الفهرس

   “إن قلة الموارد التي تعاني منها وزارة الدفاع الإسبانية في السنوات الأخيرة مكنت دولا مجاورة مثل المغرب والجزائر بتقليص الفجوة بينها وبين قواتنا المسلحـة …‘‘.

بهذا الطرح، سجل حزب فوكس اليميني المتطرف مقترحا بمجلس النواب الإسباني، يوم الثلاثاء 27 أكتوبر، يطالب من خلاله الحكومة بوضع استراتيجية قادرة على الحفاظ على تفوق القوات المسلحة الإسبانية في الجهة الجنوبية لشبه الجزيرة ، والتي تشمل، حسب ما ورد في المقترح: ’’جزر البليار ، وبحر البوران ، وسبتة ، ومليلية، ومضيق جبل طارق ، وجزيرة بيرخيل (ليلى) ، والجزر الجعفرية، وجزر الحسيمة، والكنارياس‘‘.

   ووفق المقترح، فإن الاستراتيجية تتطلب اقتناء 200 صاروخ طويل المدى مضاد للسفن، وغواصتين من طراز س-80، والرفع من ميزانية الدفاع إلى 2% من الناتج الداخلي الإجمالي، بالإضافة إلى صياغة تقرير يعرض مقارنة بين الإمكانيات العسكرية الإسبانية والمغربية والجزائرية.

   وفي سياق غير بعيد، أوردت وكالة ’’أوروبا بريس‘‘ الإسبانية، أن المتحدث باسم حزب فوكس في ’’لجنة الرئاسة والإدارة العامة والداخلية‘‘ في البرلمان، بينيتو مورييو، اجتمع يوم الثلاثاء بمدينة كاديس (جنوب إسبانيا)، مع نقابات قوات أمن الدولة وهيئاتها، للنظر في احتياجاتهم، وبالتالي، مطالبة الحكومة الإسبانية بتزويدهم بالوسائل المادية والبشرية والتقنية، بهدف التصدي للهجرة غير الشرعية والمافيا وتجار المخدرات.

   ونقلت الوكالة، عن المسؤول المذكور، تصريحه لوسائل الإعلام عقب انتهاء الاجتماع، الذي شدّد من خلاله على ضروروة محاربة ما وصفه بــ ’’الهجرة غير النظامية وعصابات المهاجرين المتنكرين في زي منظمات غير حكومية مكرسة لجلب المهاجرين غير الشرعيين إلى إسبانيا الذين ينتهي بهم الأمر بالتعاطي للتسول ، مما يتسبب في زيادة الجرائم التي يعاني منها الإسبان مباشرة ‘‘.

   ويثور السؤال حول توقيت إصدار مثل هذه المقترحات والتصريحات، والدوافع الحقيقية الكامنة خلفها.

   فلا شك من أن هذه الحركات تندرج ضمن الأدبيات العامة لحزب فوكس، التي يرددها في حله وترحاله، حيث لا يكف عن تخويف الإسبان من ذلك الآخر القادم للاعتداء عليهم وحضارتهم، والحديث عن حروب ’’الاسترجاع‘‘، وما إلى ذلك من الادعاءات والأحكام الجاهزة، التي ينال بواسطتها دعم بعض الفئات التي لا تتوفر على اطلاع معقول حول القضايا التي يثيرها حزب فوكس أمامهم بهدف إثارة مخاوفهم ومشاعرهم ضد الأجانب، و لا سيما ضد المسلمين.

   غير أن مقولات اليمين المتطرف في إسبانيا، التي أضحى معظم الناس يحفظونها عن ظهر قلب من كثرة سماعها، تأتي هذه المرة في ظروف خاصة. و خصوصيتها تنبع أولا من الظرفية الصعبة التي تمر بها إسبانيا بسبب جائحة كورونا، والتي لم يقدم حزب فوكس بشأنها أية مقترحات عملية قابلة للتطبيق بل فقط مزايدات على عمل الحكومة، مما جلب عليه انتقادات رسمية وشعبية واسعة. أما الخصوصية الثانية، فتتمثل في الفشل المدوي الذي مُني به حزب فوكس مؤخرا في مجلس النواب عند تقديمه لملتمس الرقابة من أجل إسقاط الحكومة.

   لقد بدا حزب فوكس بعد تقديمه لملتمس الرقابة كمن يغرد خارج السرب، إذ من مجموع 350 نائبا، صوت فقط 52 منهم، كلهم من فريق فوكس، لصالح الملتمس. ولذلك ساهم التنظيم اليميني المتطرف، من حيث لا يدري، بإحداث توافق كبير بين الأحزاب الإسبانية على اختلاف ألوانها السياسية والإيديولوجية. بل إن ما لم يتوقعه قادة فوكس، هو موقف الحزب الشعبي (يمين محافظ)، حيث راهنوا على أن يمتنع عن التصويت فقط وأن لا يصوت ضد المقترح. لكن الذي حدث كان مخالفا للتوقعات وأبعد منها، حيث إن ’’الحزب الشعبي‘‘ بزعامة ’’بابلو كاسادو‘‘ كان من أشد المنتقدين لحزب فوكس ساعة التداول في مسألة ملتمس الرقابة، وأراد أن ينأى بنفسه عن النهج الذي يمارسه منافسه. وهذا الأمر يعني فيما يعنيه، أنه يريد أن يقدم نفسه كزعيم لليمين الإسباني بلا منازع، وأن يتميز عن حزب فوكس.

   ثمة عدة مؤشرات، تدل على تراجع شعبية حزب فوكس، وفشل تدخلاته في أوج تفشي جائحة كورونا، وعزلته السياسية لابتعاد حلفائه عن خطه، وبالتالي، فإنه يحاول استجماع قوته من جديد، لكنه لا يملك حلولا أو برامج بديلة تقنع الناخب الإسباني، لذلك يعود للتأكيد على سياسته الكلاسيكية القائمة على تخويف الإسبان من ’’عدو‘‘ غير موجود.

(هيئة تحرير الفهرس)

ــــــــــــــــــــ

X