إننا أمام شركات عملاقة، بهياكل لا تقاس، يرتبط بها الاقتصاد الدولي ارتباطا شديدا، ويتوقّف إلى حد بعيد على استمراريتها حتى لا يصاب بأزمة، واستمراريتُها تحتاج إلى رواج سوقها، وهذا يحتاج بطبيعته إلى وجود حروب، وعند الضرورة إلى: ’’صنــــاعتـــها‘‘

لدراسة الحروب وفهمها ورصد أسبابها، أصبح ضروريا النظر إلى موضوعها من عدة زوايا، إحدى هذه الزوايا تُطل على عالم ذي صلة بسوق الأسلحة وما تُدرّه من أرباح ضخمة على أصحابها، وكذلك ما تتمتع به من قوة في التأثير على القرارات السياسية.

إن شركات مثل لوكهيد مارتن، وراثيون تكنولوجيز، ونورثروب جرومان، وجنرال دايناميكس، لا تتصدر فقط قائمة الشركات المختصة في صناعة الأسلحة، بل إن لها ثقلا سياسيا كبيرا، نظرا إلى ما تتمتع به من نفوذ داخل حكومات دول كبرى.

تقارير تشير إلى أن الشركات الكبرى المصنعة للأسلحة في أميريكا أنفقت نحو 2,5 مليارات دولار خلال عقدين من الزمن بهدف تسويق مصالحها بواسطة جماعات الضغط التابعة لها.

نتحدّث عن أكثر من تريليونيْ دولار من الإنفاق العسكري عالميا تم رصده سنة 2021، من حيث التدريب والتسليح والأجور، حسب ما ورد في تقرير «معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام» (SIPRI) الصادر بتاريخ 13 مارس 2023. أما المُسجّل من حيث قيمة تجارة السلاح خلال نفس السنة، فقد بلغ 592 مليار دولار.

 إنها أرقام ضخمة ومؤثرة في صناعة القرارات السياسية والاقتصادية على المستوى الدولي، وهي مرشحة إلى أن تزداد. ثم إننا أمام شركات عملاقة، بهياكل لا تقاس، يرتبط بها الاقتصاد الدولي ارتباطا شديدا، ويتوقّف إلى حد بعيد على استمراريتها حتى لا يصاب بأزمة، واستمراريتُها تحتاج إلى رواج سوقها، وهذا يحتاج بطبيعته إلى وجود حروب، وعند الضرورة إلى: ’’صنــــاعتـــها‘‘.

خمس شركات أميريكية تستحوذ لوحدها على 37% من سوق التسليح العالمي. وشركة أمريكية واحدة، مثل ’’رايثيون تكنولوجيز‘‘، التي ارتفعت أسهمها إلى 16% تقريبا، بإمكانها تحقيق أرباح تتجاوز 64 مليار دولار، فقط من بيعها أنظمة صواريخ باتريوت. أما مقاتلات ف35 التي تنتجها شركة ’’لوكهيد مارتن‘‘، فيبلغ ثمنها 100 مليون دولار للطائرة، ولا تقف أرباح الشركة عند عتبة البيع، بل هناك أرباح مرتبطة بعقود التدريب والصيانة الطويلة الأجل.

من الفترة الممتدة من سنة 2018 إلى سنة 2022، زادت حصة الولايات المتحدة من صادرات الأسلحة العالمية من 33 إلى  40%، بينما انخفضت حصة روسيا من 22 إلى 16%، وسجلت فرنسا نسبة 11% مقابل 7% سابقاً.

تقرير «معهد استوكهولم» فسّر تراجع صادرات روسيا من الأسلحة، لاتجاه الصناعة فيها إلى تزويد القوات المسلحة الروسية. عِلماً أن روسيا تعتبر خامس أكبر منفق على السلاح في العالم، حيث يبلغ إنفاقها قبل بدء الحرب  4.1% من الناتج المحلي، كما أنها تعتبر أكبر قوة نووية عالمياً، بالنظر إلى عدد الرؤوس النووية التي تمتلكها.

لا شكّ في أن الحرب الروسية الأوكرانية، قد رفعت إيقاع السباق نحو التسلّح، ولا شكّ كذلك في أن الشركات الأميريكية المُصنّعة للأسلحة كانت وما تزال هي الرابح الأكبر من حرب أوكرانيا، لكن الصراع الصيني الأمريكي، أضحى عاملا محفزا أكثر من غيره في الدفع بشركات صناعة الأسلحة إلى تكثيف نشاطها على سبيل التطوير والإتقان، لا سيما وأن الرئيس الصيني شي جينبينغ قد أعلن بكل وضوح بأن برنامج بلاده العسكري ينزع نحو تحديث القوات المسلحة الصينية بشكل كامل في أفق 2035 وجعل  الجيش الصيني قوة عسكرية «متفوقة عالمياً» بإمكانها «خوض الحروب وتحقيق النصر فيها» بحلول عام 2049.

في ظل هذا السياق المُتوَتّر والصراعات المشتعلة في كثير من مناطق العالم، يزداد الطلب على الأسلحة، وبه تزداد أسهم الشركات المصنعة لها، بالرغم من الأزمة التي تعاني منها العديد من القطاعات الاقتصادية.

ترفع الهند، واليابان، وكوريا الجنوبية، ودول آسيوية أخرى، من إنفاقها العسكري، وتدخل تسع دول عربية قائمة أكبر أربعين مستورد للسلاح، من ضمنها السعودية وقطر ومصر من بين أكبر عشر دول استيرادا للسلاح في العالم، وتسير دول أخرى كثيرة على طريق صفقات السلاح المنعقدة على حساب برامج التنمية والغذاء والتعليم والصحة.

غير أن المثير في تقرير  «معهد استوكهولم» هو ما أشار إليه بشأن  التأثير البالغ للحرب الروسية/الأوكرانية على ارتفاع حجم الإنفاق العسكري الأوروبي وتدفقات الأسلحة إلى أوروبا. فحسب المعطيات الواردة فيه، قد ارتفعت واردات الدول الأوروبية من الأسلحة الرئيسية  بنسبة 47% بين الفترتين الخماسيتين (2013- 2017) و(2018- 2022). بينما سجل ارتفاع واردات الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) من الأسلحة نسبة 65%. أما أوكرانيا، فقد تحولت ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم سنة 2022، وتحرص واشنطن أن تظل مزوّدها الرئيسي. والخلاصة، أن الحرب الروسية/الأوكرانية لعبت دورا أساسيا في إفراز هذه الوضعية، ومن المحتمل أن تزداد تبعية أوروبا للولايات المتحدة الأمريكية كلما طال أمد الحرب، وربما ما بعد الحرب، وهو ما يقتضي حتما، في ظل الوضع القائم، زيادة أرباح الشركات الأمريكية المصنعة للأسلحة على نحو لم يحدث من قبلُ.

إن ظروف الواقع تشير أن تجارة الأسلحة سيزداد رواجها في السنوات القادمة، بالخصوص في ظل الموجة التحديثية لأنظمة التسليح، وذلك بدافع من التقدم التكنولوجي الذي بات يفرض مزيدا من الميزانيات المخصصة للإنفاق العسكري.

(سعيد منصفي التمسماني/وكالات)

 

انضموا إلى قناة الفهرس في تلغرام للكاتب سعيد منصفي التمسماني
X