الحق والالتزام/تعريف الالتزام/بعض أنواع الالتزامات/المصادر المنشئة للالتزامات

 

1ـ القانون المدني، من حيث معناه الواسع، هو مجموعة من القواعد التي تنظم علاقات الأفراد، سواء تعلق الأمر بالأحوال الشخصية، أو علاقات الأحوال العينية، أي المعاملات المالية. وهو  يُعَدّ  المرجع الأساسي للالتزامات.

2ـ ويعتبر القانون المدني أصل القانون الخاص، وبذلك فإنه يمثل الشريعة العامة لباقي القوانين التي تفرّعت عنه، كالقانون التجاري، والقانون العقاري، وقانون الشغل.

3ـ وقد ذهبت جلُّ التشريعات العربية إلى إفراد مدونات خاصة لمواد الأحوال الشخصية. ففي المغرب –مثلا- خصّص المشرع قانونا هو بمثابة ’’مدونة للأسرة‘‘، في حين أن قانون الالتزامات والعقود هو الذي يجسّد القانون المدني المغربي من حيث معناه الضيّق.

4ـ وقد وُضع مشروع قانون الالتزامات والعقود المغربي سنة 1912، على يد لجنة من الفقهاء الفرنسيين، أنشأها المقيم العام الفرنسي بالمغرب، الجنرال ليوطي، من ضمن أعضائها، لوي رينو المستشار بوزارة الخارجية الفرنسية وهوريو المستشار بمحكمة النقض في فرنسا. وصدر ق.ل.ع في 12 غشت 1913؛ ومنذ ذلك الحين، لحقته عدة تغييرات.

5ـ تنقسم مصادر ق.ل.ع المغربي إلى أربعة أقسام رئيسية: المجلة التونسية للالتزامات والعقود، القوانين الأجنبية وفي مقدمتها مدونة نابليون للقانون المدني، الشريعة الإسلامية، والعرف.

6ـ تتوزع فصول ق.ل.ع المغربي على كتابين اثنين: الأول يتناول ’’الالتزامات بوجه عام‘‘. والثاني يتناول بعض العقود المسماة وأشباه العقود المرتبطة بها، ويتضمّن نحو ثلثي نصوص القانون.

7ـ أما عن مضمون النظرية العامة للالتزامات، فإنه يتحدد في الالتزام بصورة عامة منذ نشوئه إلى غاية انقضائه وما قد يلحقه من أوصاف أو انتقال خلال مرحلة سريانه[1].

الحق والالتزام

8ـ إن المال في نظر القانون يتكون من حقوق. والحق في المعاملات مصلحة ذات قيمة مالية يقررها القانون للفرد[2].

9ـ ويُعَرف الحق بأنه ’’قوة إرادية‘‘ إذا ما نُظر إليه من حيث إرادة صاحب الحقّ. ويُعَرَّف بأنه ’’مصلحة يحميها القانون‘‘ إذا ما نظر إليه من حيث موضوع الحق.

10ـ وتنقسم الحقوق، بصفة عامة، إلى قسمين:

حقوق غير مالية، كالحقوق السياسية، والحريات العامة، وغيرها.

وحقوق مالية، وهي التي تقوم بمال. وتنقسم إلى قسمين: حقوق عينية، وحقوق شخصية.

11ـ والحق العيني (droit réel)، هو سلطة معينة يعطيها القانون لشخص معين على شيء معين[3].

12ـ والمقصود بالشيء في نظر القانون، هو ما يصلح أن يكون محلا للحقوق المالية. والأصل في الأشياء أن تكون مادية، أي أن يكون لها حيّز مادي محسوس، كالأرض والمباني والمركبات… أما الأشياء غير المادية، فهي الأشياء غير ذات حيّز محسوس، تكون نتاج العقل البشري، كالتأليف الأدبي والفني… إلخ[4].

13ـ وتنقسم الحقوق العينية، إلى:

 ’’حقوق عينية أصلية‘‘ تقوم بذاتها ولا تستند إلى حق آخر، كحق الملكية على سبيل المثال[5].

