تنديد دولي، وإصرار روسي، وبداية للتداعيات الاقتصادية

إذا كانت واشنطن قد أصابت في شيء فيما يخص النزاع الروسي الأوكراني، فإنه بلا شك ما توقعه الرئيس الأمريكي جو بايدن من حدوث هجوم روسي وشيك على أوكرانيا. وباستثناء هذا الإنجاز، إذا صحّ اعتباره إنجازا، لم تستطع الإدارة الأمريكية فعل أي شيء لحليفتها أوكرانيا ورئيسها فولوديمير زيلينسكي سوى بيان تنديد أصدره البيت الأبيض وأنهاه بايدن قائلا: ’’الليلة، أنا وجيل نصلي من أجل شعب أوكرانيا الشجاع والفخور‘‘.

وبالفعل، فقد حدث ما كان لا بد من حدوثه، وشنّت روسيا هجومها على أوكرانيا، معلنة أن قواتها لا تستهدف المدن الأوكرانية وأنها تنفذ ضربات صاروخية وجوية على مواقع عسكرية فقط.

الهجوم الروسي جاء مباشرة بعد إعلان واشنطن ولندن والاتحاد الأوروبي حزمة من العقوبات الاقتصادية على إثر إصدار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الاثنين 21 فبراير/شباط الجاري، مرسومين يقضيان بالاعتراف بمنطقتي لوغانسك ودونيتسك كجمهوريتين مستقلين عن أوكرانيا.

ولعل رمزية التسجيل المرتبك الذي ظهر فيه الرئيس الأوكراني وهو يوجه خطابا لشعبه على إثر انطلاق العمليات الهجومية الروسية، يحمل دلالات في حد ذاته، لا سيما إذا ما قورن مع الخطاب الذي وجهه بوتين للشعب الروسي صباح يوم الخميس، حيث بدا من خلاله كرئيس واثق من أجندته السياسية والعسكرية.

اعتبر الرئيس الروسي أن تدخله في أوكرانيا جاء بناء طلب المساعدة المقدم من طرف سلطات دونباس. وقال، إن ’’هدف العملية هو حماية الأشخاص الذين تعرضوا للتنمر والإبادة الجماعية من قبل نظام كييف لمدة ثماني سنوات، ولهذا سنسعى جاهدين لنزع السلاح و تقديمهم إلى العدالة، وكذلك أولئك الذين ارتكبوا جرائم دموية عديدة ضد المدنيين بمن فيهم مواطنون روس‘‘.

وأكد بوتين  أن خطط روسيا لا تشمل احتلال أوكرانيا، لكنها لن تشعر بالأمان والتطور والعيش مع وجود تهديد مستمر صادر من أوكرانيا، وبالتالي، فإنها لن تقبل بتطوير أوكرانيا من قبل حلف شمال الأطلسي، ولن تسمح لكييف بالحصول على أسلحة نووية، وأنها ستسعى جاهدة من أجل نزع سلاحها.

وأضاف، أن الدول الرائدة في حلف الناتو تدعم من أسماهم بــ ’’النازيين الجدد في أوكرانيا‘‘، واعتبر أن روسيا لا تملك خيارا آخر سوى الدفاع عن نفسها.

وتنتشر إعلانات وأخبار ورادة من الطرفين الروسي والأوكراني بوقوع خسائر وسقوط قتلى من كلا الجانبين.

وأعلنت وكالة رويترز وبعض الوكالات الروسية والأوكرانية والأجنبية عن مقتل العشرات من الجيش الأوكراني وجرح آخرين.

وتشير الأخبار، إلى تعرض مبان رئاسية وبنيات ومنشآت عسكرية في كييف ومدن أوكرانية أخرى إلى القصف الروسي.

وأعلن الرئيس الأوكراني فرض الأحكام العرفية على جميع أراضي الدولة، و إغلاق مجال البلاد الجوي أمام الطيران المدني. كما أعلنت خدمة الطوارئ الحكومية الأوكرانية أنها أوقفت المواقع الإلكترونية عن العمل خشية التعرض لهجمات تسلل.

من جهتها، أعلنت روسيا اليوم الخميس إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات المدنية في حدودها الغربية المحاذية لأوكرانيا وبيلاروسيا.

الغرب يندد

نددت منظمة الأمم المتحدة والبيت الأبيض والاتحاد الأوروبي والناتو بالعمليات العسكرية التي شنتها موسكو على أوكرانيا.

ونقلت شبكة (سي إن إن) عن مسؤول مقرب من البيت الأبيض، أن بايدن سيعلن “المزيد من العواقب التي ستفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤنا على روسيا بسبب هجومها غير المبرر على أوكرانيا”.

