2-التحالف تحت قبة الجامعة العربية ومعاهدة الدفاع المشترك بموجب ميثاق الجامعة

قامت الدول العربية منذ فجر الاستقلال بمحاولات عديدة لتأسيس تحالفات عسكرية، غير أن جميعها انتهى إلى الفشل، ولم تتحقق الأهداف التي أُنشئت من أجلها، وجلّ المحاولات أُجهِضت قبل الـتأسيس، أو أنها نُسفت في منتصف المسار.

ولعلّ السبب الأبرز الذي دفع الدول العربية إلى سلوك طريق الاتفاقات الدفاعية، هو الخطر الذي شكّله تغَلغلُ الكيان الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط بدعم مباشر من طرف القوى الدولية الكبرى، وبعبارة البروفسور إسرائيل شاحاك، فإن: ’’الخطر الرئيسي الذي تشكله إسرائيل كدولة يهودية على شعبها واليهود الآخرين وجيرانها، هو سعيها، بالدافع الإيديولوجي إلى التوسع الإقليمي، وسلسلة الحروب الناتجة عن هذا الهدف‘‘. وما يؤيّد هذا الرأي، هو ما مارسته إسرائيل وما تزال من سياسات توسعية لا تُعرف حدودها وعواقبها. وقد عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي دافيد بن غوريون عن هذه السياسة وهذا التوجه الإيديولوجي سنة 1956 في اليوم الثالث بعد بداية حرب السويس بالإعلان في الكنيست بأن السبب الحقيقي لتلك الحرب هو ’’إعادة مملكة داوود وسليمان إلى حدودها التوراتية‘‘.

وإذا كان هذا حال الباعث الإيديولوجي الإسرائيلي في زعزعة استقرار المنطقة وتوجيه دولها نحو ما تقتضيه الأولويات الدفاعية، فإن الباعث الاقتصادي، لا يقل عنه شأنا وتأثيرا.

وتتلخص أهم أسباب عدم نجاح التحالفات العسكرية العربية في عاملين اثنين: عاملٌ ذاتي ناتج عن غياب الإرادة السياسية الحقيقية أو تَذَبذُبِها، وعاملٌ خارجي ناتج عن سياسة الاستقطاب والتدخل في الشؤون الداخلية التي تمارسها القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية. عِلماً، أن العاملين كليهما من حيث طبيعتهما يجعلهما يُغذّيان بعضهما بعضا.

وبالرغم من كل مظاهر الفشل التي رافقت مسار التحالفات العسكرية العربية، ما تزال المحاولات قائمة إلى اليوم، لكنها تختلف عن سابقاتها من حيث السياقات السياسية والاقتصادية والدولية التي تعيشها المنطقة العربية في الوقت الحاضر.

المقال الثاني: معاهدة الدفاع المشترك بموجب ميثاق الجامعة العربية

تحدثنا في المقال الأول عن تحالف 1948، وقلنا إنه أتى بشكل اضطراري وعلى وقْع ردِّ فعل، نتيجة واقع ميداني فرضته الميليشيات الصهيونية في فلسطين بدعم دولي كبير، وبأن ما كان من المفترض أن يصير نواة ’’الاتحاد العربي‘‘ وأساس قوته تحوّل إلى ’’نكبة‘‘ سيُفتح على إثرها باب الهزائم والتنازلات، وستضطر بسببه دول المواجهة متفرقة، وهي مصر وسوريا والأردن ولبنان، إلى توقيع اتفاقات الهدنة.

في هذا المقال سنتطرق إلى معاهدة الدفاع المشترك، التي نشأت في السياق ذاته الذي نشأ فيه تحالف 1948 وتبعا لنفس الضغوط، ونفس التخوفات والانشغالات التي هيمنت على العمل العربي.

شكلت القضية الفلسطينية أساس الاهتمام العربي، والتقت مع القضايا الأخرى المتمثلة في مناهضة المخططات الاستعمارية الفرنسية البريطانية الرامية إلى تقسيم المنطقة وتوزيع أشلاء الخلافة العثمانية وزرع كيان غريب في عمقها وتحويله إلى رأس حربة لاستنزاف طاقة البلدان العربية والانتقاص تدريجيا من سيادتها بغية تغيير الجغرافيا والتاريخ.