و’’حقوق عينية تبعية‘‘، لا تقوم بذاتها، وإنما يستند قيامها على وجود حق شخصي، ويكون ضمانا للوفاء به، وهي ثلاثة[6]: الرهن الحيازي[7]، والرهن الرسمي[8]، وحق الامتياز[9]. (انظر التعاريف في الهامش)

14ـ أما الحق الشخصي (droit personnel)، فهو رابطة بين شخصين، دائن ومدين، يخول الدائن بمقتضاها مطالبة المدين بإعطاء شيء أو القيام بعمل أو بالامتناع عن عمل[10]. والحقوق الشخصية كثيرة، منها: حق المشتري في تسلم المبيع وانتقال ملكيته إليه، وحق المقرض في استرداد مبلغ القرض…

15ـ فالحق الشخصي، إذن، يتكون من ثلاثة عناصر: الدائن، والمدين ، ومحل الالتزام. بينما يتكون الحق العيني، من عنصرين اثنيْن: الحق، وصاحب الحق.

16ـ والحق الشخصي والالتزام وجهان لعملة واحدة. فالالتزام، يقوم على الرابطة القانونية ما بين الدائن والمدين. وقد سميت هذه الرابطة التزاما بالنظر إليها من زاوية المدين، وتسمى حقا شخصيا عندما يُنظر إليها من زاوية الدائن.

تقريب الحق العيني من الحق الشخصي

17ـ من أجل هدم التمييز بين الحق العيني والحق الشخصي، ظهر فريق من الفقه، وعلى رأسهم الأستاذ بلانيول، يقول إن الحق العيني هو كالحق الشخصي رابطة ما بين شخصين. لأن القانون إنما ينظم الروابط بين الأشخاص. ولا يمكن أن يقال في الحق العيني إنه رابطة ما بين الشخص والشيء. فالحق العيني، إذن، يتفق مع الحق الشخصي، في أنه يشتمل أيضا على ثلاثة عناصر: الدائن والمدين وموضوع الحق. فحق الملكية مثلاً، موضوعه الشيء المملوك، والدائن هو المالك، والمدين هم الناس كافة الملزمون باحترام هذا الحق. وبالتالي، فإن الحقّ العيني والحق الشخصي يتماثلان، ولا يختلفان إلا في شيء غير جوهري هو جانب المدين. ففي الحق العيني يكون المدين هم جميع الناس عدا الدائن، أي أن الحق العيني هو حق شخصي ’’عام‘‘ من حيث المدين. أما في الحق الشخصي، فالمدين هو شخص أو أشخاص معينون بالذات[11].

18ـ وقد اعتبر الأستاذ السنهوري، أن لا جدال في أنه من الخطأ أن يقال إن الحق العيني رابطة ما بين الشخص والشيء. فالرابطة لا توجد إلا بين الشخص والشخص كما يقول بلانيول. لذلك قيل في تعريف الحق العيني إنه ((سلطة لشخص على شيء))، ولم يُقل إنه ((رابطة ما بين شخص وشيء)). وأما القول بأن الحق العيني هو حق شخصي  عام من حيث المدين ففيه مغالطة لا تخفى. إذ الحق الشخصي فيه أيضا هذا الجانب العام من حيث المدين، وتلتزم الناس كافة باحترامه. لكن الحق الشخصي يزيد على الحق العيني شيئا جوهريا يميزه عنه، هو الجانب الخاص من حيث المدين إلى هذا الجانب العام الذي تقدم ذكره[12].

تقريب الحق الشخصي من الحق العيني

19ـ إن محاولة تقريب الحق الشخصي من الحق العيني قام بها فريق فقهي على رأسه الأستاذان سالي (Saleilles) ولامبير (Lambert) انطلاقا من التركيز على محل (موضوع) الحق الشخصي. ففي  نظر هذا الفريق، فإن الحق الشخصي كالحق العيني عنصر من عناصر الذمة المالية (patrimoine)، لصاحبه حق التصرف فيه بالبيع أو بسائر التصرفات. وهذا الرأي يختزل في عمقه المذهب المادي للالتزام[13] الذي سنتطرق له.

