أراد الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة حلول الذكرى السادسة والأربعين للمسيرة الخضراء التي يحييها المغاربة في السادس من نونبر/تشرين الثاني من كل سنة، أن يبعث برسائل ضمنية إلى الدول التي ترفض الاعتراف بمغربية الصحراء أو تلك التي تتموضع في المنطقة الرمادية حيث يكتنف موقفها نوع من الغموض يتراوح بين ’’نعم‘‘ و ’’لا‘‘، أي  ’’نعم‘‘ للمبادرة المغربية بشأن الحكم الذاتي مع التأكيد في آن واحد على مبدأ ’’الحق في تقرير المصير‘‘.

هذا الموقف المتذبذب بين ’’نعم‘‘ و ’’لا‘‘، الذي لا يساهم إلا في إطالة الأزمة، هو الذي يريد الملك أن يوضح لأصحابه قائلا لهم، ’’إن مغربية الصحراء حقيقة ثابتة، لا نقاش فيها، بحكم التاريخ والشرعية، وبإرادة قوية لأبنائها، واعتراف دولي واسع‘‘. مضيفا، أن ’’المغرب لا يتفاوض على صحرائه، ومغربية الصحراء لم تكن يوما ولن تكون أبدا مطروحة فوق طاولة المفاوضات ولكن نتفاوض من أجل إيجاد حل سلمي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل‘‘؛ وذلك يعني فيما يعنيه، أن لا تفاوض على ما يسمى بالحق في تقرير المصير لأن مغربية الصحراء حُسمت منذ أن انتزعها المغرب عام 1975 من الاحتلال الإسباني، وأضحى الأمر متجاوزا.

ومن ثمة، من الطبيعي والمنطقي، أن يؤدي هذا الموقف المتميز بالغموض إلى أن لا تُبْنى على أرضيته شراكات اقتصادية قوية ذات بعد استراتيجي مع من يتبنّوْنَه، إذ ليس من العدل في شيء أن يستفيد من هذه العلاقات أولئك المشاركون في أنشطة المساس بالوحدة الترابية المغربية.

لذلك جاءت رسالة الملك ضمن خطابه واضحة في هذا السياق، حيث وجّه كلاما مباشرا إلى من ’’يهمهم الأمر‘‘ لم يسبق أن طرحه بهذه الدرجة العالية من الوضوح، معلنا: ’’ نقول لأصحاب المواقف الغامضة أو المزدوجة  بأن المغرب لن يقوم معهم، بأي خطوة اقتصادية أو تجارية، لا تشمل الصحراء المغربية‘‘، وهذا أمر يندرج ضمن حقوق المغرب، وفق الخطاب الملكي ذاته، الذي أوضح فيه الملك محمد السادس أنه: ’’من حقنا اليوم، أن ننتظر من شركائنا، مواقف أكثر جرأة ووضوحا، بخصوص قضية الوحدة الترابية للمملكة‘‘.

والكلام هنا موجه لعدة دول ومنظمات، من بينها إسبانيا، وكذلك الاتحاد الأوروبي بصفة عامة، الذي أصدرت محكمة العدل التابعة له في شتنبر/أيلول الماضي حكما يقضي بإلغاء قرارين للمجلس الأوروبي بشأن اتفاقيتين تتعلقان بالفلاحة والصيد البحري مع المغرب بدعوى أنهما أبرمتا دون موافقة سكان الصحراء وأنهما تشملان منتجات قادمة من تلك المنطقة.

ومن دلالات هذا الكلام كذلك، أن الضغوط الممارسة من طرف بعض الدول والمنظمات على المغرب بآليات قانونية أو بأدوات إقليمية، لم تستطع ولن تستطيع منعه من مواصلة تشكيل شراكات استراتيجية جديدة خارج النطاق التقليدي الذي كانت تهيمن عليه بعض الدول الأوروبية وتتمتع في إطاره بامتيازات تفضيلية.

هذا الوضع إذن، قد تم طيُّهُ وأضحى من أخبار الماضي، لأن المغرب أصبحت له بدائل ونسيج متنوع من الشراكات، تُؤلفه دول عديدة من إفريقيا، ودول خليجية وعربية، ودول قوية كالولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا والصين وتركيا؛ وهذا ما عبّر عنه الملك بشكل مقتضب في خطابه، عندما قال: ’’لدينا والحمد لله، شرکاء دوليون صادقون، يستثمرون إلى جانب القطاع الخاص الوطني، في إطار من الوضوح والشفافية، وبما يعود بالخير على ساكنة المنطقة‘‘، أو عند إشادته  بالقرار السيادي لواشنطن باعترافها  بالسيادة الكاملة للمغرب على صحرائه؛ حيث أكد أن هذا ’’التوجه يعزز بشكل لا رجعة فيه، العملية السياسية، نحو حل نهائي، مبني على مبادرة الحكم الذاتي، في إطار السيادة المغربية‘‘.​​​​​​​

وبالفعل، فقد تعزز هذا المنحى بافتتاح عدد من الدول لممثلياتها الدبلوماسية في الأقاليم الصحراوية المغربية. ففي 18 ديسمبر/ كانون الأول 2019، افتتحت جزر القمر أول قنصلية لها في مدينة العيون، ومنذ تلك الفترة توالت عملية افتتاح قنصليات أجنبية في الصحراء ، حتى بلغ عددها 25 قنصلية.

وتُعد سيراليون آخر بلد افتتح قنصلية له هناك، وكان ذلك في أغسطس/ آب الماضي، وقبلها بشهر افتتحت مالاوي قنصلية في الإقليم، وهي التي كانت تعترف سابقا بـ “البوليساريو” قبل أن تسحب اعترافها في 7 مايو/ أيار 2017.

كما أعلنت الولايات المتحدة في 10 ديسمبر/ كانون الأول الماضي عزمها على افتتاح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة، ضمن إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب اعتراف بلاده بسيادة المغرب على الإقليم.

وفي 28 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلنت نائبة الرئيس ووزيرة خارجية كولومبيا مارتا لوسيا راميريز إصدار ’’تعليمات للسفير الجديد لكولومبيا بالرباط، من أجل تمديد نطاق الإشراف القنصلي لسفارة كولومبيا في المملكة على كل التراب المغربي، بما في ذلك الصحراء‘‘.

(الفهرس: يسمح بإعادة نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره)

X