1- تحالف عام 1948
قامت الدول العربية منذ فجر الاستقلال بمحاولات عديدة لتأسيس تحالفات عسكرية، غير أن جميعها انتهى إلى الفشل، ولم تتحقق الأهداف التي أُنشئت من أجلها، وجلّ المحاولات أُجهِضت قبل الـتأسيس، أو أنها نُسفت في منتصف المسار.
ولعل السبب الأبرز الذي دفع الدول العربية إلى سلوك طريق الاتفاقات الدفاعية، هو الخطر الذي شكّله تغَلغلُ الكيان الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط بدعم مباشر من طرف القوى الدولية الكبرى، وبعبارة البروفسور إسرائيل شاحاك، فإن: ’’الخطر الرئيسي الذي تشكله إسرائيل كدولة يهودية على شعبها واليهود الآخرين وجيرانها، هو سعيها، بالدافع الإيديولوجي إلى التوسع الإقليمي، وسلسلة الحروب الناتجة عن هذا الهدف‘‘. وما يؤيّد هذا الرأي، هو ما مارسته إسرائيل وما تزال من سياسات توسعية لا تُعرف حدودها وعواقبها. وقد عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي دافيد بن غوريون عن هذه السياسة وهذا التوجه الإيديولوجي سنة 1956 في اليوم الثالث بعد بداية حرب السويس بالإعلان في الكنيست بأن السبب الحقيقي لتلك الحرب هو ’’إعادة مملكة داوود وسليمان إلى حدودها التوراتية‘‘.
وإذا كان هذا حال الباعث الإيديولوجي الإسرائيلي في زعزعة استقرار المنطقة وتوجيه دولها نحو ما تقتضيه الأولويات الدفاعية، فإن الباعث الاقتصادي، لا يقل عنه شأنا وتأثيرا.
وتتلخص أهم أسباب عدم نجاح التحالفات العسكرية العربية في عاملين اثنين: عاملٌ ذاتي ناتج عن غياب الإرادة السياسية الحقيقية أو تَذَبذُبِها، وعاملٌ خارجي ناتج عن سياسة الاستقطاب والتدخل في الشؤون الداخلية التي تمارسها القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية. عِلماً، أن العاملين كليهما من حيث طبيعتهما يجعلهما يُغذّيان بعضهما بعضا.
وبالرغم من كل مظاهر الفشل التي رافقت مسار التحالفات العسكرية العربية، ما تزال المحاولات قائمة إلى اليوم، لكنها تختلف عن سابقاتها من حيث السياقات السياسية والاقتصادية والدولية التي تعيشها المنطقة العربية في الوقت الحاضر.
1- تحالف عام 1948
جاء تحالف عام 1948 في سياق دولي خاص أثر بشكل كبير على المنطقة العربية. وقد نشأ بين مجموعة من الدول العربية، وهي: مصر، والأردن، وسوريا والعراق والسعودية ولبنان من جهة، ضد القوات الإسرائيلية من جهة أخرى.
والمعروف من سياق الأحداث، أن هذا التحالف انبثق بشكل اضطراري وعلى وقْع ردّة فعل، نتيجة واقع ميداني فرضته الميليشيات الصهيونية في فلسطين بدعم دولي كبير.
فالعرب آنذاك، رفضوا قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في نونبر/تشرين الثاني 1947 القاضي بتقسيم فلسطين بين اليهود والعرب. وقد كانت بريطانيا هي المحرك الأساسي لهذا التقسيم، فهي التي تبنت مشروع إقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين، وهي من رفع القضية إلى هيئة الأمم المتحدة لتصدر هذه الأخيرة قرار التقسيم.
وفي الرابع عشر من مايو/أيار 1948، أي تزامنا مع انسحاب القوات البريطانية من فلسطين، أعلن اليهود قيام دولة إسرائيل التي حظيت في نفس التاريخ باعتراف الرئيس الأمريكي هاري ترومان.
وبالنظر إلى كيفية تطور الأحداث وعدم الأخذ بعين الاعتبار المطالب والتحفظات العربية، قررت الجامعة العربية في أبريل/نيسان 1948 إرسال وحدات من الجيوش العربية إلى فلسطين مدعومة بوحدات أخرى غير نظامية. لكن قرار الحرب المرتجل، وضعف الوحدات العربية من حيث العدة والتدريب والخبرة الميدانية، في مقابل الدعم اللا محدود الذي حصل عليه الكيان الإسرائيلي من طرف لندن وواشنطن، كلها عوامل ساهمت في إفشال التحالف العربي وتكبيده هزيمة قاسية خلقت عند العرب مركب النقص في مقابل ازدياد الأطماع الإسرائيلية ومشاريعها التوسعية.
هكذا إذن، تحول ما كان من المفترض أن يكون نواة ’’الاتحاد العربي‘‘ وأساس قوته إلى ’’نكبة‘‘ سيُفتح على إثرها باب الهزائم والتنازلات، وستضطر بسببه دول المواجهة متفرقة، وهي مصر وسوريا والأردن ولبنان، إلى توقيع اتفاقات الهدنة.
ومنذ ذلك الحين، أي بعد مرور خمس وسبعين سنة، ما زال الفلسطينيون يتذكرون ’’النكبة‘‘ ويستعملون المصطلح للإشارة إلى الكارثة التي حلت بهم في ذلك التاريخ وما رافقها من عمليات التهجير التي طالت قرابة مليون فلسطيني وعمليات القتل التي نالت من خمسة عشر ألف فلسطيني تقريبا، بالإضافة إلى تدمير 675 قرية وناحية.
(سعيد منصفي التمسماني)
مقالات ذات صلة
ـ التحالف تحت قبة الجامعة العربية ومعاهدة الدفاع المشترك بموجب ميثاق الجامعة