شاءت القوى العظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، أن تستحوذ على بترول العرب، فكان لها ذلك. 

وقد كان الاستحواذ في البداية، يتم بطريقة غير مباشرة، وبشيء من الدبلوماسية والمهادنة. أما الآن، فقد أضحى ’’وضع اليد‘‘ هو الآلية المفضلة لاستغلال آبار النفط العربية دون وسيط ولا حوار ولا أي شيء من الوسائل التي كانت تُستعمل في السابق. 

بدأت العملية مع وضع اليد على بترول العراق بعد استدراج صدام حسين إلى الكويت وإسقاط نظامه في مرحلة لاحقة، وإن كان الأمر في الحقيقة قد تم قبل ذلك، وبالتحديد منذ فرض الحصار على العراق بعد حرب الخليج الثانية. 

اليوم، تسيطر الولايات المتحدة الأمريكية على النفط السوري بالقوة ودون أي مبرر قانوني يسمح لها بذلك، وتتصرف فيه كما تشاء، والعالم ينظر إلى الأمر غير قادر على انتقاد تدخلات القوة العظمى. وقد كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أعلن أنه سينسحب من سوريا، لكنه أكد على أنه سيُبقي عددا من قواته هناك لتأمين المناطق التي يوجد بها النفط، مستغلا الوضع الحرج والمرتبك والغريب الذي يوجد عليه النظام السوري على المستوى الدولي للسيطرة على آبار النفط السورية، وحرمان الشعب السوري منها، بحجة محاصرة موارد النظام ومساعدة أكراد سوريا. 

وتتواجد القوات الأمريكية حاليا في شرق الفرات في سورية، حيث أقامت هناك قاعدة عسكرية في مطار قاعدة الشدادي داخل حقول الجبسة النفطية بريف الحسكة الجنوبي، وتقدم دعمها لقوات سوريا الديمقراطية الكردية (قسد) التي تسيطر على جُلّ مناطق شرق الفرات. وتتصرف الولايات المتحدة كمن له حقوق ملكية النفط السوري من حيث بيعه وتصريفه وعقد كل أنواع عقود المعاملات المتصلة به.  

وحسب إفادات السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام خلال جلسة لجنة العلاقات الخارجية التي عُقدت مؤخرا في مجلس الشيوخ الأمريكي بحضور وزير الخارجية مايك بومبيو، فإن قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وقّع مع شركة نفط أمريكية بهدف تجهيز حقول النفط التي يسيطرون عليها وتحديثها، وهذا الأمر في حد ذاته يعتبر خرقا للقانونين السوري والدولي، لأن طرفي العقد لا يملكان الصفة القانونية للتصرف في شيء لا يخضع لملكيتهما. لكن هنا، يسري منطق القوة على حساب منطق القانون. 

أما السيطرة على النفط الليبي، فإنها تتم بشكل آخر، وتشارك فيها قوى متعددة، من دول نافذة إلى مرتزقة فاغنر الروسية وغيرهم. وهؤلاء يتحكمون في مصير النفط الليبي، بسيطرتهم على حقوله ومنشآته وموانئ تصديره، فيقررون الحصار متى شاؤوا ويرفعونه حسب المصالح والاعتبارات السياسية. وبالجملة، فإنهم يتحكمون في مصير 1,2 مليون برميل من النفط الجيد الخفيف المنخفض الكبريت. وهذا يعني أن إيرادات النفط الليبية التي قُدرت سنة 2019 بـ 22,5 مليار دولار هي تحت رحمتهم، وأن احتياطات النفط الليبية التي تعتبر الأضخم في إفريقيا هي في متناولهم.

أما مؤسسة النفط الليبية ومصرف ليبيا المركزي، فهي أسماء لمؤسسات فقدت وظيفتها وسيادتها وأضحت أدوات في يد القوى المتدخلة في ليبيا. 

تحدث مشاهد السطو هذه أمام أعين المجتمع الدولي، و لاأحد يجرؤ على إدانة الجرم المرتكب بشأن موارد الشعبين السوري والليبي اللذين يمران في أصعب الظروف ويُحرمان من أبسط وسائل العيش الكريم، بينما يسعى المستغلون وسماسرة الفتن إلى إطالة عمر الأزمات حتى تطول مدة سطوهم، أو إلى أن تؤول إليهم ملكية النفط العربي بالتقادم وطول مدة الحيازة !! 

(الفهرس/سعيد منصفي التمسماني)

X