الخبير الاقتصادي المغربي نجيب أقصبي يعرض الحصيلة الاقتصادية للمغرب لسنة 2023: النمو، التضخم، البطالة، المديونية، مجلس المنافسة وسوق المحروقات
قدم الخبير الاقتصادي المغربي، نجيب أقصبي، عرضا، من خلال قناته على اليوتوب، أوجز فيه رؤيته بشأن الحصيلة التي أفرزها الاقتصاد المغربي سنة 2023، وهي السنة التي أطلق عليها عنوان ’’السنة الثانية للركود التضخمي‘‘، معتمدا في تحليله على ثلاثة مؤشرات اقتصادية مدعومة بأرقام رسمية؛ وهذه المؤشرات هي: النمو، التضخم، والبطالة.
وحول مفهوم ’’الركود التضخمي‘‘ أو الركود المصاحب بالتضخم stagflation، أوضح أقصبي، بأن الأمر يتعلق بظاهرة اقتصادية غريبة بالنسبة للنظريات الاقتصادية التقليدية، حيث إن هذه النظريات تعتبر أنه في حالة ارتفاع نسبة النمو فإن البطالة تنخفض مع وجود التضخم. وفي حالة الركود الاقتصادي، فإن الأسعار تنخفض، أي أن منحى التضخم يتجه نحو الانخفاض، مع ارتفاع نسبة البطالة. بينما تسود الآن حالة ’’الركود التضخمي‘‘ كظاهرة اقتصادية تتميز بالركود على مستوى النمو الاقتصادي مع تضخم الأسعار وارتفاع نسبة البطالة، وهو ما لا يستقيم مع قواعد الفكر الاقتصادي التقليدي.
النمو
بالرغم من أن النتائج الاقتصادية النهائية بشأن نسبة النمو المحققة في سنة 2023 لم تصدر بعد، توقّع، الخبير الاقتصادي، أنها تدور حول 2,5% من الناتج الداخلي الخام، مُسْتدلاً بالأرقام الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط التي توقعت نسبة نمو تصل إلى 2,4%، والأرقام الصادرة عن البنك المركزي المغربي الذي توقع نسبة نمو تصل إلى 2,7%.
وفي جميع الحالات، رأى أقصبي، أن هذه النسبة تظل ضعيفة ودون المستوى المطلوب، وبعيدة كل البعد عن توقعات البرنامج الحكومي.
التضخم
وبشأن مسألة التضخم، اعتبر أستاذ الاقتصاد نجيب أقصبي، أن وتيرة ارتفاع التضخم (وليس الأسعار) قد انخفضت بعض الشيء، حيث راوحت نسبة 6%؛ ولاحظ أن هذا الرقم المسجل خلال سنة 2023 يظل بدوره بعيدا عن كل التوقعات الرسمية ولا سيما تلك الصادرة عن البنك المركزي المغربي (2%).
البطالة
وحول البطالة، وصف أقصبي وضعها بــ ’’المقلق‘‘. وأشار إلى أن المندوبية السامية للتخطيط أعلنت أن ما بين الفصل الثلاثي الثالث من سنة 2022 والفصل الثلاثي الثالث من سنة 2023 عرف الاقتصاد المغربي فقدان 297 ألف منصب شغل، وأن نسبة البطالة لامست 13,5% بارتفاع نقطتين في سنة واحدة.
والخلاصة، حسب رأي أقصبي، أنه خلال سنة 2023 ((لم نستطع تحريك النمو، ولم نستطع التغلب على التضخم ولا على حدة البطالة)).
المديونية
وفي سياق حديثه عن الحصيلة الاقتصادية للمغرب سنة 2023، أعرب الخبير الاقتصادي المغربي عن قلقه بشأن مستوى المديونية العمومية للمغرب، وعن ما تعانيه المالية من عجز كبير. وأوضح أن أرقام وزارة الاقتصاد والمالية تشير إلى أن المديونية العمومية في نهاية سنة 2022 بلغت نسبة 86% من الناتج الداخلي الخام. وافترض أن الرقم الحقيقي هو أكثر من المعلن عنه، وأنه يقترب من 100% من الناتج الداخلي الخام؛ بتعبير آخر، فإن المديونية العمومية للمغرب أضحت تساوي ما ينتجه الاقتصاد المغربي خلال سنة.
الحدث الاقتصادي لسنة 2023
أما الحدث الأبرز خلال سنة 2023، والذي له دلالات وأبعاد اقتصادية، فقد حدّده الأستاذ نجيب أقصبي في القرار الذي أصدره مجلس المنافسة في 23 نونبر 2023 القاضي بالحكم على تِسْع شركات لتوزيع المحروقات بغرامة قدرها مليار و800 مليون درهم بسبب الخروقات التي مارستها في تحديدها لأسعار المحروقات، أو ما يعرف بالممارسة المنافية لقواعد المنافسة.
هذا القرار بكل أبعاده، صنّفه الخبير الاقتصادي تحت عنوان: ’’اقتصاد الريع بين تضارب المصالح ومهزلة مجلس المنافسة‘‘.
وفي سنة 2016 كانت الكنفدرالية الديمقراطية للشغل قد قدمت شكوى في موضوع الاختلالات التي شابت عملية تطبيق الأسعار على المحروقات.
وتساءل أقصبي عن أسباب استمرار مشكلة توقف شركة ’’لاسامير‘‘، المُكرِّر الوحيد للنفط في المغرب. ولم يستحسن التصريح الذي أدلى به رئيس مجلس المنافسة، أحمد رحو، في يونيو 2023، عندما شكّك في جدوى شركة ’’لاسامير‘‘، واعتبره تدخلا سلبيا من طرف المسؤول المغربي.
وقال أقصبي، إن الحكومة القائمة تبيّن يوما بعد يوم أنها حكومة أرباب العمل، وبأن سوق توزيع المحروقات في المغرب تهيمن عليه ثلاث أو أربع شركات تستحوذ على 60 إلى 70% من حصة السوق؛ من بينها شركة تعود ملكيتها لرئيس الحكومة والتي تستحوذ بمفردها على ربع حصة السوق.
ورأى الأستاذ أقصبي، أن هذا الوضع لا يزال قائما وأنه يزيد استفحالا، وأن أسعار المحروقات لا تزال مرتفعة، وأن تحديدها، منذ تحرير القطاع، لا يستجيب لعلاقة موضوعية بين مستوى الأسعار على الصعيد الدولي وانعكاسها على الصعيد الداخلي، وبعبارة أخرى، فرغم انخفاض أسعار المحروقات خلال سنة 2023 على مستوى الأسواق الدولية فإن ذلك لم ينعكس كما يجب على المستوى الداخلي، وهو ما يساهم في ارتفاع ’’الأرباح الفاحشة‘‘ لشركات التوزيع.
واعتبر أقصبي أن قرار مجلس المنافسة كان صادما للمتتبعين والمختصين ولم يُفهم على أي أساس تم احتساب الغرامة، ذلك أن الدراسات تشير إلى أن الغرامة كان يجب حصرها بين 22,6 مليار درهم كحد أدنى إلى 45,3 مليار درهم كحد أقصى.
وخلص أستاذ الاقتصاد نجيب أقصبي إلى أن الأمر يتعلق بتضارب المصالح، وأن مجلس المنافسة في هذه القضية قد فقد مصداقيته وأن المغرب يعاني من ’’مآسي اقتصاد الريع‘‘.