الفهرس 

فرانسيسكو خافيير دونايري فيلا*   

إن الدستور الإسباني لا يتطرق إلى متى تنعقد حالات الطوارئ والاستثناء والحصار، إنما فقط ينص على كيفية إعلانها، ومدتها (الفصل 116/2)، وعن الحقوق التي يمكن تعليقها بالنسبة لحالتي الاستثناء و الحصار (الفصل 55/1).    

يحيل الفصل 116/1 من الدستور على قانون تنظيمي ينظم حالات الطوارئ والاستثناء والحصار. وهذا القانون التنظيمي هو الذي يضع الفرضيات التي تسمح بإقامتها، وبالتالي، فإن الحالات الثلاث تكون سببية. والإجراءات الممكن اتخاذها أثناء كل حالة، يحددها سلفا القانون التنظيمي، وهي أثر قانوني ناتج عن الإعلان عن إحدى تلك الحالات، وليست سببا في قيامها.    

حسب الفصل (4/ب) من القانون التنظيمي المنظم لحالات الطوارئ والاستثناء والحصار، يتم إعلان حالة الطوارئ عند وجود وباء. أما الفصل (13/1)، فإنه يسند الإعلان عن حالة الاستثناء إلى وجود اضطرابات خطيرة تمس ممارسة الحقوق والحريات وتعرقل سير المؤسسات الديمقراطية والمرافق العمومية الأساسية أو باقي أوجه النظام العام.    

ليس بإمكان الحكومة اختلاق وباء. فوجوده إنما يتأتى بشكل موضوعي من بيانات المؤسسات الصحية. ومن ثمة، فإن الحكومة ليس بإمكانها سوى ربط هذا البيان الموضوعي بالنتيجة القانونية التي يقتضيها الفصل (4/ب) من القانون التنظيمي السالف الذكر، أي: الإعلان عن حالة الطوارئ.    

ولا يمكن الإعلان عن حالة الاستثناء خلال مدة سريان حالة الطوارئ، حسب الفصل 28 من القانون التنظيمي المذكور، إلا إذا حدث اضطراب في النظام العام، وأن يكون هذا الاضطراب ناتجا عن أشخاص، وفق ما نص عليه الفصل (24/2) من نفس القانون التنظيمي.    

ومن المفروض، أن يُحْدِث أولئك الأشخاص الاضطراب كنتيجة للوباء/الجائحة. فإذا تصادف الاضطراب المُحْدَث مع بداية الوباء/الجائحة، يتم الإعلان إذن، عن حالة الاستثناء منذ البداية. أما إذا حدث الاضطراب بعد فترة من وجود الوباء، فيتم أولا فرض حالة الطوارئ، دون أن يكون هناك ما يمنع من الانتقال إلى حالة الاستثناء إذا تواجدت الأسباب المستدعية له.    

إن تقييد الحقوق المرتبطة بالإجراء المراد تطبيقه، لا يمكن أن تكون حجة للإعلان عن حالة الاستثناء، أو حالة الحصار، لأنهما لا يتأسسان إلا على وجود سبب، و بالتالي فإن مثل هذا الإعلان سيكون غير قانوني إذا لم تتوفر الوقائع الخاصة به. ومن شأن قراءة أخرى للقانون التنظيمي المتعلق بحالات الطوارئ أن تمنع الإعلان عن حالة الطوارئ بسبب الوباء/الجائحة، بل وحتى الإعلان عن حالة الاستثناء إذا كان النظام العام مرادفا للنظام الدستوري، حيث إن هذا المفهوم يتعارض مع مبدأ التناسب.    

لا يجب ‘‘تبسيط’’ حالة الاستثناء. فهي تسمح بتقييد حقوق أكبر من تلك المقيدة في حالة الطوارئ: اعتقالات بموجب قرارات حكومية لمدة عشرة أيام، تفتيشات منزلية و مراقبة للإتصالات بدون إذن قضائي، خطوط سير إجبارية للأشخاص، تقديم إعلام إداري سابق للتنقل داخل المدينة، نقل إجباري إلى جماعات أخرى أو فرض تغيير مقر السكنى، وقف البث الإذاعي للراديو والتلفزة، الحجز الإداري للمنشورات، منع التظاهرات والاجتماعات وحلها، منع الإضرابات … إلخ.    

