الكاتب: سعيد منصفي التمسماني
إذا كان هناك من اعتبر أن لقاء الرئيسين، الأمريكي جو بايدن، والإسباني بيدرو سانشيز، على هامش قمة الناتو المنعقدة في بروكسل، قد شكّل فشلا للدبلوماسية الإسبانية، فإن الفشل، في حقيقته، لم ينتج عن شكل ’’صورة‘‘ اللقاء وقصر مدته، وإنما عن التضخيم الإعلامي والسياسي الإسبانيين الذي سبق اللقاء مُصوِّرا إياه كالجسر الذي عبْره ستتخطى إسبانيا أزمتها مع المغرب .. ولولا هذا التضخيم المبالغ فيه، وهذه السقطة الإعلامية والسياسية، لمرّت صورة سانشيز، وهو يتحدث لفترة وجيزة مع بايدن، مرورا غير لافت، ولأُدرجت كغيرها ضمن الصور ’’العائلية‘‘ الملتقطة في أروقة مقر اجتماع أعضاء التحالف الأطلسي.
وبما أن جُلّ الإعلام في أيامنا هذه أضحى يبحث عن الإثارة أكثر من بحثه عن جوهر الموضوع المطروح أمامه، فقد أراد هذا النوع من الإعلام، بعد أن ’’وقعت الواقعة‘‘، أن يستثمر هنا جزءا من أدواته وموارده في ’’الصورة‘‘ ويركز عليها، سالكا كعادته مسلك التسطيح والتبسيط لاستمالة أهواء العوام وإشباع ميولات الفضول والتفاهة على حساب الموضوعية والرسالة السامية للإعلام.
في هذا المشهد الذي بدا فيه الإعلاميون وهم يتهافتون على ’’الصورة‘‘ كـ ’’تهافت التهافت‘‘، لم يكن الأمر مقتصرا هذه المرة على الإعلام الإسباني وإنما انضم إلى ’’الجوقة‘‘ إعلامٌ من المغرب، وإعلام من دول أخرى، ليصنع كلٌّ منهم ’’حكايته‘‘ المُغرية في قالب من السخرية الرديئة، بهدف الإثارة وإرضاء هذه الجهة أو تلك…
وهنا نود أن نسأل هذا النوع من الإعلام المتعود على بيع الانتصارات الوهمية لجمهوره، عن موقفه لو وجّهت الإدارة الأمريكية دعوة للرئيس الإسباني لزيارة رسمية للبيت الأبيض في الأيام أو الأشهر القادمة؟؟
ثمة، إذن، فرق كبير بين من يبحث عن جوهر القضية، ومن غاية غاياته الاكتفاء بقشورها لتوظيفها في الدعاية والإثارة للحصول على أكبر عدد من الزيارات لموقعه الإلكتروني.
وفي هذا الصدد، لا يخفى على المتفحص المدقق، أن الإعلام الحقيقي، هو ذاك الذي يطرح الأسئلة الأساسية الهادفة أمام كل حدث أو تصريح أو صورة، بل إن كل جواب عن سؤاله يتحول بالنسبة إليه إلى منصة لطرح أسئلة استشرافية، وغايته في كل ذلك، تزويد الرأي العام بالمعلومة الصحيحة ورفع درجة وعيه قدر الإمكان .. ومن ثمة، فإن هذا النوع من الإعلام، لن تجده يركز على صورة لقاء بايدن وسانشيز أكثر من اللازم، أو تراه يبدي اهتماما مفرطا إن كان الرجلان قد التقيا قبل ذلك أو أنهما سيلتقيان بعده، بقدر تركيزه على طرح الأسئلة الأساسية التي من شأنها أن تقربه إلى فهم الموقف الحقيقي لواشنطن في الأزمة الدائرة بين المغرب وإسبانيا والعوامل الحقيقية التي من الممكن أن تجعل الإدارة الأمريكية ترجح كفة هذا الطرف على ذاك.
(الفهرس/سعيد منصفي التمسماني)