وقال رئيس الوزراء البريطاني بوري جونسون في كلمة للشعب بثها التلفزيون “اليوم بالتنسيق مع حلفائنا سنتفق على حزمة هائلة من العقوبات الاقتصادية التي تهدف بمرور الوقت إلى عرقلة الاقتصاد الروسي”.

وأضاف أن على الغرب أن ينهي اعتماده على روسيا في تزويده بالنفط والغاز اللذين منحا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سلاحا يهدد به السياسات في الغرب.

وقال جونسون “مهمتنا واضحة: فمن خلال الوسائل الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية وفي النهاية العسكرية لابد أن تنتهي هذه المغامرة الوحشية الشنعاء من جانب فلاديمير بوتين بالفشل”.

وفي وقت سابق وصف جونسون الغزو بأنه “كارثة” على أوروبا وقال إنه سيتحدث مع قادة الدول الأخرى الأعضاء في مجموعة السبع.

وكان التوتر قد تصاعد في الأيام الأخيرة على حدود منطقتي دونيتسك ولوغانسك، بين الانفصاليين من جهة، والقوات الأوكرانية من جهة أخرى. تلا ذلك توقيع الرئيس الروسي يوم الاثنين الماضي مرسومين يعترفان باستقلال لوغانسك ودونيتسك، واضعا بذلك نهاية عملية لاتفاقات ’’مينسك‘‘ الدولية.

أهداف التدخل الروسي في أوكرانيا

بالرغم من أن الرئيس بوتين أعلن في خطابه أن خطط روسيا لا تشمل احتلالا كاملا لأوكرانيا، إلا أن الأخبار الصادرة عن وكلات الأنباء الدولية تتحدث عن عمليات روسية واسعة النطاق.

وقد أوضح المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، حسب ما أوردته اليوم وكالة سبوتنيك الروسية، أن الهدف من العملية العسكرية الروسية هو منع عسكرة أوكرانيا لأن هذا يشكل تهديدًا للشعب الروسي، حسب تعبيره.

وردا على سؤوال الصحفيين حول ما إذا كان الهدف من نزع السلاح يعني تصفية الجيش الأوكراني وتدميره، قال بيسكوف: “هذا يعني تحييد القدرات العسكرية التي نمت بشكل كبير مؤخرًا بفضل المشاركات النشطة للدول الأجنبية”.

وأضاف حول إمكانية إجراء مفاوضات بين بوتين وزيلينسكي: “لماذا لا، إذا كانت أوكرانيا مستعدة للحديث عن مخاوف موسكو الأمنية”.

وقال عن احتمال تغيير النظام في أوكرانيا: “هذه المسألة تخص اختيار الشعب الأوكراني”.

الوجه الاقتصادي للأزمة الروسية الأوكرانية

لم تتأخر العمليات العسكرية الروسية في إفراز تداعياتها الأولى على المجال الاقتصادي وأسواق المال والأعمال.

فقد سجلت بورصات أوروبا جمعيها تراجعات حادة خلال التعاملات المبكرة من جلسة اليوم الخميس، وشاركتها الأسواق الأسيوية والعربية نفس الاتجاه.

أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد سجلت العقود الاَجلة لمؤشرات الأسهم الأمريكية (داو جونز، إس أند بي 500، ناسداك) اليوم الخميس، تراجعا لافتا، متأثرة بانحسار شهية المخاطرة لدى المستثمرين.

وبصفة عامة، عرفت أسواق الأسهم العالمية تراجعا حادا، كما تراجعت أداء أسواق العملات الرقمية، وتعدت أسعار النفط عتبة 100 دولار للبرميل.

وانعكست تبعات العمليات العسكرية الروسية على السوق العالمية للقمح، إذ تسيطر كل من روسيا وأوكرانيا على نحو 29% من تجارة القمح العالمية.

ووصلت أسعار القمح العالمية في صباح اليوم عند أعلى مستوى له منذ 2012 إلى 9.26 دولار للبوشل وهو ما يعادل 27.2 كيلو.

وقفزت أسعار القمح بالحد الأقصى المسموح به في بورصة شيكاغو لتقترب من 6% خلال التعاملات المبكرة اليوم الخميس وهو أعلى سعر منذ سبتمبر 2021.

ويبدو أنه في حالة استمرار الوضع على ما هو عليه، فإن الأسواق العالمية ستتأثر بشكل كبير، لا سيما في أوروبا حيث الأحداث تجري على أبوابها.

هل أخطأ بوتين في حساباته ووقع في كمين الاستدراج؟ أم أن اعترافه باستقلال دونيتسك ولوغانسيك كان عملا ’’عبقريا‘‘ وفق وصف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب…؟ هذا ما ستعلنه المراحل القادمة بما ستحمله من تطورات.

(الفهرس + وكالات)

X