تكتسي الانتخابات التشريعية الكطلانية أهمية كبيرة في إسبانيا، وتحظى بتتبع خاص من طرف وسائل الإعلام الإسبانية والدولية والرأي العام الإسباني، وذلك نظرا للطابع التاريخي والسياسي للمنطقة، الذي يطغى عليه لون الأحزاب الانفصالية ومطالبها المتواصلة والمستمرة في الحق في إقرار المصير.    

وكما كان من المنتظر، فقد جرت الانتخابات الأتونومية الكطلانية للولاية التشريعية الثالثة عشرة يوم الأحد 14 فبراير في جو من الاستقطاب السياسي والإنزال الإعلامي المكثف.

وبالرغم من أن بعض الاستطلاعات استبقت النتائج والأرقام، إلا أن لا أحد كان بمقدوره توقع الحصيلة النهائية، بسبب أن هذه الانتخابات تمر في ظروف خاصة فرضتها تداعيات جائحة كورونا.     

ومثل أي انتخابات أخرى، فإن الانتخابات الكطلانية التي تبارت فيها الأحزاب على 135 مقعدا في البرلمان الأتونومي الكطلاني كان فيها فائزون، وخاسرون، وكانت فيها مفاجآت.     

احتل الحزب الاشتراكي الكطلاني (PSC) المركز الأول بـ 33 مقعدا و 23,02% من الأصوات، متبوعا بحزب اليسار الجمهوري لكطالونيا (ERC) بـ 33 مقعدا و 21,31% من الأصوات، وحزب ’’جميعا من أجل كطالونيا‘‘ (Junts) بـ 32 مقعدا و 20,06% من الأصوات، وحزب ’’فوكس‘‘ من اليمين المتطرف بـ 11 مقعدا و 7,69% من الأصوات، وحزب ’’قائمة الوحدة الشعبية‘‘ (CUP) المحسوب على اليسار الراديكالي الكطلاني بـ 9 مقاعد و 6,8% من الأصوات، وحزب ’’معا نستطيع‘‘ (COMÚ-PODEM) الذي يمثل مجموعة من الأحزاب اليسارية من ضمنها حزب ’’بوديموس‘‘ بـ 8 مقاعد و 6,86 من الأصوات، وحزب ’’سيودادانوس‘‘ (يمين/وسط) (Cs) بـ 6 مقاعد و 5,57% من الأصوات، وجاء في المركز الأخير ’’الحزب الشعبي‘‘ (يمين/محافظ) (PP) بـ 3 مقاعد و 3,85% من الأصوات.    

وبلغت نسبة المشاركة 53,55% من مجموع الناخبين الذين يبلغ عددهم 5.368.992، وهي أقل نسبة سُجلت في تاريخ الانتخابات الأتونومية الكطلانية منذ سنة 1980.

أما أكبر نسبة للمشاركة، فقد تم تسجيلها في انتخابات دجنبر 2017، حيث بلغت نسبة المشاركين إلى 79,09%.  

وبالرغم من أن الحزب الاشتراكي الكطلاني حلّ في المركز الأول من حيث عدد أصوات الناخبين، وذلك بفارق أزيد من 48 ألف صوت عن الحزب الذي احتل المركز الثاني، فإن هذا الفوز يظل دون تأثير فيما يتعلق بسيطرة الأحزاب القومية الكطلانية على البرلمان والحكومة.

بل إن ما حدث هو العكس تماما، أي أن الانتخابات الأخيرة رسّخت تلك السيطرة، إذ استطاعت الأحزاب ذات التوجه الانفصالي (CUP+JxCat+ERC) حصد الأغلبية المطلقة على مستوى البرلمان بـ 74 مقعدا من أصل 135، كما أنها حصلت على الأغلبية المطلقة من حيث عدد المصوتين، وذلك باحتساب أصوات الحزب القومي ’’بيديكاط‘‘ (PDeCAT) الذي بالرغم من أنه لم يحصل على مقعد على مستوى البرلمان، إلا أن عدد الذين صوّتوا له كان أكثر من 76 ألف شخص، أي بنسبة 2,72% من المصوتين.    

وحسب الحصيلة النهائية للانتخابات الأتونومية الكطلانية، فإن الأحزاب القومية ستظل صاحبة القرار على المستويين التشريعي والتنفيذي في كطالونيا، ولا يمكن تغيير هذا المشهد إلا في حالة تحالفٍ يساري افتراضي تحدّث عنه الكثير من المحللين السياسيين الإسبان، ويضم كلا من الحزب الاشتراكي الكطلاني (PSC)، وحزب اليسار الجمهوري الكطلاني (ERC)، بالإضافة إلى حزب ’’معا نستطيع‘‘ (COMÚ-PODEM).

لكن هذا التحالف يبدو في الوقت الراهن بعيد المنال، وربما أمكن توقعه في الظروف العادية؛ أما وقد بلغ الصراع بين الأحزاب القومية والسلطة المركزية أشدّه، فإن جل المتتبعين يرجحون أن يكون التحالف في كطالونيا على أساس العقيدة القومية.     

