لماذا تنحاز قبائل بابوا غينيا الجديدة لإسرائيل؟ ولماذا يرقص أهلها على وقع رقصة الحروب حاملين أعلاما إسرائيلية؟ ما علاقة هذا البلد بإسرائيل وبالمسيحية المُتصهينة؟؟

 

نشر الكاتب الفلسطيني إبراهيم علوش مقالا في موقع ’’الميادين‘‘ تحدث فيه عن دولة بابوا غينيا الجديدة، وذلك على إثر انتشار فيديوهات تُظهر أعدادا من قبائل ذلك البلد وهم يرقصون رقصة حرب ملوحين بالأعلام الإسرائيلية… فما القصة، وما الأسبـــاب….؟؟

 

مجموعة من إحدى قبائل بابوا غينيا يرقصون ملوحين بالأعلام الإسرائيلية

بقلم: إبراهيم علوش

ظهر اسمها في وسائل الإعلام سريعاً قبل أيام، مع إعلان وزير خارجية الكيان الصهيوني إيلي كوهين عزمها افتتاح قنصلية لها في الضفة الغربية (“يهودا والسامرة” بحسب تعبيره)، قالت تقارير إعلامية إنها ستكون على الأرجح في مستوطنة “أرييل”، التابعة أراضيها لسلفيت، جنوبي قلقيلية ونابلس، وشمالي رام الله والبيرة.

أن يأتي مثل ذلك الإعلان في خضم العدوان الصهيوني على غزة، وعدوان موازٍ، لا يقل خطورةً سياسياً، على الضفة الغربية، هو أمرٌ لافتٌ بالضرورة، وخصوصاً عندما يكون المعني دولةً فقيرةً جنوبي شرقي المحيط الهادئ، هي أيضاً واحدة من الجزر التي احتدت المنافسة عليها مؤخراً بين الصين والولايات المتحدة الأميركية.

***

اسمها بابوا غينيا الجديدة، أو “دولة بابوا غينيا الجديدة المستقلة”(The Independent State of Papua New Guinea)، إلا أنها ليست مستقلة تماماً، فهي تتبع التاج البريطاني أولاً، منذ “استقلالها” عن بريطانيا عام 1975، وهي رهينة “عقد ارتباط حر”، ثانياً، مع الولايات المتحدة الأميركية، جرى توقيعه مع وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن في 22/5/2023، تؤول بموجبه شواطئها الطويلة و”المستقلة” ودفاعها الخارجي إلى البنتاغون في مقابل 45 مليون دولار فقط، كـ”مساعدات” لتحديث بنيتها الأمنية أساساً.

كان ذلك “العقد” أحد العقود التي وقعتها الولايات المتحدة مع جزر “بالاو” و”ميكرونيزيا” و”مارشال” لتثبيت سيطرتها على المحيط الهادئ، وخصوصاً بعد الاتفاق الأمني بين جزر سليمان والصين عام 2022، و”الجائزة” الأميركية الموعودة هي نحو 20 مليار دولار لكل تلك الجزر على مدى 20 عاماً.

أما بابوا غينيا الجديدة فليست جزيرة صغيرة، إذ إن حجمها يبلغ نحو 463 ألف كيلومتر مربع تقريباً، وتحدها إندونيسيا غرباً، وأستراليا جنوباً، وجزر سليمان شرقاً، وكثيرٌ من المحيط ثم جزر ميكرونيزيا شمالاً، أي أن موقعها حساس استراتيجياً في المحيط الهادئ.

يبلغ عدد سكان بابوا غينيا الجديدة أكثر من 10 ملايين رسمياً، ويضع بعض المصادر التعداد عند أكثر من 17 مليوناً، وسبب التباين هو انتشار السكان في الأرياف وبمحاذاة الغابات الاستوائية المطيرة في قرى تقليدية فيما يُعَدّ أحد أقل البلدان تمدناً في العالم، إذ يبلغ عدد سكان المدن فيه نحو 13% فحسب.

افتتحت بابوا غينيا الجديدة سفارةً لها في القدس العربية المحتلة في 5/9/2023، لتصبح خامس بلد، بعد الولايات المتحدة الأميركية وكوسوفو وهندوراس وغواتيمالا، تؤسس سفارةً في قدسنا.

جاء إعلان تأسيس قنصلية لبابوا غينيا الجديدة في الضفة الغربية مثيراً للانتباه بالفعل في وجه حملة التضامن الأممي الواسعة وغير المسبوقة مع فلسطين على خلفية العدوان الصهيوني على غزة.

