لا يستقيم أن يظل القطاع غير المهيكل غير مدمج ضمن الاقتصاد الوطني.

أولا، لأنه يحرم الفئة المنتمية إلى هذا القطاع الاستفادة من عدة خدمات عمومية، وولوج القروض، والعيش في إطار حياة اقتصادية واجتماعية واضحة ومستقرة ودون خوف من ربط علاقة ثقة بالمرفق العمومي المغربي.

ثانيا، لأنه يحرم الدولة من إيرادات مهمة، ويجعل مؤسساتها غير قادرة على تكوين صورة مقربة عن الحالة الاقتصادية/الاجتماعية للدولة، سواء عندما يُراد الحصول على معطيات واقعية بشأن الناتج الداخلي الخام، أو عند السعي إلى رصد الفئات الاجتماعية المستحقة للحصول على الإعانات الاجتماعية.

وثمة عدة عوامل تساعد في اللجوء إلى القطاع غير المهيكل من طرف العديد من الفئات الاجتماعية. وهذه العوامل، يمكن تفاديها، أو تقليصها على الأقل، بإزالة الأسباب المؤدية إلى تفشي ظاهرة القطاع المذكور. وإزالةُ هذه الأسباب، يقتضي مبدئيا اعتماد عدة خطوات، أولها من حيث الأهمية، يتمثل في خلق جو من الثقة بين المواطن(المكلف) ومرفق الضرائب.

وهذا ما انتبه إليه مشروع قانون -إطار المتعلق بالإصلاح الجبائي الذي صادق عليه مجلس النواب يوم الحميس الماضي بالإجماع.

فالمادة الثانية من المشروع، نصت على أنه يتعين على الدولة من أجل تنزيل سياستها الجبائية أن تأخذ بعين الاعتبار عدة أولويات، من ضمنها: ’’تعزيز نجاعة الإدارة الجبائية وفعاليتها وتوطيد الثقة المتبادلة مع المرتفقين‘‘.

أما المادة 17 من مشروع الإصلاح الجبائي، فنصت على الآتي:

’’تسهر الدولة على تعزيز علاقات الثقة بين الإدارة الجبائية والملزمين من خلال ما يلي:

  • توضيح وتحسين مقروئية النصوص الجبائية من أجل ضمان حسن تطبيقها وتقليص الاختلاف في تأويلها؛
  • تثمين المهام المنوطة بالهيئات المكلفة بالطعون الضريبية وضمان استقلاليتها؛
  • تعزيز مهام المشورة وإرشاد الملزمين؛
  • تحسين وسائل التواصل والإعلام بهدف حث الملزمين على الوفاء بالتزاماتهم الضريبية بشكل طوعي؛
  • التقييم الدوري لأداء الإدارة الجبائية في علاقاتها مع الملزمين؛
  • إدراج قيم المواطنة الضريبية في المنظومة الوطنية للتربية والتكوين.

والظاهر من مضمون المادتين المعروضتين، أن المُشَرِّع المغربي أولى اهتماما ملحوظا لمسألة العلاقة بين المُلزَم من جهة، والإدارة الجبائية من جهة أخرى، أي لعامل الثقة الذي يُعتبر أساس إنجاح أي مشروع إصلاحي. ذلك أن كل إصلاح ترومه الدولة لكي يُكتب له النجاح، لا بد له أن يحظي باهتمام المواطنين المخاطَبين به وانخراطهم فيه، وهؤلاء لكي يقْدموا على ذلك يتطلب الأمر أن يثقوا في الجهة صاحبة المشروع الإصلاحي .. فالعلاقة إذن، بين الإصلاح، وثقة المواطن في المرفق العمومي، علاقة تَلازُم لا محيد عنها.

ثم إن ما سطّره المُشَرّع في مشروع قانون الإصلاح الجبائي، يرتبط نجاحه بكيفيات تنفيذه وتنزيله على أرض الواقع وفق المرونة التي يستلزمها هذا الواقع ذاته.

علينا أن ننتبه لمسألة في غاية الأهمية، ومفادها أن ثمة  تخوفا سائدا بين صفوف العاملين لحسابهم في القطاع غير المهيكل من إدارة الجبايات، إما لنقص في المعلومات، أو لتخوفهم من تَرَتُّب ضرائب عليهم قد لا تتناسب مع مداخيلهم.

وبالتالي، أضحى ضروريا، أن تستثمر الدولة في نشر “الثقافة المالية الضريبية‘‘ التي من شأنها أن تنسج علاقة ثقة بين المرتفق وإدارة الضرائب.

وذلك، إنما يتم عبر تكثيف التواصل بين  الجهاز الجبائي من جهة، وبين المكلفين من جهة أخرى أو من هم مرشحون إلى أن يصيروا مكلفين، وإحداث ’’أقسام للاستشارات وتقديم المعلومات‘‘ تتولاها أطر إدارية مؤهلة، وفتح خطوط هاتفية مجانية للاستفسارات تخوّل للمرتفق تقييم أداء الموظّف عند نهاية المكالمة، وإقامةمنصات رقمية مخصصة للإرشادات، وتكثيف النشاط التواصلي من طرف أطر الإدارة بواسطة عقد الندوات التحسيسية المستمرة سواء من خلال لقاءات مباشرة أو عبر الفضاء الافتراضي.

هذا، بالإضافة إلى وضع دلائل مبسطة، وتمكين المرتفقين من الحصول على الاستمارات، حتى وإن كان الأمر يتعلق بمجرد رغبتهم في الاطلاع عليها، ووضع مساطر إجرائية مبسطة سواء عند التصريح بممارسة النشاط أو عند التصريح بانتهائه، لأن كثرة التعقيدات المسطرية، لا سيما ساعة التصريح بانتهاء النشاط، تشجع العاملين في القطاع غير المهيكل على الانغلاق في عالمهم، بل و السعي ـ وهذا هو الأخطر ـ إلى إبداع طرق بديلة للتعاملات المهنية والتجارية دون اللجوء إلى المرافق العمومية والمؤسسات المالية، وبهذا، يتم خلق سلطة اقتصادية تعمل في الخفاء موازية للسلطة الاقتصادية الرسمية.

(الفهرس/سعيد منصفي التمسماني)

X