قراءات في الحصيلة

نظّمت شعبة القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة بشراكة مع مركز عبد المالك السعدي للأبحاث والدراسات القانونية، بتاريخ 14 ماي/أيار 2022، ندوة علمية تحت عنوان ’’عشرية دستور 2011: قراءات في الحصيلة‘‘.

ويمثّل دستور 2011 الوثيقة الدستورية السادسة للمغرب بعد كل من دستور 1962، ودستور 1970، ودستور 1972، ودستور 1992، ودستور 1996.

وقد صيغ الدستور الأخير للمملكة في سياق ما شهده العالم العربي من مطالب إصلاحية وحركات احتجاجية عُرفت باسم ’’الربيع العربي‘‘.

وشكّل خطاب العاهل المغربي بتاريخ 9 مارس/آذار 2011 إيذانا بإعطاء الانطلاقة لمراجعة دستور 1996 ووضْع دستور جديد يتماشى مع متطلبات المرحلة وآفاقها، تتكلف بصياغته لجنة خاصة أشرف الملك على تعيينها وأسند رئاستها إلى الأستاذ عبد اللطيف المنوني المشهود له بمكانته العلمية وخبرته الحقوقية.

وعُرض مشروع الدستور على استفتاء عام في يوليو/تموز 2011، وتم إقراره ثم إصداره في التاسع والعشرين من نفس الشهر.

وما يزال النقاش في المغرب ساريا حول دستور 2011، بين من يعتبره وثيقة ديمقراطية شكلت محطة فاصلة في تاريخ المشهد السياسي المغربي، وبين من يرى فيه بعض جوانب القصور سواء على مستوى المضمون أو كيفيات تنزيله.

وقد تناولت الندوة العلمية المقامة في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة عدة مواضيع تم التطرق إليها بواسطة عدد من الأساتذة في جلستين.

الجلسة العلمية الأولى برئاسة الأستاذ نور الدين أشحشاح

في الجلسة الأولى، وتحت عنوان ’’الملكية البرلمانية: بين المطلب والتمثل‘‘، اعتبر الأستاذ محمد مونشيح، أن دستور 2011 ’’لم يتقاطع مع مطلب الملكية البرلمانية ولو جزئيا، لأن المنطلق كان قائما على دعم مؤسسة مهيمنة على جميع البنيان الدستوري‘‘، وأنه بعد مرور إحدى عشرة سنة اكتشف ’’أكثر المتفائلين، أنهم أمام ملكية تنفيذية ناجزة، وأن حلم الملكية البرلمانية، أو على الأقل أفقها، هو بمثابة سراب‘‘، حسب تعبيره.

ورأى مونشيح، أن الخطاب الملكي لـ 9 مارس، فاق توقعات فقهاء القانون الدستوري وأساتذة لجنة صياغة الدستور؛ وأنه ضمن هذا المسار، انهارت مجموعة من الأطروحات العلمية، لدرجة أنه لم يعد ثمة مكان لإنتاج مسلمات دستورية كما كان في السابق، وأن عبارة ’’الملكية البرلمانية‘‘ خضعت لكثير من التمييع والانتقائية.

في المقابل، اعتبر الأستاذ أمين السعيد، ’’أن دستور 2011، وحتى الممارسة، برهنت على أن هناك نوعا من التقييد (للسلطات الملكية) مقابل استمرار حضور سلطات أخرى، بمعنى، أن هناك تعايشا بين السلطات المقيدة والسلطات غير المقيدة للملك أو ما أضحى يعرف بالسلطات التقديرية التي تستمد وجودها من تراكم دستوري انطلق منذ سنة 1962‘‘.

وأشار أمين السعيد، في مداخلته تحت عنوان ’’مدى تعايش السلطات المقيدة مع السلطات التقديرية للمؤسسة الملكية في المجالين التشريعي والتنفيذي: قراءة في الممارسة الملكية بعد عشر سنوات من دستور 2011‘‘، إلى أن مصطلح ’’إمارة المؤمنين‘‘ لم يعد له استعمال مكثف في الحياة السياسية بعد دستور 2011، وأن سلطات الملك في المجال التشريعي أضحت مقيدة بالنص الدستوري ولا تطال سوى الجانب الديني والجانب العسكري في شقه التنظيمي، وباستثناء ذلك، لم يعد هناك تدخل ملكي في المجال التشريعي؛ وذلك على عكس ما كان جاريا قبل سنة 2011؛ كما لم يُخوّل الدستور الجديد سلطة تشريعية للملك في الحالات غير العادية وحالة الاستثناء على وجه التحديد.

أما على مستوى المجال التنفيذي، فقد اعتبر أمين السعيد، أن الملك في هذا المجال ما يزال يحتفظ بسلطة تقديرية واسعة، باعتباره رئيس المجلس الوزاري، وله سلطة إعفاء الوزراء وتعيين هيئات الحكامة وعقْد جلسات العمل الملكية، بالإضافة إلى بعض سلطاته التقديرية التي قيّدها المشرع الدستوري بشروط شكلية، حيث ما زالت مخولة للسلطة الملكية، كسلطة حل البرلمان، وإعلان حالة الاستثناء وحالة الحصار.

وتحت عنوان ’’التأويل غير الديمقراطي لجوهر دستور 2011: القوانين التنظيمية للجماعات الترابية نموذجا‘‘، خلص الأستاذ عبد الكبير يحيا إلى نتيجة مفادها، أن ما أعطاه الدستور للجماعات الترابية، قد تمت مصادرته بواسطة القوانين التنظيمية والنصوص التشريعية والتنظيمية، على نحو ’’يستحيل معه بلوغ أهداف التنمية ويضرب في العمق مسار الجهوية المتقدمة‘‘.