في نفس السياق، ساهمت بريطانيا بشكل مثير في تأسيس جامعة الدول العربية، ولعب وزير خارجيتها أنتوني إيدين سنة 1941 دورا مؤثرا في مجريات الأحداث.

ويظل موقف الحكومة البريطانية غير مفهوم بالنظر إلى ما مارسته من احتلال ومن سياسات خطيرة في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما دَفْعها بقوة مشروع إقامة الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين.

وأيا ما كانت دوافع موقف الحكومة البريطانية، سواء تعلق الأمر بمحاولتها فرض مزيد من الهيمنة على المنطقة، أو احتواء العمل العربي المشترك خدمة لمشاريعها، فإن فكرة إنشاء جامعة عربية كانت مطلبا عاما انطلق في البداية على يد مجموعة من زعماء الإصلاح الذين كانوا يرغبون في تأسيس إطار أوسع يتجسد في إنشاء جامعة إسلامية.

استحسنت دول عربية شرقية الفكرة، وسعت مصر بقيادة رئيس وزرائها مصطفى النحاس إلى التنسيق بين الدول بهدف تنزيل المشروع العربي إلى حيّز التنفيذ، فأسفر ذلك عن صياغة بروتكول الإسكندرية في السابع من أكتوبر 1944، تلاه إبرام ميثاق جامعة الدول العربية بالقاهرة في 19 مارس 1945 بين مصر وسوريا والأردن والعراق والمملكة العربية السعودية ولبنان واليمن، وهي الدول العربية السبع التي كانت تتمتع باستقلالها آنذاك، بينما تُرك باب العضوية مفتوحا إلى حين استكمال الدول العربية الأخرى لمسيرة الاستقلال.

نصت المادة السادسة من ميثاق الجامعة، أن وقوع ((اعتداء من دولة على دولة من أعضاء الجامعة، أو خُشي وقوعه، فللدولة المُعتدى عليها، أو المهددة بالاعتداء، أن تطلب دعوة المجلس للانعقاد فورا)) قصْد اتخاذ التدابير لدفع الاعتداء.

أدى الالتزام المنصوص عليه في المادة السادسة من الميثاق إلى موافقة مجلس الجامعة في أبريل 1950 على معاهدة ’’الدفاع المشترك‘‘ التي وضعتها الدول العربية السبع المذكورة، ثم التحقت بها باقي الدول خلال فترات متتالية.

نصّت المادة الثانية من معاهدة الدفاع المشترك على أن الدول المتعاقدة تعتبر أن ((كل اعتداء مسلح يقع على أي دولة أو أكثر منها أو على قواتها، اعتداء عليها جميعا، ولذلك فإنها، عملا بحق الدفاع الشرعي –الفردي والجماعي- عن كيانها، تلتزم بأن تبادر إلى معاونة الدولة أو الدول المعتدى عليها…)).

أما المادة الخامسة من المعاهدة، فنصّت على تأليف ((لجنة عسكرية دائمة من ممثلي هيئة أركان حرب جيوش الدول المتعاقدة لتنظيم خطط الدفاع المشترك وتهيئة وسائله وأساليبه)).

لكن واقع الجامعة المتناقض، جعل من معاهدة الدفاع المشترك مجرد حبر على ورق بالرغم من كل الآمال التي عقدت عليها. إذ لم يُفَعّل مضمونها ولا مؤسساتها بالرغم مما تعرضت له المنطقة العربية من اعتداءات بدءا بالعدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 وصولا إلى ما يجري حاليا من انتهاكات خطيرة على يد الاحتلال الإسرائيلي في حق الفلسطينيين.

أما بعض التحالفات التي جمعت عددا من الدول العربية في مناسبات مختلفة، فلا يمكن تصنيفها ضمن ما تقتضيه بنود معاهدة الدفاع المشترك، وذلك نظرا لطابعها الظرفي وافتقادها لهياكل تنظيمية دائمة.

وإذا كانت مصر قد دعت سنة 2015 إلى تفعيل المعاهدة، فإن السياق الذي كانت تعيشه المنطقة وما تزال، والأهداف الغامضة الكامنة وراء الدعوة، كلها عوامل تضع أكثر من علامة استفهام على الموضوع، وتجعل من الصعب الوصول إلى توافقات لتشكيل قوة عربية مشتركة.

(سعيد منصفي التمسماني)

مقالات ذات صلة

ـ مسار التحالفات العسكرية العربية: تحالف عام 1948

 

X