لكنّ ما دفع كاتب هذه السطور إلى البحث في الصلة بين الكيان الصهيوني وبابوا غينيا الجديدة كان شريط فيديو جرى تداوله مؤخراً، يُظهر أعداداً من شبان قبائل ذلك البلد يرقصون رقصة حرب ملوحين بالأعلام الصهيونية. شعرت بأن ذلك الفيديو كان رداً إعلامياً صهيونياً على انتشار أشرطة لسكان أميركا الأصليين، والذين سماهم المستعمر الأوروبي زوراً “الهنود الحمر”، وهم يؤدون رقصات حرب دعماً لفلسطين وغزة.

كان لا بد إذاً من البحث في تاريخ بابوا غينيا الجديدة وفي أحوالها وما يمكن أن يدفعها إلى الانحياز إلى صف العدو الصهيوني بمثل هذه الصورة المستفزة على النقيض من أغلبية شعوب الأرض، حتى في البلدان الغربية ذاتها.

يُظهِر البحث في تاريخ بابوا غينيا الجديدة الحديث أنه بلدٌ اكتشفه الإسبانيون والبرتغاليون في القرن السادس عشر، وأنه اشتهر لدى المستعمرين الأوروبيين بأكل لحوم البشر و”صيد الرؤوس”، وهو طقس بلوغ للمراهقين يتطلب منهم، حرفياً، اصطياد رؤوس أعضاء قبائل أخرى منافسة كي يُعترف بهم رجالاً محاربين.

بقيت عادتا أكل لحوم البشر وصيد الرؤوس شائعتين عبر القرن الـ20، حتى جرى اجتثاثهما في نهايته فقط. وما زالت تشتهر بابوا غينيا الجديدة حتى اليوم بانتشار العنف، وبأحد أعلى معدلات الاغتصاب في العالم نساءً وأطفالاً، بحسب تقارير دولية من عامي 2018 و2019.

بدأت الإرساليات الأوروبية تنصّر أهل البلد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتداول المستعمرون الأوروبيون حكم البلاد، حتى آلَ إلى البريطانيين، مع فترة قصيرة جداً لليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية.

لكن تجربة التنصير في بابوا غينيا الجديدة اتخذت شكلاً متصهيناً، على غرار المسيحية المتصهينة في الغرب، ويبدو أنها كانت تجربة بريطانية سياسية – دينية أتت أُكلها اليوم، ولم تكن المرة الأولى التي يوظف فيها البريطانيون التدين سياسياً.

يدور الحديث هنا عن طوائف مسيحية متهوّدة، هي يهودية أكثر من كونها مسيحية، وهناك أيضاً قبيلة الـ”غوغودالا” في بابوا غينيا الجديدة مثلاً، والتي تؤمن بأنها إحدى قبائل “إسرائيل” المفقودة، وأفرادها صيادون يعيشون في جوار نهر آراميا ممن يستخدمون القوارب المحفورة في جذوع الأشجار، ويُعرفون بأنهم من أكلة لحوم البشر (سابقاً؟)، وبأنهم يلتزمون الديانة اليهودية وطقوسها. وثمة عدة فيديوهات قديمة لهم في قناة “يوتيوب” ملوحين بالعلم “الإسرائيلي”.

المهم أن تهويد العقل والفؤاد يعني صهينتهما، حتى بالنسبة إلى شعوب مسحوقة، كما في بابوا غينيا الجديدة. وهذه رسالة صغيرة إلى من يروجون ما يسمى الديانة “الإبراهيمية”، أي مشروع تهويد الإسلام والمسيحية.

بعيداً عن المغزى السياسي المتصهين لافتتاح قنصلية في الضفة الغربية، وهو أن الضفة الغربية يهودية، لا توجد جالية من بابوا غينيا الجديدة في سلفيت أو في مستوطنة “أرييل”، كي تفتتح قنصلية لها هناك، وربما يسعى الصهاينة لجلبها لتنضم إلى شذّاذ الآفاق من سائر الأرض. فإن فعلوا، فلا يلومن أحدٌ شباننا إن أكلوهم أحياءً.

(المصدر: الميـــــاديــــن)

 

 

انضموا إلى قناة الفهرس في تلغرام للكاتب سعيد منصفي التمسماني

 

 

 

X