وقد يؤدي الضمان “المادي” لإجراءات الطوارئ، إلى ضمان “رسمي” ينحو إلى حالة الاستثناء. غير أن طريقة الإعلان عن هذه الأخيرة لا تختلف في حقيقة الأمر كثيرا عن الإعلان عن حالة الطوارئ. كما أن تمديد الحالتين، من الناحية الإجرائية، يظل متماثلا: الحكومة تقترح والبرلمان يقرر بواسطة أغلبية بسيطة. في المقابل، يمكن للجهاز التنفيذي، أن يحصل على ترخيص برلماني لاتخاذ إجراءات أكثر تقييدا للحقوق، كثيرٌ منها يكون غير ضروري لمواجهة الوباء/ الجائحة.    

في إطار حالة الطوارئ لا يمكن تعليق الحقوق، بينما يجوز ذلك في حالة الاستثناء أو الحصار (الفصل 55/1 من الدستور). لكن، هل يمكن تقييد تلك الحقوق؟ ينص الفصل 116/1 من الدستور على أن قانونا تنظيميا ‘‘ينظم حلات الطوارئ والاستثناء و الحصار والصلاحيات والقيود المتربة عليها’’. الفصل 20/1 من القانون التنظيمي السالف الذكر يضبط تعليق حرية التنقل في إطار حالتي الاستثناء والحصار بالتوافق مع مقتضى الفصل 55/1 من الدستور. في حين أن الفصل 11/أ من القانون التنظيمي السالف الذكر، يسمح بتقييد تنقل الأشخاص في إطار حالة الطوارئ بالتوافق مع الفصل 116/1 من الدستور.    

المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، تقبل، في مجتمع ديموقراطي، تقييدا للحقوق اللازمة من أجل حماية الصحة العامة، من بين مصالح أخرى. كذلك، يتلاءم هذا التقييد مع الدستور، وليس فقط في الحالات المقتصرة على الطوارئ والاستثناء والحصار. فثمة قيود يجوز فرضها في حالات أخرى يفرضها تحقيق المصالح أو الأهداف المشروعة دستوريا. وحول هذا الموضوع، يوجد كم وافر من الاجتهادات الفقهية الدستورية وللمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.    

إن الفصل 11/أ من القانون التنظيمي، لا يخول فقط “تقييد تنقل الأشخاص والمركبات واستمراريته في ساعات وأماكن محددة”، وإنما كذلك تكييف ذلك التنقل وفق بعض الشروط، التي لا يتم تحديدها تشريعيا بشكل مسبق، حتى يتسنى لمرسوم الطوارئ أن يتخذها حسب ما تقتضيه كل أزمة. وترتبط دستورية تلك الشروط، في المقام الأول، بمدى ملاءمتها في محاربة الوباء/الجائحة، ومعقوليتها و تناسبها.    

وتنشأ كل من الملاءمة و المعقولية في حال استجابتهما للتوصيات والبروتوكولات الصادرة عن تقنيي الهيئات المستقلة الخبيرة في الأزمات الصحية، وهو ما يعتبر كذلك مؤشرا على التناسب. على أنه لا يمكن لتلك الشروط أن تماثل إجراء تعليق حرية التنقل المنصوص عليها في الفصل 20 من القانون التنظيمي السالف الذكر، و إلا اعتُبرت غير دستورية.   

ويخوّل الفصل 12/1 من القانون التنظيمي المذكور للحكومة اتخاذ تدابير مستمدة من تشريع سابق يتعلق بالأمراض المعدية، و يتم ذلك تحت مراقبة القضاء العادي. ولا يستطيع مرسوم الطوارئ و لا التمديدات التي تلحقه تغيير تشريع سابق في هذا الشأن أو تحديده بواسطة قواعد، لأننا لا نوجد هنا في إطار الفصل 11 من القانون التنظيمي الذي يمنح هامشا لمرسوم الطوارئ لصياغة قواعد، إنما نحن في إطار الفصل 12 الذي يحيل على التشريع السابق.    

يتعين علينا أن نحلل بطريقة متأنية وتقنية وتفكيرية (الحكومات تتعاقب، الحالات تتكرر) إذا كان التنظيم الحالي يسمح بمواجهة فعالة للجائحة دون مساس بالدستورية. هذا التقييم لم يكن ممكنا سنتي 1978 و 1981. الآن، مع الأسف، نمتلك التجربة.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

* أستاذ القانون الدستوري في جامعة كارلوس الثالث بمدريد     مقال منشور في موقع: مؤسسة القانون العام IDP   ترجمة سعيد منصفي التمسماني

X