ما هو حجم التبعية الأوروبية لروسيا في مجال الطاقة؟ وما هي الصعوبات التي تواجه المخطط الأوروبي؟

 700 مليون أورو تدخل خزينة روسيا كل يوم في الوقت الحالي مقابل الغاز والبترول والفحم الذي تشتريه دول الاتحاد الأوروبي من روسيا، حسب تصريحٍ لممثل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية، جوزيب بوريل.   

وذلك يعني، أن إخراج روسيا من نظام سويفت كان جزئيا، وأن العملات الأجنبية ما زالت تجد سبيلها لتستقر في البنك المركزي الروسي، لتجعل روسيا في وضع مريحٍ نسبيا رغم العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من طرف الغرب.

التبعية الأوروبية لمصادر الطاقة الروسية

تبعية دول الاتحاد لروسيا في مجال الطاقة، واضحة تؤكدها الأرقام. فاعتمادها على واردات الغاز الطبيعي الروسي تتراوح بين 40 إلى 45%، باستهلاك يقارب 155 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنويا. بينما تقل نسبة الاعتماد على النفط الروسي حيث لا تتجاوز 27%؛ أما نسبة الوارادات من الفحم الروسي فإنها تصل إلى 30%.

ثمة، إذن، تبعية أوروبية لافتة لروسيا في مجال الطاقة، مما يجعل العقوبات المفروضة من طرف المفوضية الأوروبية على موسكو غير مؤثرة بالشكل المطلوب.

وإذا كانت الولايات المتحدة قد أوقفت وارادات الطاقة الروسية، فهذا يرجع لكونها أقل اعتمادا على تلك الموارد. ففي سنة 2020 لم تستورد أمريكا من روسيا سوى 3% من مجموع واراداتها من النفط ومنتجاته المكررة ، ثم زادت هذه النسبة لتصل إلى 8% في الوقت الحالي؛ في حين لا يتم استيراد أي كمية من الغاز الروسي.

أما المملكة المتحدة، فيتراوح اعتمادها على النفط الروسي بين 6 و 8%، ولا يتجاوز 5% فيما يتعلق بالغاز.

وبالتالي، فإن قطع حبل الارتباط بمصادر الطاقة الروسية إذا كان قابلا للتطبيق بالنسبة لواشنطن وتدريجيا بالنسبة إلى لندن، فإن إمكانيته بالنسبة للاتحاد الأوروبي يظل صعبا ويحتاج لوقت طويل، لا سيما فيما يتعلق ببعض دول الاتحاد كإيطاليا وهنغاريا والنمسا؛ وبالخصوص ألمانيا التي لا تتوفر في الوقت الحالي على قدرات تمكنها من الاعتماد على الغاز المسال، حيث تستورد من روسيا 55% من حاجياتها من الغاز و 45% من حاجياتها من الفحم و ثلث حاجياتها من النفط.

غير أن الحرب في أوكرانيا، دفعت هذه المرة بمجموعة الاتحاد الأوروبي للتفكير جديا في فك الارتباط بمصادر الطاقة الروسية والبحث عن بدائل أخرى.

خطة الاتحاد الأوروبي

تبنّى الأوربيون في قمة فرساي الأخيرة مخططا يهدف إلى إنهاء التبعية لروسيا في مجال الطاقة والاستغناء عنها بشكل كامل بحلول سنة 2030.

وفي وقتٍ سابقٍ، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إنَّ “المفوضية الأوروبية ستقدّم خطّةً في منتصف شهر أيار/مايو، حول كيفية إنهاء اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز والنفط والفحم الروسي، بحلول العام 2027”.

ويعرف المخطط الأوربي باسم REPowerEu، ويهدف إلى إيجاد بدائل للنفط والفحم الروسيين بشكل سريع، والعمل تدريجيا على تقليل الاعتماد على الغاز الروسي إلى غاية إيقافه بصفة نهائية.

ويتبنى المخطط تحولا سريعا إلى مصادر الطاقة المتجددة، وتشغيلا تدريجيا للغازات البديلة مثل الهيدروجين والميثان الحيوي.

ويشكل الغاز أولوية كبرى ضمن المخطط المذكور، حيث يعمل الاتحاد الأوروبي على تنويع مصادر التزوُّد من الغاز من خلال زيادة حجم استيراد الغاز المسال وفق معادلة ستكون فيها الولايات المتحدة الأمريكية المستفيد الأكبر باعتبارها من بين أكبر مصدري الغاز المسال في العالم (إلى جانب قطر وأستراليا ودول أخرى). هذا، بالإضافة إلى إنشاء أنابيب لنقل الغاز من دول أخرى.

