراسة للقصيدة …

   في سنة 1997م، حينما راج الحديث عن أن “رتا‘‘ فتاة صهيونية حقيقية من لحم ودم جمعتها علاقة حب بمحمود درويش وأن النص السالف الذكر غزلي المنحى لا علاقة له بالبعد الثوري الذي رُوِّج له، أجرت الأديبة والصحفية الفرنسية لور إدلر مقابلة تليفزيونية مع محمود درويش وألحت في حوارها لكى تعرف حقيقة «ريتا» التى كتب عنها «ريتا والبندقية»، و«شتاء ريتا الطويل»، لكن درويش أجاب مستعملا التورية : ” أنا لا أعرف امرأة بهذا الاسم فهو اسم فنى‘‘!. وفي سنة 2014 أنجزت المخرجة “الإسرائيلية العربية‘‘ ابتسام مراعنة منوحين فيلما وثائقيا عن محمود درويش بعنوان”سجل أنا عربي‘‘ كشفت فيه أن”رتا‘‘ هي “تمار بن عامي‘‘ ؛ راقصة يهودية من أصل بولندي تعرّف إليها الشاعر يوم قامت بأداء رقصة في مقر الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وكان عمرها 16 عاماً. لكنّ العلاقة لم تستمر طويلاً بعد حرب 67 والتحاق “تمار‘‘ بالخدمة العسكرية في سلاح البحرية التابع للجيش الإسرائيلي.

   وعرض الفيلم لأول مرة لقاء حواريا مع رتا التي ما زالت على قيد الحياة والتي أدلت للمخرجة بعدد من خطابات الحب التي كتبها درويش إليها باللغة العبرية، التي كان يجيدها، ومن بينها خطاب يقول لها فيه: “أردت أن أسافر إليك في القدس حتى أطمئن وأهدّئ من روعك. توجهت بطلب إلى الحاكم العسكري بعد ظهر يوم الأربعاء لكي أحصل على تصريح لدخول القدس، لكن طلبي رفض. لطالما حلمت بأن أشرب معك الشاي في المساء، أي أن نتشارك السعادة والغبطة. صدّقيني يا عزيزتي أن ذلك يجيش عواطفي حتى لو كنت بعيدة عني، لا لأن حبي لك أقل من حبك لي، ولكن لأنني أحبك أكثر.. شكرا لك يا تامار، لأنك جعلت لحياتي طعما. إلى اللقاء. حبيبك محمود‘‘.


للتنويه فقط في الأخير، فإن الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي كان درويش أحد أعضائه ، كما كل الأحزاب الشيوعية العربية أيام الاستعمار، كان يرى داخل أدبياته أن الاحتلال الغربي لبلادنا فرصة تاريخية إيجابية لتسريع التطور نحو الاشتراكية بما يتسبب فيه هذا الاحتلال من تحديث للبنية التحتية للمجتمع! لذلك لم يكن مستغربا داخل هذا الفهم الأيديولوجي أن تنسج علاقات وجدانية بين محمود درويش العربي المسلوب و”رتا‘‘ الصهيونية السالبة تحت لواء الماركسية!

X