مفهوم القاعدة القانونية

القانون الوضعي هو مجموعة من القواعد، أي أن القانون هو في حقيقته: قاعدة. وبالتالي، حتى يتسنى لنا فهم القانون، علينا أن نفهم ’’القاعدة القانونية‘‘

قلنا في المقال السابق، إن ((القانون الوضعي هو ترجمة للمصطلح الفرنسي Droit positif، وهو مجموعة من القواعد المُلزِمة، المقترنة بالجزاء، والسارية المفعول، التي تنظم علاقات المجتمع ومعاملاته في دولة معينة  وخلال فترة معينة … وأنه يتكون من التشريع الأساسي وهو الدستور، والتشريع العادي وهو القانون بالمعنى الضيق الصادر عن السلطة التشريعية، والتشريع الفرعي وهو المراسيم واللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية لتطبيق النصوص القانونية، والعرف وهو القاعدة القانونية  غير المكتوبة  باعتبارها مصدرا احتياطيا للقانون يُعتمد عليها في حالة غياب النص التشريعي)).

ومن التعريف المذكور، ندرك أن القانون الوضعي هو مجموعة من القواعد، أي أن القانون هو في حقيقته: قاعدة. وبالتالي، حتى يتسنى لنا فهم القانون، علينا أن نفهم ’’القاعدة القانونية‘‘.

وأغلب القواعد القانونية تأتينا على شكل نصوص، أو كما قال أحد الأساتذة: ((تصاغ القواعد القانونية على هيئة نصوص، ومن ثم فإن حديثنا عن فحوى النص القانوني هو حديث عن القاعدة القانونية، وحديثهم –رجال القانون- عن القاعدة القانونية هو حديث عن خصائص النص القانوني الذي يتضمن مبادئ عامة))[1]. والنص هو الكلام المكتوب أو المنطوق يشكّل وحدة دلالية متكاملة. لذلك، قد نجد قاعدة قانونية لا تستند إلى نص مكتوب، كما هي الحال في العرف أو المبادئ العامة للقانون التي يستخلصها القاضي من مختلف عناصر النظام القانوني[2].  

وسواء كانت القاعدة القانونية نصا مكتوبا أو غير مكتوب، فهي بشكل عام تتضمن خطابا للشارع موجّهاً إلى المجتمع  بأفراده وجماعاته وسلطاته، وينطوي هذا الخطاب على تكليفٍ إما بالأمر أو بالنهي. وحتى مع وجود بعض القواعد القانونية التي لا تأمر ولا تنهى، كعقود البيع والإجارة مثلا، فإن فكرة الإجبار تظل متوافرة فيها، فالقاعدة القانونية التي تبيح للشخص البيع أو الإجارة، تلزم الناس إذا تم وتنهاهم عن انتهاك حرمته، فضلا عن إلزامها لمن قام بالتصرف[3].

وتشتمل القاعدة القانونية على ثلاثة صفات تميزها عن سواها من قواعد النظُم الأخرى:

أولا، صفة التجريد: ومعناها، أن القاعدة القانونية مجرّدة (abstraite)، إذ تنشأ بناء على معطيات موضوعية مجرّدة تتعلق بالوضع أو الواقعة دون أن تنظر إلى شخص  معين أو إلى واقعة معينة.

ثانيا، صفة العمومية: أي أن القاعدة القانونية هي قاعدة عامة (générale)، تنطبق على جميع المخاطَبين بها، وهي لا توضع لعمل واحد أو لشخص معين بالذات[4]. وعمومية القاعدة القانونية لا تعني أنها تنطبق حتما على الجميع، فقد تقتصر على تنظيم مجال أو نشاط معين، أو طائفة من الأشخاص، كالأطباء أو المحامين أو التجار، أو قد تنطبق على شخص واحد، كالقانون المنظم لاختصاصات رئيس الحكومة، فهي هنا لا تتوجه إلى شخص بذاته، إنما تنصبُّ على الصفة التي يمثلها، وهي في جميع هذه الحالات تعتبر قاعدة قانونية تتسم بطابع العمومية والتجريد.

أما القرارات الموجهة إلى بعض الأشخاص معينين بذواتهم، كقرار تعيين موظف أو عزله أو نقله، فهذه قرارات فردية أو هي عبارة عن أوامر لا تشتمل على صفتيْ التجريد والعمومية.