وعلى المدى القريب، تقوم الخطة الأوروبية على الشروع فورا في الحد من الاعتماد على الغاز الروسي في غضون أشهر، وذلك من خلال تقليص حجم الغاز المستخدم في التدفئة والكهرباء، وتوفير مخزونات احتياطية من الغاز لمواجهة الشتاء القادم اعتمادا على مصادر بديلة، مع إمكانية اللجوء إلى استخدام مصادر أخرى للطاقة، كالفحم أو مصادر الطاقة النووية عند أوقات الطوارئ.

هل يحقق المخطط الأوروبي أهدافه؟

المخطط الأوروبي، والمشهد الحالي برمته، يوحي بأن أوروبا تعيش نقطة تحول استراتيجي على مستوى أمنها في مجال الطاقة.

وعادة ما تتطلب أية ’’نقطة تحول استراتيجي‘‘ في أي مجال من المجالات الاقتصادية إلى وقت كاف ومناسب للحصول على الأهداف المسطرة.

والملاحظ في ’’نقطة التحول‘‘ الأوروبي في مجال الطاقة، أنها جاءت نتيجة ردّة فعل وليس على أساس مخطط استباقي، وهدفها الرئيسي هو عزل روسيا عن الاقتصاد الدولي وتقليص مواردها المالية لاستنزافها ودفعها نحو الانسحاب من أوكرانيا.

فإلى الأمس القريب، كانت الشركات الأوروبية تتسابق على العقود الآجلة للغاز والنفط الروسيين، ثم تغيّر الوضع فجأة بعد التدخل الروسي في أوكرانيا في وقت كان يراهن فيه كبار الاقتصاديين الأوربيين على عدم حدوث مثل هذا التدخل.

وربما ذلك هو السبب في بروز نوع من الغموض والاختلاف في مواقف دول الاتحاد تجاه مسألة تحديد تاريخ مشترك لفك الارتباط بمصادر الطاقة الروسية.

والملاحظ كذلك، أن الاتحاد الأوروبي يسعى للتحرر من تبعية في مجال الطاقة مقابل الوقوع في غمار تبعية الولايات المتحدة باعتبارها من بين أكبر مصدري الغاز المسال في العالم.

كما أن الاستغناء عن أنبابيب الغاز الروسية التي تصب إمدادتها مباشرة في التراب الأوروبي بشكل أسرع وكلفة أقل، يطرح سؤالا حول مدى نجاعة القرار الأوروبي وارتهانه إلى سوق دولية شديدة التأثر بالأحداث السياسية والوضعيات الإقليمية؛ من ذلك مثلا، حدوث أيّ خلل في سلاسل التوريد، أو ارتباك في المعابر الدولية الاستراتيجية، كمضيق هرمز أو باب المندب حيث الأوضاع الإقليمية تتميز بعدم الاستقرار.

إن الاستغناء عن 155 مليار متر مكعب من الغاز تضخه روسيا سنويا لأوروبا ليس أمرا قابلا للتطبيق في سنوات قليلة، حسب ما يراه العديد من المتخصصين. كما أن الاستعاضة عن شبكة قائمة من أنابيب الغاز المنطلقة من روسيا إلى أوروبا بأنابيب لم تُنْجَز بعدُ تتطلب وقتا طويلا وتوافقات دولية بشأن ممراتها الخاضعة لنزاعات سياسية بين بعض الدول، كماعليه الحال مثلا في شرق المتوسط. وبالتالي، تظل خطوط أنابيب الغاز الروسية، لا سيما خط ’’يامال/أوروبا‘‘ والخط العابر لأوكرانيا، عصيّة على الاستغناء عنها، بالنظر إلى سعتها وكلفتها التنافسية.

فهل يقدم المخطط الأوروبي REPowerEu حلا لإشكالية الطاقة التي تواجهها مجموعة دول الاتحاد الأوروبي، أم أنه ليس سوى جزء من الحل؟ وهل من شأن هذا المخطط التأثير على الخزينة الروسية سواء على المدى القصير أو الطويل لتغيير سياستها تجاه أوكرانيا؟

 (الفهرس/سعيد منصفي التمسماني)

X