ما هي أسبابه؟ وما هو السياق الذي أقدمت فيه الصين على إبرام مثل هذا الاتفاق؟

     في الوقت الذي يحاجج فيه الغرب بقيادة الولايات المتحدة بالحق السيادي للدول في تقرير انضمامهم إلى حلف الناتو من عدمه، مثلما هو الحال بالنسبة لأوكرانيا، فإن واشنطن تعارض قيام دولة صغيرة مثل جزر سليمان بإبرام اتفاق أمني مع الصين، وهو الاتفاق الإطار الذي أعلنت عنه الحكومة الصينية مع جزر سليمان بشأن التعاون الأمني.

هذا الازدواج في المعايير، هو ما ينظر إليه العديد من المتتبعين كعامل من عوامل تقويض السلم والأمن الدوليين ويدفع إلى صراع متنام نحو إنشاء مزيد من التحالفات العسكرية.

جزر سليمان تُشكِّل دولة صغيرة مكونة من ست جزر ومئات الجزر الصغيرة التي تقع في جنوب المحيط الهادئ ويقل عدد سكانها عن 800 ألف نسمة. وتكمن أهميتها بالخصوص، في موقعها الاستراتيجي وفي المساحة المهمة لإقليمها البحري.

وسبق لهذه الدولة أن أبرمت اتفاقا أمنيا مع أستراليا سنة 2003 على إثر اندلاع أعمال شغب عرقية. وبموجب ذلك ستُشْرف  كانبيرا على مهمة سلام لمدة 14 عاما انتهت سنة 2017.

وفي أواخر السنة الماضية عرفت العاصمة هونيارا (عاصمة جزر سليمان) اندلاع اضطرابات جديدة دفعتها إلى توجيه طلب إلى كل من أستراليا ونيوزيلندا وبابوا غينيا لإرسال قوات دعم. ولم تكد تمر فترة وجيزة حتى أرسلت الصين قوات متخصصة لتدريب الشرطة المحلية على مكافحة الشغب وذلك لأول مرة.

سياق الاتفاقية

تأتي الاتفاقية الأمنية المبرمة بين الصين وجزر سليمان (19 أبريل/نيسان الجاري) في ظرف لا يبعد كثيرا عن تاريخ إبرام اتفاقية ’’أوكوس‘‘ بين كل من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وأستراليا في شتنبر/أيلول من السنة الماضية.

و’’أوكوس‘‘ هي في جوهرها، اتفاقية دفاعية أمنية ثلاثية تهدف على وجه الخصوص إلى تعزيز السيطرة العسكرية الغربية بقيادة واشنطن في منطقة المحيط الهادئ/الهندي.

وإذا كانت هذه الاتفاقية قد أثارت قلق الصين، فإنها أغضبت في نفس الوقت فرنسا الحليف الكبير لواشنطن. ومَرَدُّ ذلك، أن أحد بنود اتفاقية ’’أوكوس‘‘ نصت على مساعدة أستراليا للحصول على تكنولوجيا الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، وهو ما كان يعني تفويت مليارات الدولارات على فرنسا بعد انسحاب  أستراليا رسميا من صفقة شراء غواصات كانت قد أبرمتها مع باريس سنة 2015.

كما أن اتفاقية الصين وجزر سليمان، تندرج في سياق حساس عام تهيمن عليه الحرب الروسية الأوكرانية التي انخرط فيها الغرب بشكل كبير.

ولا يخلو التوقيت من دلالات سياسية، حيث إن تاريخ الإعلان عن الاتفاقية جاء  بعد ساعات فقط من تأكيد البيت الأبيض أن كورت كامبل، كبير مسؤوليه الآسيويين، ودانييل كريتنبرينك، مساعد وزير الخارجية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ، سيزوران جزر سليمان  الأسبوع المقبل.

وفي فبراير/شباط الماضي، أعلنت واشنطن عزمها إعادة فتح سفارتها في جزر سليمان، وسط مخاوف من خطط الصين في المنطقة.

