من المستفيد في الوقت الحالي؟

تتجدّد الاشتباكات الحدودية بين إيران وأفغانستان لتؤدي إلى مقتل شخصين على الجانب الإيراني وشخص واحد على الجانب الأفغاني.

نشوء التوتر بين الطرفين يعيد إلى الأذهان الخلافات الإيرانية الأفغانية القديمة ويبعث رسائل قلق وإنذار بشأن تداعيات دخول العلاقات الثنائية في حالة أزمة واستغلالها من بعض الأطراف الخارجية.

سبب النزاع هذه المرة، حسب الظاهر من التصريحات الإعلامية، هو الخلاف بشأن الموارد المائية. لكن، ربما يكون الأمر أعمق من ذلك.

فمن المعلوم أن العلاقات بين إيران وحركة طالبان في أفغانستان قد مرّت بأزمات ساخنة خلال عقد التسعينيات وبداية الألفية بلغت إلى حدّ اتهام الحركة للنظام الإيراني بتوظيف نفوذه في أفغانستان من أجل مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد طالبان.

بلغ النزاع بين الطرفين ذروته خلال التسعينيات عندما قامت حركة طالبان بإعدام ثمانية دبلوماسيين وصحفي في القنصلية الإيرانية في مزار الشريف الأفغانية، وكاد الحادث أن يتسبب في حرب واسعة.

من الواضح أن الخلافات بين البلدين ليست هيِّنة، فثمة إشكالية الحزازات العرقية والطائفية التي تضرب بين الفينة والأخرى متسببة في سقوط ضحايا أبرياء ومآسٍ إنسانية، يزيد من حدّتها قيام أطراف خارجية بتأجيجها بهدف إطالة الصراع.

ثم هناك الخلافات الناجمة عن مسألة ملف الحدود الترابية ومسألة اقتسام الموارد المائية (مياه نهر هلمند)، بالإضافة إلى مشاكل التهريب وملف اللاجئين الأفغان المتواجدين في إيران. وهذه كلها خلافات يمكن التعاطي معها بإيجابية لو توفرت أرضية الحوار المناسبة وتُرك الأمر لأصحابه ولِوَساطات ذات مصداقية تبحث عن إيجاد الحلول الحقيقية بدل العمل على إثارة مزيدٍ من الخلافات.

نتذكر كيف سعت كل من إيران وطالبان أثناء االاحتلال الأمريكي لأفغانستان إلى التقارب والتفاهم لمواجهة التدخل الأمريكي، وكيف تمت تصفية مسؤولين من طالبان في تفجيرات أمريكية عند عودتهم من إيران حيث كانوا في زيارة خاصة!!

كما نتذكر التقارب الإيجابي بين طالبان وإيران بعد أن قررّت الولايات المتحدة إنهاء احتلالها لأفغانستان في أغسطس 2021 بعد عشرين سنة من الاحتلال تكبدت خلالها خسائر وتركت وراءها كمية هائلة من الأسلحة تقدر بعشرات المليارات من الدولار الأمريكي.

حينها، أبدى الطرفان علامات تدل على رغبتيْهما في إحداث قنوات لتقريب وجهات النظر، وأقدمت إيران على تقليل دعمها السياسي والعسكري لمجموعة الهزارة الشيعية وللطاجيك في خطوة اعتبرها البعض كمبادرة نحو تسوية العلاقات.

وقد أدت بعض الاهتمامات المشتركة، لا سيما ما يتعلق بتضررهما من السياسات العقابية لواشنطن، إلى تحسين العلاقات الدبلوماسية وتبادل الزيارات، وتوقيع مذكرات تفاهم وتعاون في عدة مجالات اقتصادية وعلمية، لكن كل ذلك كان يتم في سياق مطبوع بالحذر، حيث إن إيران اختارت نهج الانتظار والترقب بدلاً من الاعتراف الفوري بطالبان.

ليس من مصلحة طالبان في هذا الوقت بالذات إثارة مشاكل مع جارها الإيراني ولا مع أي طرف إقليمي، فهي تسعى للحصول على الاعتراف الدولي بها، أو على الأقل الاعتراف الإقليمي، مما سيساعدها على التقليل من وطأة العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة عليها.

وليس من مصلحة إيران كذلك استمرار التوتر مع طالبان لأن من شأن ذلك أن يدخلها في حرب استنزاف أثبتت التجارب أن حركة طالبان تجيد ممارستها. ثم إن طهران تشن اليوم حملة دبلوماسية لتسوية خلافاتها مع جيرانها الإقليميين برعاية صينية وتوجس أمريكي كبير.

لذلك، يصبح السؤال ذا مغزى عندما يتساءل البعض حول من المستفيد الأكبر من نشوب نزاع جدي بين إيران وطالبان، بالنظر إلى الموقع الاستراتيجي لأفغانستان والموقف المؤثر لطهران في علاقتها مع روسيا والصين، لا سيما في ظل السياق الدولي المتوتر الذي تحركه الحرب بين روسيا من جهة وأوكرانيا بدعم النيتو من جهة أخرى، إضافة إلى الصراع المتأجج بين واشنطن وبكين؟؟

(سعيد منصفي التمسماني/وكالات)

X