20ـ ورغم أن المذهب المادي يساير بنظريته التطور القانوني الحديث، فإنه لا ينفي أن هناك فرقاً جوهريا ما بين الحقيْن حتى إذا نُظر إليهما من حيث موضوعهما، فالدائن في الحق العيني يستعمل سلطته مباشرة على موضوع الحق دون وسيط بينهما، بخلاف الحق الشخصي فليس للدائن فيه إلا سلطة غير مباشرة على الشيء موضوع الحق، ولا يستعمل هذه السلطة إلا بواسطة المدين[14].

تعريف الالتزام على ضوء المذهبين الشخصي والمادي

21ـ الالتزام في معناه العام يطلق على كل تعهد أو واجب كيفما كان مصدره وإن لم تكن له علاقة بالذمة المالية للفرد، كالالتزام بالتصريح بالولادة أو الوفاة والالتزام بنذر سابق…[15]

22ـ أما في مجال المعاملات المالية، فالالتزام هو ’’رابطة قانونية‘‘ عند جانب من الفقه، و’’حالة قانونية‘‘ عند جانب آخر، يرتبط بمقتضاها شخص معين بنقل حق عيني أو بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل.

23ـ واعتبار الالتزام رابطة قانونية، فإنه يُحيل إلى مظهرين: أن الالتزام رابطة شخصية بين دائن ومدين، وأنه قيمة مالية تعتبر حقا في ذمة الدائن ودينا في ذمة المدين. وهذا هو مختصر المذهب الشخصي (théorie subjective) المُسْتَمَدّ من النظرية التقليدية للالتزام التي لا تقبل نشوء التزام بدون وجود دائن ومدين، وتعود أصولها الأولى إلى القانون الروماني، حيث كانت هذه الرابطة في بداياتها سلطة تعطى للدائن على جسم المدين لا على ماله، وكانت سلطة واسعة يدخل فيها حق الإعدام وحق الاسترقاق وحق التصرف، وبعد تطور تدريجي أصبحت سلطة الدائن تقتصر على مال المدين. ومن رواد المذهب الشخصي في الالتزام، الفقيه الألماني سافيني[16].

24ـ أما اعتبار الالتزام ’’حالة قانونية‘‘، فهذا ما يقول به أصحاب المذهب المادي/الموضوعي (théorie objective)، وقد تقدم بها فقهاء الألمان، وعلى رأسهم جييرك Gierke. فهم يرون أن الالتزام لا يقف عند الرابطة الشخصية كما يقول أصحاب المذهب الشخصي، بل إنهم يجرّدونه من هذه الرابطة ويفصلونه بذلك عن شخص الدائن وشخص المدين. وينظرون إلى الالتزام على أنه عنصر مالي يختلط بمحله فيصبح شيئا ماديا، العبرة فيه بقيمته المالية. أي أن أصحاب المذهب المادي يركزون في الالتزام على محله وليس على شخصيِّ الدائن والمدين[17].

ومن النتائج العملية للمذهب المادي:

أولا، أن الالتزام باعتبار محله دون أشخاصه، يصبح من السهل تصَوُّر تغير أشخاص الالتزام، فالدائن يمكن تغييره عن طريق حوالة الحق (cession de créance)، والمدين يمكن تغييره عن طريق حوالة الدين (cession de dette)[18].

وقد أخذ قانون الالتزامات والعقود المغربي بحوالة الحق، في حين لم يأخذ بحوالة الدين. وبذلك يكون المشرع المغربي قد تأثر في ميدان انتقال الالتزامات بالنظريتين المادية والشخصية، وذلك وفق ما عبّرت عنه الفصول من 189 وما يليها من قانو الالتزامات والعقود[19].