فهل فاجأت بكين واشنطن بإبرامها الاتفاقية الأمنية مع جزر سليمان واستبقت مخططاتها؟

الحكومة الصينية وصفت الاتفاق بأنه ’’أمني موسع‘‘. وقال متحدث وزارة الخارجية وانغ وينبين، في مؤتمر صحفي اعتيادي، أن الاتفاق “سيشمل تعاون بكين مع هونيارا  في الحفاظ على النظام الاجتماعي، وحماية سلامة الناس ومساعدتهم، ومكافحة الكوارث الطبيعية، والمساعدة في حماية الأمن القومي”، بحسب موقع قناة “سي جي تي إن” الصينية.

وأكد المسؤول الصيني على أن الاتفاق الأمني “جزء من التبادلات الطبيعية والتعاون بين دولتين مستقلتين صاحبتيْ سيادة”، وأنه “سيكون واضحا شفافا ولا يستهدف أي طرف ثالث”.

أما رئيس وزراء جزر سليمان، ماناسيه سوغافاري، فقال إن الاتفاقية لن “تقوض السلام والوئام” في المنطقة؛ مُؤكِّدا، أنها لا تستهدف الحلفاء التقليديين بل تهدف إلى تحسين الوضع الأمني الداخلي لبلاده. وفي خطاب له أمام البرلمان، قال سوغافاري إن الصين لن تشيّد، بموجب الاتفاقية، قاعدة عسكرية على أراضي جزر سليمان.

لماذا تخشى أمريكا وأستراليا من الاتفاق؟

رغم تطمينات المسؤولين في الصين وجزر سليمان، فإن ذلك لم يمنع كلا من أستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة للإعراب عن مخاوفهم بشأن الأبعاد الحقيقية للاتفاقية.

وتزداد المخاوف بسبب التكتم على تفاصيل الاتفاق. إلا أن وثيقة تم تسريبها في الأنترنت من طرف بعض المعارضين السياسيين في الدولة الجزيرة، تشير إلى أن الاتفاق يسمح للصين برسو سفنها الحربية في جزر سليمان ونشر قواتها “لحماية أمن الصينيين والمشروعات الصينية” هناك. وحسب الوثيقة ذاتها يمكن لجزر سليمان أن “تطلب من الصين إرسال عناصر من الشرطة، والشرطة العسكرية، والجيش، وغير ذلك من عناصر إنفاذ القانون والقوات المسلحة”.

والسيناريو الأسوأ الذي تتخوف منه واشنطن وحلفاؤها في منطقة المحيط الهادئ يتمثل في إمكانية إقدام الصين على بناء قاعدة بحرية في قلب النفوذ الغربي، أي في جنوب المحيط الهادئ.

ويزداد هذا التخوف لدى أستراليا على وجه الخصوص،  كونها تقع على مسافة لا تتجاوز 2000 كيلومتر إلى الجنوب من جزر سليمان.

ولعل ذلك ما جعل المعارضة الأسترالية تصف الاتفاقية المبرمة بين الصين وجزر سليمان بأنها “أسوأ فشل للسياسة الخارجية الأسترالية في المحيط الهادئ” منذ 80 عاما.

ولا شك في أن الاتفاقية  ستمكن الصين من أن يكون لها موطئ قدم في جنوب المحيط الهادئ الاستراتيجي. وهذا ما حذرت منه الخارجية الأمريكية، مُؤكدة أن الاتفاقية “تترك الباب مفتوحا لنشر القوات العسكرية لجمهورية الصين الشعبية في جزر سليمان” وتشكل “سابقة مقلقة لمنطقة جزر المحيط الهادئ الأوسع”.

وحسب بعض المصادر، تخشى واشنطن من أن تخوّل الاتفاقية موقعا استراتيجيا للصين يمكنها من التجسس على القوات الأمريكية المتمركزة في هاواي وغوام، والاقتراب من خطوط الاتصال البحرية المهمة التي تربط أستراليا بالولايات المتحدة.

وبصرف النظر عن تفاصيل الاتفاقية، فالظاهر أن الصين تسير دون تراجع في اتجاه توسيع نفوذها الاقتصادي والعسكري عبر العالم، وأن الاتفاقية الأمنية مع جزر سليمان تندرج ضمن مخطط واسع يستهدف عدة مناطق ودول، من بينها دول جنوب المحيط الهادئ التي تحظى بمواقع استراتيجية بما تتوفر عليه من أقاليم بحرية شاسعة تجعل منها مناط صراع القوى الكبرى في المحيط الهادئ.

(الفهرس/ سعيد منصفي التمسماني/وكالات)

 

X