في عالم السياسة، وما يتفرع عنها من أنشطة انتخابية وغيرها، يعتبر المال ضرورة لا غنى عنه كي يقوم السياسي بدوره. لكن ضرورة المال في السياسة لا يجب أن تُطَبَّق على حساب الشفافية والنزاهة، أي لا يجب الخلط في نفس السياق بين التمويل القانوني والتمويل الفاسد الذي يلجأ إلى طرق غير قانونية للصعود في السلم السياسي.

وقضية التمويل الفاسد ظاهرة قديمة، وهي حاضرة بقوة في النظم الاستبدادية، وتشكل عقبة بالنسبة لتلك الدول التي تعيش مرحلة الانتقال الديمقراطي.

وفي المغرب، ما تزال مسألة ’’التمويل الفاسد‘‘ تستقطب النقاش العمومي؛ وما تزال ظاهرة ’’المال الانتخابي‘‘ تفرض نفسها في المناسبات الانتخابية، حيث إن جل الأحزاب المغربية تعتمد في حملاتها الانتخابية على أصحاب المال، أو ما يعرف في المغرب بـ ’’أصحاب الشكارة‘‘، لاستمالة الناخبين والظفر بأصواتهم مقابل عرض مادي أو مبلغ مدفوع.

وقد لوحظ هذا المسعى جليا في الانتخابات المهنية الأخيرة، وتتخوف بعض الأحزاب من أن يؤثر ذلك على الانتخابات التشريعية والمحلية المزمع إجراؤها في 8 شتنبر/أيلول المقبل. وبلغ التخوف مداه إلى حدّ تصريح أحد السياسيين بأن الحملة الانتخابية الحالية يُستعمل فيها المال بشكل غير مسبوق وبطريقة رهيبة.

وقد أثبتت التجارب الانتخابية السابقة، صعوبة القطع التام مع ’’المال الانتخابي‘‘ بالرغم من كل العقوبات المنصوص عليها في قوانين الانتخابات والآليات الرقابية المعتمدة والنوايا المعلنة.

فالمسألة في حقيقة الأمر، أعمق من مجرد إصدار نصوص قانونية وتطبيق إجراءات رقابية ذات طابع موسمي، لأن لها صلة بقيم المجتمع وثقافته وبالممارسات السياسية المتواترة للمتواجدين في السلطة. ومن ثمة، فإن إصلاح الأمر يقتضي عزيمة وحسما وإرادة سياسية قوية.

ومن جهة أخرى، يجب لفت الانتباه، إلى أن ’’المال الانتخابي‘‘ يرتبط بموضوع ذي صلة، ظل زمنا طويلا مناط نقاش وسجال وما يزال. والمقصود هنا، موضوع علاقة السلطة بالمال.

وقد أثير النقاش حول هذه المسألة من طرف عدة جهات، وظل مَطلبُ الفصل بين السلطة والمال قائما حتى من طرف أولئك الذين يجمعون في آن واحد بين مراكز مالية وسلطوية.

وبالتالي، من الصعب جدا في مغرب اليوم، إيجاد حلٍّ ناجع لهذا المشكل المعقد، ما دام أن من يُنتَظر منه الحلّ ينطبق عليه القول: ’’فيك الخصامُ وأنت الخصْمُ والحَكَمُ‘‘.

فعددٌ كبيرٌ من القيادات الحزبية والمسؤولين في المغرب، يجمعون بين الثروة والسلطة، وهذا ما يفسر إلى حدود الآن، عدم إصدار تشريع يحُدُّ من زواج المال بالسلطة.

وفي ظل الوضع القائم، من الصعب الحديث عن بناء علاقات ثقة بين المواطنين والسياسيين، بل إن المعطيات تشير إلى تراجع تلك الثقة، وبشهادة تقرير ’’اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي‘‘. ومن ثمة، فإن ارتفاع نسبة العزوف عن التصويت في الانتخابات المقبلة فرضية واردة لا يمكن استبعادها.

(الفهرس/سعيد منصفي التمسماني)

X