ثانيا، في المذهب المادي، ما دامت الرابطة الشخصية ليست هي جوهر الالتزام، يمكن تصوُّر نشوء الالتزام دون وجود الدائن، ويكفي أن يوجد وقت التنفيذ. من ذلك مثلا، حالة التزام المدين بإرادة منفردة لغير دائن معين، كأن يَعِد شخص ما بجائزة لمن عثر على شيء ضائع؛ فالواعد هنا يلتزم بإرادته المنفردة، ونشأ الالتزام دون دائن، على أن يوجد هذا الدائن فيما بعد عند تنفيذ الالتزام[20].

وحالة أخرى، ينشأ فيها الالتزام دون وجود دائن، تتجسّد في نظرية الاشتراط لمصلحة الغير، من ذلك على سبيل المثال، حالة عقد التأمين لمصلجة شخص غير معين أو شخص لما يوجد وقت نشوء الالتزام. ولا يمكن تصور التزام مثل هذا في إطار المذهب الشخصي[21].

ثم هناك حالة ’’السند لحامله‘‘، إذ من يوقع السند يلتزم لدائن غير معروف هو حامل السند، وهنا أيضا ينشأ الالتزام دون دائن[22].

فالمذهب المادي، إذن، يتيح إمكانية إنشاء أنواع من الالتزامات القانونية مع غياب الدائن في وقت الإنشاء، وتندرج في هذا المجال، جل الالتزامات الأحادية الناشئة عن الإرادة المنفردة.

تقدير المذهبين الشخصي والمادي

25ـ يقول الأستاذ السنهوري في هذا: ((لا شك في أن النظرية المادية من شأنها أن تؤدي إلى نتائج عملية خطيرة الشأن رأينا جانبا منها، وأدركنا كيف أنها تتمشى مع النظم الاقتصادية القائمة في الوقت الحاضر ومع سرعة تداول المال وتيسير سبل المعاملات، لذلك يجب الاحتفاظ بالمرونة التي يكسبها هذا المذهب لنظرية الالتزام.

على أنه لا يجوز في الوقت ذاته إغفال المذهب الشخصي. فلا يزال الالتزام رابطة فيما بين شخصين. ولا تزال لشخصية المدين والدائن أثر في تكوين الالتزام وتنفيذه. فقد رأينا أنه لا بد من وجود طرفي الالتزام وقت التنفيذ على الأقل)) -انتهى الاقتباس-[23].

بعض أنواع الالتزامات[24]

26ـ الحقوق الشخصية أو الالتزامات التي أوردها المشرع المغربي في الكتاب الثاني من ق.ل.ع تحت عنوان: ’’العقود المسماة‘‘ هي على سبيل المثال فقط، ذلك أن صور الالتزامات غير قابلة للحصر لاتساع مواضيعها وقابليتها للتجدد. وما يمكن فعله في هذا الصدد، هو عرض بعض أنماطها الدالّة والمتداولة لفهم مضمونها بشكل عام.

ـ الالتزامات المدنية والالتزامات الطبيعية:

27ـ الالتزام المدني يتحقق فيه عنصر المديونية وعنصر المسؤولية، ويكون فيه المدين ملزما بالوفاء بما التزم به تحت طائلة الجبر. أما الالتزام الطبيعي، فلا يكون فيه الدائن في وضع يسمح له بإجبار المدين على الوفاء بالتزامه، على الرغم من أن الالتزام الطبيعي قد يكون التزاما مدنيا في أصله. وتحوُّله إلى التزام طبيعي قد يصدر عن عدة أسباب، وذلك كالتقادم المسقط للالتزام. فهنا، يمكن للمدين الوفاء بالتزامه مختارا وليس مجبرا.

وإذا كان ق.ل.ع المغربي لم يتطرق للالتزام الطبيعي تعريفا، إلا أنه أشار إليه في الفصل 73، الذي نص على أن: ((الدفع الذي يتم تنفيذا لدين سقط بالتقادم أو لالتزام معنوي لايخول الاسترداد إذا كان الدافع متمتعا بأهلية التصرف على سبيل التبرع، ولو كان يعتقد عن غلط أنه ملزم بالدفع، أو كان يجهل واقعة التقادم)).

