هل كانت العلاقة بين البرهان وحميدتي قائمة على تحالف حقيقي، أم أن الأمر كان مجرّد ’’زواج مصلحة‘‘ معرضا للانحلال أمام أي اختبار جِدّي؟

ما حدث صبيحة 15 أبريل 2023 في العاصمة السودانية الخرطوم من مواجهات دامية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ليس الأوّلَ من نوعه.

ففي الثاني من يوليو  1976، حدث شيء مماثل عندما هاجمت فرقٌ سودانية قادمة من ليبيا الخرطومَ بهدف قلب نظام حكم الرئيس آنذاك جعفر النميري بإيعاز من زعيم ليبيا الراحل معمر القذافي.

وتكرّر المشهد ذاته في مايو 2008 في عهد الرئيس السابق عمر البشير عندما نفّذت حركة ’’العدل والمساواة‘‘ عملية تمرُّد بدعمٍ من النظام التشادي ورئيسه آنذاك إدريس ديبي، وبإيعاز –حسب ماقيل- من الراحل حسن الترابي الذي كان على خلاف عميق مع البشير.

والسودان بتنوعاته البشرية، ومساحته الكبيرة باعتباره ثالث أكبر دولة في إفريقيا، ومحيطه الإقليمي المضطرب، يُجسِّد بيئة ملائمة للمواجهات المسلحة والتمردات، يزيد من حدّتها، سوء التدبير الحكومي، والدكتاتورية العسكرية الجاثية ثلاثين عاما على مصير البلاد بقيادة الفريق عمر البشير. فكان من نتائج هذا الوضع المختلّ، أن انفصل الجنوب الغني بالنفط عن السودان بعد تمرد طويل قاده ما عُرف باسم جيش التحرير الشعبي السوداني، وعمّت الاضطرابات والمواجهات في ولاية دارفور، ثم اندلعت الاحتجاجات في أواخر سنة 2018 التي أسقطت نظام البشير، ولما يستقر الوضع في السودان الجريح المتمايل إلى اليوم.

وما يحدث في السودان حاليا كان أمرا لا بُدّ من وقوعه في ظل وجود رأسين للهيئة العسكرية: الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس ما يسمى بمجلس السيادة السوداني، والفريق محمد حمدان دقلو (الملقب بـ حميدتي) قائد ميليشيات قوات التدخل السريع، وقد انخرط الاثنان في صراع وجودي على السلطة في بلد يواجه انهيارا اقتصاديا وانقساما خطيرا بين مكوناته.

الفريقان، كلاهما، يتحركان وفق تأثيرات خارجية، وكلاهما تعاونا في وقت سابق على إجهاض اتفاق نقل السلطة إلى الإدارة المدنية سنة 2021.

البرهان متعطش للسلطة ومستعد لفعل أي شيء للحفاظ عليها، وحميدتي يسيطر على صناعة الذهب وتجتمع بين يديه ثروة ضخمة ويُسَيّر قوات يبلغ عددها أكثر من 100 ألف جندي، وبالتالي، من الصعب تصَوُّر عودة الرجل إلى رشده.

وقد بدأت علامات الصراع بين الرجلين منذ عدة أشهر. وبالرغم من ذلك، توصّلا إلى توقيع اتفاق بمثابة إطار مع أطراف مدنية شملت قوى الحرية والتغيير، كإجراء تمهيدي لنقل السلطة إلى حكومة مدنية وإصلاح قطاع الأمن ودمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي. لكن الاتفاق لم يحدّد أي جدول زمني لتنزيل بنوده.

وفي فبراير 2023 وصف حميدتي ما حدث في أكتوبر 2021 بأنه كان خطأ وأنه ’’فتح الباب أمام عودة النظام القديم‘‘، وذلك في إشارة إلى الانقلاب العسكري الذي أطاح بالمدنيين الذين كانوا يتقاسمون السلطة مع المؤسسة العسكرية لإدارة المرحلة الانتقالية.

هل كانت العلاقة بين البرهان وحميدتي قائمة على تحالف حقيقي، أم أن الأمر كان مجرّد ’’زواج مصلحة‘‘ معرضا للانحلال أمام أي اختبار جِدّي؟ وهل كانت مسألة دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي هي العقبة المتسببة في انتقال الصراع إلى ميدان الاقتتال؟ أم أن الثورة المدنية السودانية هي المستهدف في المقام الأول سواء من طرف المؤسسة العسكرية أو من طرف بعض القوى الخارجية؟

إن قوات الدعم السريع شبه العسكرية كانت محل جدل مستمر، نظراً للأدوار التي تولتها داخل الدولة وخارجها وبسبب تزايد قوتها واستقلالها. وقد خرجت هذه القوات من رحم ميليشيات الجنجويد التي أحدثها الرئيس السابق عمر البشير واستعان بها لإخماد أحداث دارفور، واتُّهمَت على إثر ذلك بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية. وقد بدأ التفكير في إدماج الجنجويد في صفوف الجيش سنة 2010. ثم أدمجت في المخابرات السودانية ما بين 2013-2017 تحت اسم ’’قوات الدعم السريع‘‘. وفي سنة 2019 أضحت شبه مستقلة وأصبح قائدها حميدتي يحتل منصب الرجل الثاني في الحكم.

لا شك أن السودان، وحسب العديد من التقارير الإعلامية الغربية يعاني من سياسة الاستقطاب التي تمارسها القوى الدولية الكبرى وبعض القوى الإقليمية، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإسرائيل.

وبينما يشتد الصراع، ويكتفي المجتمع الدولي بإصدار البيانات، يتساقط القتلى من المدنيين والمسلحين، والحصيلة مرشحة إلى أن ترتفع، والدولة برمتها مهدّدة إلى ولوج أسوأ السيناريوهات مع تداعيات محتملة على الجوار الإقليمي والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبالخصوص على مصر والتأثير المحتمل للصراع على قضية مشروع سد النهضة الإثيوبي.

(سعيد منصفي التمسماني/وكالات)

X