واقترح الأستاذ عبد الكبير يحيا تدخّل القاضي الدستوري لحماية مبدأ ’’التدبير الحر‘‘ ’’وتأكيد مضمونه وإرفاقه بضمانات لا يمكن القفز عليها‘‘.

إلى جانب ذلك، دعا المنتخبَ المحلي إلى رفع السقف وحماية مجال تدخلاته واختصاصاته وتطوير أدائه في سبيل النهوض بمسؤولياته وتحصين الممارسة الديمقراطية، كما دعا الأحزاب السياسية إلى إعادة النظر في طريقة عملها، والسلطةَ المركزية إلى تنزيل الدستور وممارسة التأويل وفق مفهوم الاختيار الديمقراطي.

الأستاذ أحساين سليمان، تطرق خلال مداخلته إلى ’’البيئة والتنمية المستدامة في دستور 2011‘‘، راصدا التطور الذي أضفاه الدستور الجديد على موضوع البيئة، حيث صنفه المشرع الدستوري ضمن الحقوق المنصوص عليها في الفصل 19 من الدستور. وتناول الأستاذ أحساين ما استتبع ذلك من قوانين ونصوص تنظيمية في مقدمتها القانون الإطار بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة لسنة 2014.

وكختام لمداخلات الجلسة الأولى، تطرق الأستاذ زكرياء أقنوش إلى مسألة الملتمسات التشريعية في المغرب؛ مثيرا عدة نقاط وتساؤلات من غرض دسترة الملتمس التشريعي، وإن كان قد أفرِغ من محتواه عندما تعلق الأمر بتنزيله على مستوى التشريع العادي؟

الجلسة العلمية الثانية برئاسة الأستاذ إدريس جردان

في الجلسة الثانية، تطرق الأساتذة المشاركون إلى مجموعة من القضايا الدستورية:

ـ الأستاذة إكرام شحيمة، تمحورت مداخلتها حول إجراء ’’قراءة في القانون بمثابة ميثاق للمرافق العمومية على ضوء دستور 2011.

ـ الأستاذة صباح ياسين، عنونت مداخلتها بــ ’’الثابت والمتغير في بنية المالية العامة على ضوء دستور 2011‘‘، الذي اعتبرته يمثل المرحلة الثانية في مسلسل إصلاح المالية العامة وقانونها التنظيمي، غير أنها خلصت إلى أن هذا الإصلاح لم يَرْق إلى ’’ترميم بنية المالية العامة التي ما زالت تعاني من سلبيات المقاربات التقليدية‘‘، حسب رأيها.

ـ الأستاذ مولود اسباعي، تطرق إلى موضوع المعارضة تحت عنوان ’’المعارضة البرلمانية في ظل دستور 2011: بين الإقرار بضمان حقوقها وسؤال تفعيل ممارسة وظائفها‘‘، حيث لامس مسألة دسترة المعارضة البرلمانية وأسبابها وأبعادها المتمثلة أساسا في إشراكها في العمل التشريعي وتخصيص لجنة برلمانية خاصة لها.

ـ الأستاذ إسماعيل الجباري الكرفطي، تحدث في مداخلته عن ’’الممارسة المؤسساتية في مقتضيات دستور 2011 بين التأويل والشخصانية‘‘، منطلقا من فكرة أساسها أن التطور المؤسساتي إنما يأتي بفعل تطور الفكر الدستوري، مستدلا على ذلك بتغيرات رهانات الدولة وأولوياتها ضمن المسار الدستوري الذي عرفه المغرب منذ الوثيقة الدستورية لسنة 1962 إلى دستور 2011.

ـ مداخلة الأستاذ مصطفى حزين جاءت تحت عنوان ’’المجلس الأعلى للأمن بين التقعيد الدستوري وزمن التنفيذ‘‘. ومن خلالها تعرّض للعوامل والظروف التي اعتبرها من وجهة نظره قد تكون سببا لعدم خروج المجلس الأعلى للأمن إلى حدود الساعة لحيز الوجود، وذلك بالرغم من أن دستور 2011 في فصله الرابع والخمسين قد نصّ على إحداث هذه المؤسسة كهيئة يرأسها الملك للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد وتدبير حالات الأزمات والسهر على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة. ومن جملة الأسباب المعروضة من طرف الأستاذ مصطفى حزين والتي اعتبر أنها تقف وراء عدم تفعيل الفصل 54 من الدستور، منها ما يتعلق بمسألة التوجس من حضور الفاعل السياسي إلى جانب الفاعل الأمني في تركيبة هذا المجلس، والتوجس من وصول الملفات الأمنية الحساسة إلى أيدي السياسيين، والتناقض الحاصل بين ما أسماه بــ ’’الوقت الاستراتيجي‘‘ الذي يتجاوز في أبعاده ’’الوقت السياسي‘‘. وقد خلص المتدخل إلى أن ’’منسوب الثقة في المقاربة التشاركية ما زال يحتاج إلى الكثير من الإنضاج‘‘ وأن ’’الفاعل الأمني ما زال متشددا في احتكار الشأن الأمني والمعلومات الأمنية الاستراتيجية‘‘.

ـ المداخلة الأخيرة للجلسة الثانية وردت على لسان الأستاذة نسرين بوخيزو، طرحت من خلالها مسألة تناول دستور 2011 من منطلق فكرة الدستور ’’الهجين‘‘ (Hybride). والتهجين وفق هذا المنظور، ينصرف إلى نظرية الموازنة والتكيف، من خلال البحث عن الموازنة بين النظام التقليدي ومؤشرات الحداثة والتطور والجمع بينهما بهدف  تأسيس فكر دستوري حديث يجمع بين التقليدانية والعقلانية والتطور والحداثة.

 


X