ـ الالتزامات الإيجابية والالتزامات السلبية:

28ـ من حيث محل الالتزام، هناك التزام إيجابي يتم بإعطاء شيء معين أو القيام بعمل معين، كالبائع يلتزم بتسليم بضاعة معينة للمشتري. وهناك التزام سلبي يتمثل في الالتزام  بالامتناع عن القيام بعمل، كالمكتري لمحل تجاري يلتزم بالامتناع عن توجيه المحل لنشاط سوى ذلك المتفق عليه في عقد الكراء التجاري.

ـ الالتزامات الأصلية والالتزامات التبعية:

29ـ الالتزام الأصلي، هو التزام مستقل بذاته يشكل أساس الالتزام، وذلك مثل التزام المكري بتمكين المكتري من العين المكتراة. أما الالتزام التبعي، فهو التزام ملحق ولا يشكل أساس العقد وجوهره. وقد تكون الالتزامات تابعة بطبيعتها، وبالتالي  مقررة بقوة القانون من غير اشتراط، كما هو الشأن بالنسبة لالتزام البائع أو المكري بالضمان. وقد تكون التزامات تابعة مقررة بمقتضى اتفاق.، كما هو الشأن بالنسبة للهبة المثقلة بشرط عدم التفويت.

وليس للالتزمات التبعية دورٌ في تكييف العقد، كما أنه يمكن الاتفاق على إسقاط الالتزامان التابعة دون أن يُحْدث ذلك أثرا على الالتزام الأصلي[25].

ـ الالتزامات بغاية والالتزامات بوسيلة:

30ـ الالتزام بغاية، هو التزام يكون فيه المدين ملزما بتحقيق النتيجة المتفق عليها، كالتزام البائع بنقل الملكية للمشتري. أما في الالتزام بوسيلة، فعلى المدين  ’’بذل عناية‘‘ الرجل المتبصر دون ضمان النتيجة، بشرط أن لا يثبت التقصير أو الإهمال من طرف الملتزم، وذلك مثل التزام الطبيب بمعالجة مريضه.

المصادر المنشئة للالتزامات[26]

31ـ مصدر الالتزام هو السبب القانوني المنشئ له. فالتزام المكري بتسليم العين المكتراة للمكتري مصدره عقد الكراء، والتزام الأب بالنفقة على عياله مصدره القانون.

32ـ وقد كانت الالتزامات عند الرومان تنشأ من مصدرين اثنين، هما: الجريمة، وتنحصر في جرائم محددة، والعقد، ويشتمل على عقود معينة على سبيل الحصر، وأضافوا مصدرا ثالثا للالتزام أطلقوا عليه اسم: ’’الأسباب المختلفة‘‘ varie causarum figurae بهدف احتواء حالات أخرى[27].

33ـ والترتيب التقليدي لمصادر الالتزام الذي أقرته القوانين اللاتينية حُدِّد في خمسة مصادر: العقد (contrat)، وشبه العقد (quasi-contrat)، والجريمة (délit)، وشبه الجريمة (quasi-délit)، والقانون (loi)[28].

34ـ العقد هو توافق إرادتين على إنشاء التزام، كعقد البيع يتفق بمقتضاه البائع والمشتري على إنشاء التزامات[29].

35ـ يعرّف الأستاذ السنهوري شبه العقد، بأنه ((عمل اختياري مشروع ينشأ عن التزام نحو الغير، وقد ينشأ عنه التزام مقابل في جانب ذلك الغير. مثل ذلك الفضولي[30](انظر التعريف في الهامش)، فهو يقوم مختاراً بعمل يريد به مصلحة الغير دون أن يتعاقد معه على ذلك…ومصدر هذا الالتزام هو العمل الاختياري المشروع الذي قام به. وقد ينشأ عن هذا العمل التزام آخر  في جانب ربّ العمل، فيلتزم هذا في حالة ما إذا أحسن الفضولي القيام بالعمل الذي أخذه على عاتقه بأن يردّ ما أنفقه الفضولي من مصروفات ضرورية ونافعة…)).

