الفهرس
كتب الأديب و المفكر العربي الكبير عباس محمود العقاد في مجلة الهلال عام 1949، مقالا بليغا لخّص فيه على نحو عميق و مدروس ما سماه “فلسفة الحياة”، قال فيه:
’’من فلسفة الحياة ما نستمده من الطبع الموروث، ومنها ما نستمده من تجربة الحوادث والناس، ومنها ما نستمده من الدرس والاطلاع.
وفى اعتقادى، أن فلسفة الحياة هي على هذا الترتيب في القوة والأصالة، فلا يتفق الناس في فلسفة الحياة إذا كان بينهم اختلاف في الطبع الموروث، وإن اتفقوا في الدرس والاطلاع أو اتفقوا في تجارب الحياة.
أهم جانب من جوانب فلسفتى في الحياة هو ما استفدته من الطبع الموروث، وجاءته بعض الزيادة من التجربة أو القراءة.. وأعنى به قلة الاكتراث بالمقتنيات المادية.
وأعجب شيء عندى هو تهالك الناس على اقتناء الضياع والقصور وجمع الذخائر والأموال، والمتوسعون في الفتوحات والغزوات أعجب عندى من المتوسعين في الثراء.. وكلامى هنا عن هتلر ونابليون والإسكندر الأكبر.
والطبع هنا أغلب من التطبع، فلم أشعر قط بتعظيم إنسان لأنه صاحب مال إن لم يكن أهلا للتعظيم بغير مال، ولم أشعر قط بصغري إلى جانب كبير من كبراء الثراء، بل شعرت كثيرا بصغرهم.
والعقيدة أقدم عندي من كل بطل يقتحم الحروب ليقال إنه دوخ الأمم .. ومن هنا كنت قليل المبالاة بالمقتنيات المادية، أما فلسفتى في الحياة مع الناس فأثر التجربة والدرس فيها أغلب من أثر الطبيعة الموروثة، فقد اتخذت لنفسى شعارا معهم: (ألا تنتظر منهم كثيرا.. ولا تطمع منهم في كثير)، فالناس منصفون إذا لم يكلفهم الإنصاف شيئا، وقد تعودت منهم مجافاة الإنصاف حتى كدت أشعر بشيء من عدم الرجاء منهم.
فلسفتي في العمل تتلخص في قيمة العمل، وأساس العمل أن يكون له قيمة غير مرهونة بمشيئة هذا أو ذاك، وأصعب الأعمال سهل مع النظام، والعمل الكثير مستطاع إذا نيط كل عمل بوقته، وشعاري مع النظام كلمتان “لا ترتبك”.
فلسفة الحياة في كلمات هي غناك في نفسك، وقيمتك في عملك، وبواعثك أحرى بالعناية من غاياتك، ولا تنتظر من الناس كثيرا تحمد المغبة بعد كل انتظار ‘‘.