ولعل من أكبر مفاجآت الانتخابات الكطلانية والتي توقعتها بعض الاستطلاعات، تمثلت في حصول حزب ’’فوكس‘‘ اليميني على 11 مقعدا داخل البرلمان الكطلاني، ويُعزى هذا التحول المباغت في اتجاه أصوات الناخبين إلى عدة أسباب، يرجعها البعض إلى انخفاض نسبة المشاركة، واستقطاب حزب فوكس بخطابه المتشدد والشعبوي الأنصار المحسوبين على القاعدة الانتخابية لحزب ’’سيودادانوس’’ و’’الحزب الشعبي‘‘ اليمينيين.    

من جهة أخرى، مُني حزب ’’سيودادانوس‘‘ بانتكاسة كبيرة حيث انتقل من المركز الأول الذي حصل عليه في انتخابات 2017 بـ 36 مقعدا إلى المركز السابع بـ 6 مقاعد؛ في حين تراجع الحزب الشعبي بمقعد واحد فقط، أي من 4 مقاعد في انتخابات 2017 إلى 3 مقاعد في انتخابات 2021.     

وقد انطلق مسار المطالب الانفصالية للأحزاب الكطلانية بشكل عملي ومنظم منذ سنة 2012، وأسفر ذلك عن إجراء استفتاء استشاري حول انفصال كطالونيا عن إسبانيا في التاسع من نونبر 2014 بقرار من رئيس الحكومة الكطلانية آنذاك، ’’أرتور ماس‘‘، ترتّبت عليه متابعات قضائية ضده.     

غير أن إجراءات المنع والمتابعات القضائية لم تُجْد نفعا للتأثير على الأحزاب القومية الانفصالية وقاداتها، حيث استمر العمل متواصلا في مسار عملية الانفصال إلى أن أصدر المجلس التشريعي الكطلاني في السادس من شتنبر 2017 ’’قانون الاستفتاء حول تقرير المصير‘‘، أعقبته دعوة من طرف رئيس الحكومة الكطلانية، ’’كارلس بوجدمون‘‘ إلى إجراء استفتاء حول تقرير المصير في الفاتح من أكتوبر 2017.     

وفي العاشر من أكتوبر، أعلن الرئيس الكطلاني عن قيام ’’الجمهورية الكطلانية‘‘ قبل أن يلجأ في نفس اللحظة إلى تعليق هذا الإعلان؛ وهو ما اعتبرته الحكومة المركزية الإسبانية إخلالا بالنظام الدستوري، وتنصلا من الامتثال لقرار المحكمة الدستورية التي كانت قد أصدرت حكما ببطلان قانون الاستفتاء المذكور.    

وتم بالتالي، تطبيق آلية المادة 155 من الدستور على منطقة كطالونيا بعد استنفاذ كل طرق الحوار. وأصدر الرئيس الإسباني ماريانو راخوي عدة قرارات، قضت باستبدال المسؤولين الكبار للحكومة الكطلانية، وحلّ البرلمان الكطلاني، ثم الدعوة إلى إجراء انتخابات أتونومية بالنسبة لمنطقة كطالونيا في 21 من شهر دجنبر 2017، لتنطلق بعد ذلك سلسلة من المتابعات القضائية في حق العديد من المسؤولين الكطلان، أسفرت عن اعتقال بعضهم وبعض النشطاء، وتَوَجُّهِ الرئيس الكطلاني إلى بلجيكا طلبا للجوء السياسي وللاستمرار من هناك في توجيه مسار عملية ’’الانفصال‘‘.    

وفي 28 شتنبر 2020، أعلنت المحكمة العليا الإسبانية حكمها النهائي القاضي بحرمان ’’كيم طورّا‘‘، الذي ترأس الحكومة الكطلانية بالنيابة عن الرئيس ’’بوجدمون‘‘ المتواجد في بلجيكا، بالحرمان من الترشح للانتخابات وعدم تقلد أي منصب عمومي لمدة سنة ونصف سنة؛ وذلك بتهمة العصيان ورفضه المتكرر الاستجابة لقرار اللجنة الانتخابية المركزية بسحب جميع الرموز الحزبية من المباني العمومية للحكومة الكطلانية خلال الفترة التي كانت تجري فيها الانتخابات العامة التشريعية.

وبموجب قرار المحكمة المذكور، تولى نائبه ’’بيرا أراغونيس‘‘ مسؤولية قيادة الحكومة الكطلانية إلى غاية إجراء انتخابات 14 فبراير 2021.    

ويبدو أن الانتخابات الأخيرة دعّمت موقف الأحزاب القومية الكطلانية وغطت بعض الخلافات التي كانت قد أخذت تدب بينهم، حيث من المرجح أن يستمر ’’بيرا أراغونيس‘‘ المنتمي لحزب اليسار الجمهوري في ترأس الحكومة الكطلانية، كما أنها أعادت إشكالية المطالب الكطلانية إلى النقاش العمومي مرة أخرى بعد تواريها عن الأنظار لما يقرب سنة كاملة بسبب هيمنة موضوع جائحة كورونا وتداعياتها على المشهد السياسي والإعلامي الإسباني.

(الفهرس/سعيد منصفي التمسماني)

X