بتعبير آخر، فإن القاعدة القانونية تشتمل على عنصرين، هما: الفرض والحكم. التجريد يتعلق بالفرض، وهو التصرف أو الواقعة. والعمومية تتعلق بالحكم، وهو النتيجة التي يرتبها القانون على التصرف أو الواقعة المنصوص عليها في هذا الفرض.

فعندما يُصدر المشرع نصا قانونيا يقول فيه: ((المتعاقد الذي كان يعلم، أو كان عليه أن يعلم عند إبرام العقد، استحالة محل الالتزام يكون ملزما بالتعويض  تجاه الطرف الآخر))[5]. فهنا نكون أما نص يتضمن قاعدة عامة ومجردة. فالتجريد يتعلق بالفرض، أي بكل واقعة يكون فيها المتعاقد مع الطرف الآخر على علم باستحالة محل الالتزام أو وجب عليه أن يكون على علم بذلك. أما العمومية، فتتعلق بالحكم الذي يرتبه القانون على كل متعاقد تصرف وفق هذه الواقعة وليس على شخص بذاته، وبالتالي، نكون أمام حكم عام، يقضي بإلزام المعني به بالتعويض تجاه الطرف الآخر.

والواقع، كما قال الفقيه السنهوري، فإن العموم والتجريد فكرتان متلازمتان، أو هما وجهان لخصيصة واحدة. غاية الأمر، توصف القاعدة بالتجريد إذا ما نُظر إليها عند نشوئها، وتوصف بالعموم إذا نُظر إليها من حيث أثرها عند التطبيق[6].

أما إذا فقدت القاعدة القانونية صفتيْ التجريد والعمومية، فإن القانون يفقد معناه لفقدان موضوعيته، والشيء لا يثبت في المكان والزمان إذا فقد خصائصه، ويصير القانون حينئذ غير قادر على أداء وظيفته، وهي ممَثَّلة بالأساس في إقامة النظام في المجتمع والحفاظ على استقرار العلاقات الاجتماعية.

ثالثا، صفة الإلزام: وهذه الصفة تجعل القاعدة القانونية مُلزمة، يترتّب عن مخالفتها تدخل السلطة العامة لإلحاق الجزاء بالمخالف. وعنصر الإلزام المقترن بالجزاء، هو ما يميز القاعدة القانونية عن باقي النظم الاجتماعية.

والجزاء هو نوع من الضرر، تحتكر السلطة العامة تطبيقه على من يخالف القانون، وذلك حفظا للنظام العام ومنعا للفوضى، وينقسم إلى جزاء جنائي، وجزاء مدني، وجزاء إداري.

والمقصود  بالجزاء الجنائي الزجر والردع، ويعد أقصى أنواع الجزاءات. والعقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي المغربي هي: الإعدام، والسجن المؤبد، والسجن المؤقت، والإقامة الجبرية، والتجريد من الحقوق الوطنية، والحبس، والاعتقال، والغرامات المالية.

والجزاء المدني يقصد به الجبر، وتندرج أحكامه ضمن قواعد القانون المدني، وينتج بسبب الاعتداء على حق خاص أو إنكاره، فيُجْبَر المدين على تنفيذ حق للدائن، تنفيذا عينيا، أو بمقابل (عن طريق التعويض)، أو ببطلان الاتفاق المخالف للقانون، أو بفسخه.

ويدخل الجزاء الإداري ضمن قواعد القانون الإداري، وله عدة صور، كالتوبيخ، والإنذار، والاقتطاع من الراتب، والوقف من العمل، إلى الفصل بصفة نهائية عن سلك الوظيفة العمومية.

[1] ـ د. سعيد بيومي، “لغة القانون في ضوء علم لغة النص –دراسة في التماسك النصي-“، الطبعة الأولى، 2010، ص 26.

[2] ـ د. أحمد فتحي سرور، “الحماية الدستورية للحقوق والحريات”، الطبعة الأولى 1999، ص 217.

[3] ـ د. عبد الرزاق السنهوري و د. أحمد حشمت أبو ستيت، “أصول القانون أو المدخل لدراسة القانون”، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر –القاهرة- 1950، ص 33.

[4] ـ د. عبد الرزاق السنهوري و د. أحمد حشمت أبو ستيت، م.س، ص 14.

[5] ـ الفقرة الأولى من الفصل 60 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.

[6] ـ د. عبد الرزاق السنهوري و د. أحمد حشمت أبو ستيت، م.س، ص 15.

(الفهرس/سعيد منصفي التمسماني)

 

مقالات ذات صلة:

ـ مقدمة عامة حول القانــون

 

X