هل ذلك يقتضي إفراغ الدولار من قوته ’’التدميرية‘‘؟ وهل تلعب دول البريكس دورا لتحقيق ذلك؟

تعدّدت التأويلات بشأن ما يجري في أوكرانيا بين قائلٍ بأن روسيا استُدْرجت وآخر يرى أنها استَبقت؛ لكن، يكاد الكل يتفق على أن ما بعد الحرب الأوكرانية لن يكون كما كان قائما قبلها، وأن المشهديْن السياسي والاقتصادي للعالم سوف يتغيران بشكل كبير.

ولعل ما صرّح به رجل الأعمال الأمريكي ديفيد ساكس، خلال مؤتمر نظمته مجلة “أميريكان كونسيرفاتيف”، يظل كلاما مُعَبِّرا إلى حدٍّ بعيد عن جوهر الأسباب التي  أشعلت فتيل الحرب، حيث قال: “كانت الولايات المتحدة مستعدة للدخول في مواجهة نووية مع الاتحاد السوفيتي بسبب أسلحة هجومية نُشرت في مكان يبعد عن شواطئنا بـ90 ميلا في عام 1962، ولكننا ننظر إلى قلق الروس المماثل على أنه ضرب من الجنون أو التزييف”.

إنهاء الهيمنة الأمريكية

لا تكف موسكو عن تكرار مبررات عمليتها في أوكرانيا: ’’تحرير إقليم دونباس، والقضاء على عسكرة أوكرانيا وعلى التوجهات النازية في هذه الدولة‘‘. لكنها ترسل، بين الفينة والأخرى، من خلال أبرز مسؤوليها، رسائل ضمنية تفيد أن للعملية الروسية أبعادا أقصى من تلك المعلنة.

من ضِمن ذلك مثلا، ما أعلنه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في 11 من شهر أبريل/نيسان الجاري، من أن العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا تهدف إلى وضع نهاية لمسار الولايات المتحدة للهيمنة على العالم.

وقال لافروف عبر قناة “روسيا24”: “عمليتنا العسكرية الخاصة تهدف لوضع نهاية للتوسع والنهج المتهور لهيمنة الولايات المتحدة الكاملة على العالم والدول الغربية التابعة لها في المحافل الدولية”.

وأكد وزير الخارجية الروسي أن بلاده لن تخضع للغرب أبدا، قائلا: إن “روسيا، بما تملك من تاريخ وعادات، تُعَد واحدة من تلك الدول التي لن تحتل موقع التبعية. يمكننا فقط أن نكون أحد أعضاء المجتمع الدولي بشروط متساوية من الأمن غير القابل للتجزئة”.

وخلال زيارة أجراها فلاديمير بوتين إلى مطار “فوستوتشني” الفضائي، في مقاطعة آمور شرق روسيا بمناسبة يوم الفضاء الذي يوافق 12 أبريل/نيسان، قال الرئيس الروسي، إن  ’’العالم اليوم بات أكثر صعوبة مما كان عليه أثناء الحرب الباردة ودولة واحدة لم يعد بإمكانها الحفاظ على الهيمنة‘‘، وأشار إلى أن العملية العسكرية التي تشنها قواته ضد أوكرانيا “ستحقق مهامها وأهدافها دون أي شك”، معتبرًا أن المحاولات الغربية لعزل روسيا عن العالم “أمر مستحيل”؛ وذلك حسبما أورده موقع “روسيا اليوم”.

العمل على إنهاء هيمنة الدولار

وإذا كانت إحدى ركائز الهيمنة الأمريكية تقوم على ’’الدولار‘‘، فإن كلام المسؤولين الروس يعني فيما يعنيه، العمل على تقويض هذه الركيزة المالية، أي الدولار، وإفراغها من قوتها ’’التدميرية‘‘…

يتساءل البعض، إن كانت واشنطن قد بلغت مرحلة الغلو بتوظيفها للدولار الأمريكي كآلية للضغط على الدول والتدخل في شؤونها الداخلية وتحويله إلى نوع من أسلحة الدمار الشامل؟ وهل ستعود هذه المرة العقوبات المالية المفروضة على روسيا بشكل سلبي على مكانة الدولار وثقة المتعاملين به؟

نيكولا مازوتشي، المتخصص في شؤون الطاقة من مؤسسة البحوث الاستراتيجية الفرنسية، اعتبر أن قسماً كبيراً من صلاحية القانون الأمريكي خارج أراضي الولايات المتحدة يقوم على الدولار.

بيانُ وزارة المالية الروسية الصادر عقب الاجتماع الأخير لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لدول البريكس، تطرّق إلى ما قاله وزير المالية الروسي أنطون سيلوناف من أن  ’’العقوبات ضد روسيا تدمر أساس النظام النقدي والمالي الدولي القائم على أساس الدولار الأمريكي”.

فحَسَب الوزير سيلانوف، فإن العقوبات الأخيرة التي فُرضت على روسيا أنتجت حاجة ملحة لدى العديد من الدول لابتكار وسائل بديلة للأداء والتعامل على المستوى الدولي وأضحت تدفعها إلى تسريع العمل في عدة مجالات مالية، ’’كاستخدام العملات الوطنية في عمليات التصدير والاستيراد، وتكامل أنظمة الدفع والبطاقات، ونظام الرسائل المالية الخاص بها، وإنشاء نظام مالي خاص بها”.

وفي اجتماعها الأخير، اتفقت البنوك المركزية لدول البريكس على قرار يقضي بإجراء الاختبار الخامس لآلية تجمع احتياطيات النقد الأجنبي الموحدة التابعة لمجموعة البريكس باستخدام عملات بديلة.

وسيعقد الاجتماع المقبل على مستوى وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لدول البريكس في يونيو/حزيران من هذا العام، وسيتم اعتماد بيان مشترك بناءً على نتائج الاختبار.

وتجب الإشارة، إلى أن مجموعة البريكس، يقصد بها الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. ومصطلح ’’بريكس‘‘ هو عبارة عن مختصر للحروف الأولى باللغة اللاتينية لتلك الدول.

وعُقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع المؤسسة للبريكس في كاترينبورغ (روسيا) في يونيو/حزيران 2009، وحينها توصل الأعضاء المؤسسون إلى اتفاق يقضي بالعمل على تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية.

وخلال القمة المنعقدة سنة 2015 في روسيا، شرع المجتمعون في وضْع الأسس لتشييد نظام الدفع لمجموعة بريكس (BRICS payment system) يكون بديلا لنظام سويفت، وذلك بهدف توفير أكبر قدر من الاستقلالية على المستوى المالي.

(الفهرس/سعيد منصفي التمسماني/وكالات)

X