لقد قيل كلام كثير .. لكن ما بين القول والواقع مفارقات، يصدقها الميدان، وتقرها وضعية الأطراف المتصارعة التي أضحت تثبت وتعترف أن الوقت صار يجري في صالح روسيا

 

 

قيل في بداية الحرب الروسية الأوكرانية، إن المساعدات العسكرية من النيتو إلى أوكرانيا ستُدْخِل روسيا في مستنقع خطير، وتستنزفها على مهل، ليحقق الجيش الأوكراني، في نهاية المطاف، الانتصار، ومعه الحليف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

وقيل، إن السلاح الروسي، انكسر، منذ الوهلة الأولى، على عتبة باب السلاح الأمريكي، وإن آلة الحرب الروسية غير قادرة على مجاراة الصراع، وإن الاقتصاد الروسي سيتصدّع على وقع ضربات العقوبات الاقتصادية الغربية لينهار في مدة قصيرة …

ثم قيل، بعد مرور شهور على الحرب، إن الهجوم المضاد الأوكراني، سيحقق أهدافه عند متم صيف 2023، ويُجْبر روسيا على التراجع وتقديم التنازلات…

وقد قيل كلام كثير .. لكن ما بين القول والواقع مفارقات، يصدقها الميدان، وتقرها وضعية الأطراف المتصارعة التي أضحت تثبت وتعترف أن الوقت صار يجري في صالح روسيا.

لم تؤثر العقوبات الاقتصادية على الاقتصاد الروسي كما كان متوقَّعا، وربما ارتدّ الفعل على الفاعل قبل تأثيره على المقصود به. ولم يؤدّ الهجوم المضاد إلى اختراق الدفاعات الروسية، كما كان يُظن، لأن القوات الروسية اعتمدت على نظام دفاع متطور يتألف من عدة طبقات دفاعية، وبات من شبه المستحيل، الاعتقادُ باسترجاع القرم والمناطق الأربعة التي ضمتها روسيا، بل هناك تخوّفٌ من أن تسعى موسكو إلى توسيع سيطرتها لتطال مناطق أخرى من أوكرانيا.

وقد أظهرت الصور، وعدّة تقارير إعلامية، دمار المعدات والآليات العسكرية الغربية على يد الآلة الحربية الروسية، فألقى المشهد بظلاله على سمعة الصناعة الحربية الغربية، على نحو جعلها تفقد قدرا من قيمتها التجارية والاستراتيجية عند المراقبين والمهتمين.

وهناك أخبار متداولة في الإعلام الغربي، تتحدث عن الوضع السيّء الذي تمر فيه النخبة الحاكمة في أوكرانيا ومعها الجيش الأوكراني. ويزداد هذا الوضع سوءا في ظل تراجع الدعم الأمريكي لكييف والخلافات القائمة في الكونغرس بشأن هذا الدعم.

إن التراجع الحاصل في إمدادات الأسلحة من الغرب إلى أوكرانيا، وخصوصا من أمريكا، أحدث نقصا كبيرا في العتاد والذخيرة لدى القوات المسلحة الأوكرانية، تضاف إليه مشكلة تعطّل المعدات الغربية في ميدان القتال. وبالتالي، لم يعد بإمكان الغرب أن يلبي احتياجات القوات الأوكرانية التي أصبحت تفتقر إلى كل شيء بما في ذلك الكادر والمتخصص، في مقابل صناعة عسكرية روسية قوية من حيث الأداء والإنتاج والقدرة على التأقلم.

هذا، وقد أخذت تسود قناعة في الأوساط الغربية عن عدم جدوى المساعدة العسكرية لأوكرانيا، بل وعن ’’عبثيّتها‘‘، وهو ما أكدته مجلة ’’نيوزويك‘‘ الأمريكية في عددها الصادر نهاية شهر أكتوبر الماضي.

ومن المرجح أن يزداد عجز الجيش الأوكراني من حيث الأسلحة والذخيرة في فصل الشتاء. ومن ثمة، فإن سيناريو الاستمرار في المواجهة العسكرية لاستنزاف روسيا وتحقيق الانتصار أخذ يتراجع بوضوح ليحل محله سيناريو آخر يبدأ بإزاحة فلوديمير زيلينسكي، الذي بات يشكل عبئا على الغرب، وتنصيب مسؤولين جدد تكون لديهم القدرة على الدخول في مفاوضات مع الروس قصْد توقيع اتفاق سلام معهم.

لا شكّ في أن المخطّط الأمريكي لمواجهة روسيا قد ورّط أوكرانيا في ميدان ملغم ومعها أوروبا التي تجد نفسها في نقطة البداية لمعالجة الملفات التي تؤرقها، وفي مقدمتها: ملف الطاقة.

(الفهرس/وكالات)

 

انضموا إلى قناة الفهرس في تلغرام للكاتب سعيد منصفي التمسماني

 

X