36ـ والجريمة هي عمل ضار يأتيه فاعله متعمّدا الإضرار بالغير،  فينشأ عن هذا العمل الضار التزام في جانب فاعله بأن يعوض عن المال الذي أتلفه، كأن يتلف شخص عمدا مالا مملوكا لغيره[31].

37ـ وشبه الجريمة عمل يصيب الغير بالضرر كالجريمة، ولكنه يختلف عنها في أنه غير مصحوب بنية الإضرار بالغير، بل يأتيه فاعله عن إهمال وعدم احتياط، فيلتزم بتعويض الضرر كما في الجريمة[32].

38ـ والقانون ينشئ الالتزام في حالات معينة، كما في التزامات الروابط الأسرية وغيرها.

39ـ أما الترتيب الحديث لمصادر الالتزام، فيمكن رصده بتتبع التقنينات الحديثة، لاسيما ما كان منها جرماني النزعة. والملاحظ أن هذه التقنينات لا تورد في نص خاص مصادر الالتزام مرتبة وفق الترتيب الخماسي الذي تقدم ذكره، بل إن الترتيب الحديث يُستخلص من التبويب الذي اتخذته هذه التقنينات. ومن خلال ذلك، يمكن أن يقال على نحو من التعميم إن المصادر التي أقرتها هذه التقنينات خمسة: العقد، والإرادة المنفردة[33](انظر التعريف في الهامش)، والعمل غير المشروع، والإثراء بلا سبب[34](انظر التعريف في الهامش)، والقانون[35].

40ـ ويشترك هذا الترتيب الحديث مع الترتيب القديم في مصدرين هما العقد والقانون. أما الجريمة وشبه الجريمة فيجتمعان في ’’العمل غير المشروع‘‘. وشبه العقد في الترتيب القديم يقابله الإثراء بلا سبب. ويزيد الترتيب الحديث الإرادة المنفردة. وقد اعتبر الأستاذ السنهوري، أن هذا الترتيب هو الذي أخذ به أكثر الفقهاء في الفقه الحديث[36].

41ـ أما مصادر الالتزام في قانون الالتزامات والعقود المغربي، فقد أشار إليها المشرع في الفصل الذي ورد فيه: ((تنشأ الالتزامات عن الاتفاقات والتصريحات الأخرى المعبرة عن الإرادة وعن أشباه العقود وعن الجرائم وعن أشباه الجرائم)). والظاهر من النص، تأثُّرَه بالنظرية التقليدية في الالتزام.

(س.م.ت/الفهرس/المراجع: حسب قائمة الهامش)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  ـ عبد القادر العرعاري. ’’مصادر الالتزامات –نظرية العقد-‘‘ ط 2016 ص. 11

[2]  ـ  عبد الرزاق أحمد السنهوري. ’’الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ـ المجلد الأول ـ نظرية الالتزام بوجه عام‘‘ ط.2009 ص. 115

[3] ـ السنهوري، م.س.

[4] ـ  السنهوري. الوسيط في شرح القانون المدني المجلد الثامن، حق الملكية، ص. 6

[5] ـ القانون 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، المادة 9، الجريدة الرسمية عدد 5998، ص. 5587.

[6] ـ القانون 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، المادة 10، الجريدة الرسمية عدد 5998، ص. 5587.

[7] ـ الرهن الحيازي هو عقد يخول للدائن حبْس شيء للمدين إلى حين استيفاء حقه. ويكون فيه للدائن حق الأسبقية على باقي الدائنين العاديين.

[8] ـ الرهن الرسمي هو عقد يتمكن بواسطته الدائن وضْع يد على عقار معين لوفاء دينه حقا عينيا. ويكون للدائن فيه حق الأسبقية.

[9] ـ حق الامتياز لا يُقَرَّر بعقد أو بحكم قضائي، إنما بمقتضى نصّ قانوني.

[10] ـ  السنهوري. ’’الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ـ المجلد الأول‘‘، ص. 115

[11] ـ  السنهوري. ’’الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ـ المجلد الأول‘‘، م.س، ص. 116

[12] ـ  السنهوري. ’’الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ـ المجلد الأول‘‘، م.س، ص. 116.

[13] ـ للمزيد من التوسع في هذه المسألة، يمكن الرجوع إلى: ـ  السنهوري. ’’الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ـ المجلد الأول‘‘، م.س،، ص.116

[14] ـ  السنهوري. ’’الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ـ المجلد الأول‘‘، م.س، ص. 116

[15] ـ عبد القادر العرعاري، م.س، ص. 13

[16] ـ للمزيد من التوسع في هذه المسألة، يمكن الرجوع إلى: ـ  السنهوري. ’’الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ـ المجلد الأول‘‘، م.س، ص. 118ـ119.

[17] ـ السنهوري. ’’الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ـ المجلد الأول‘‘، م.س، ص. 120-121.

[18] ـ السنهوري. ’’الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ـ المجلد الأول‘‘، م.س.

[19] ـ عبد القادر العرعاري، م.س، ص. 15

[20] ـ السنهوري، م.س. ص. 122.

[21] ـ السنهوري، م.س.

[22] ـ السنهوري، م.س.

[23] ـ السنهوري، م.س، ص. 123.

[24] ـ للمزيد من التوسع في هذا العنوان، يمكن الرجوع إلى مؤلف د. عبد القادر العرعاري، م.س، من الصفحة 17 إلى الصفحة 22.

[25] ـ عبد القادر العرعاري، م.س، ص. 20.

[26] ـ للتوسع في موضوع مصادر الالتزامات وسياقاتها التاريخية، يمكن الرجوع إلى مؤلف الأستاذ السنهوري (م.س) من الصفحة 131 إلى الصحة 146.

[27] ـ السنهوري، م.س، ص. 132.

[28] ـ السنهوري، م.س. ص 131

[29] ـ السنهوري، م.س. ص 131

[30] ـ الفضول –فضالة-، هو قيام شخص، يسمى الفضولي، بأعمال لمصلحة شخص آخر، هو رب المال، من دون أن يكون هذا الأخير قد فوّضه بذلك، ومن دون أي سلطة قانونية أو قضائية. وتكون الالتزامات التي يقطعها الفضولي ملزمة للطرف الآخر الذي يتوجّب عليه كذلك، إذا كانت المبادرة ضرورية أو نافعة، أن يسدد للفضولي ما أنفقه. (المصدر: مفردات اللغة القانونية –فرنسي-عربي-إنكليزي، Editions Dalloz، ط 2010، ص. 290)

[31] ـ السنهوري، م.س، ص 131،132.

[32] ـ السنهوري، م.س، ص 132

[33] ـ الأعمال القانونية الناتجة عن إرادة منفردة، هي التزامات ناشئة عن الأعمال الأحادية الطرف التي تنعقد بإرادة واحدة، ولا يوجد فيها الدائن إلا وقت تنفيذ الالتزام، وتنطبق على عدة أعمال، كالوصية، والوقف، والوعد بالجائزة (الجعالة)، والاشتراط لمصلحة الغير كعقود التأمين لمصلحة أشخاص آخرين…

[34] ـ الإثراء بلا سبب يرتبط مباشرة بافتقار شخص آخر في غياب سبب قانوني يبرر ذلك. ويمكن للشخص المفتقر إقامة ’’دعوى الاسترداد في إيفاء ما لا يجب‘‘. ومن الحالات التي ينتج فيها الإثراء بلا سبب، حالة ذلك الفضولي الذي يقوم مختارا بعمل يريد به مصلحة الغير، فيحدث بذلك أن ينتفع الطرف الآخر بهذا العمل، وبالتالي يقع في وضعية الإثراء بلا سبب ويصبح مدينا للفضولي.

[35] ـ السنهوري، م.س، ص 139، 140

[36] ـ السنهوري، م.س

 

X