يعيش السودان حالة من الفوضى والاحتجاجات الشعبية المنهاضة لقرارات الجيش وعمليّاته، في وقت تتحدث فيه بعض المصادر  عن سقوط 12 قتيلا و100 جريح منذ يوم الاثنين المنصرم.

وكان قائد الجيش، الفريق عبد الفتاح البرهان، قد أعلن يوم الاثنين الماضي حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وإقالة الولاة، وتعليق العمل ببعض الفصول الدستورية، وإقرار حالة الطوارئ، وحلّ جميع الكيانات النقابية والاتحادات المهنية؛ وبرّر ذلك بوجود خطر ’’حرب أهلية‘‘ ومخاوف أمنية على البلاد، وتعهّد بتشكيل حكومة كفاءات مستقلة.

وتزامنا مع استيلاء الجيش على السلطة، شهد السودان، سلسلة اعتقالات مكثفة طالت عددا من السياسيين والمعارضين والنشطاء ووزراء في الحكومة، من بينهم رئيسها عبد الله حمدوك، قبل إطلاق سراحه مساء الثلاثاء وإعادته إلى مقر إقامته؛ حيث أعلن مكتبه أنه لا يزال تحت حراسة مشددة، مشيرا الى أن ’’عددا من الوزراء والقادة السياسيين لا يزالون قيد الاعتقال في أماكن مجهولة‘‘.

وقبل أن تصدر قرارات البرهان، كانت السلطة في السودان، يتقاسمها كل من الجيش وقوى مدنية من خلال مجلسي السيادة والوزراء؛ حيث توصلت المكونات السودانية منذ 21 أغسطس/آب 2019 إلى إقرار فترة انتقالية منظمة بموجب مجموعة من فصول الدستور تستمر 53 شهرا وتنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024؛ ثم التحقت بهذا الاتفاق قوى وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة السودانية اتفاق سلام في 2020.

وعاش السودان منذ استقلاله، بشكل شبه متواصل، تحت نظام العسكر. وفي أبريل/نيسان 2019 تم إسقاط نظام عمر البشير بعد 30 عاما من سيطرته على الحكم، وذلك بعد انتفاضة شعبية استمرت شهورا، تدخّل الجيش بعدها ليضع نهاية لحقبة البشير. ومنذ ذلك الحين تواصلت المطالب الشعبية بإصلاح سياسي حقيقي وإقامة دولة مدنية.

ضغوط دولية لإنهاء الانقلاب

دعت عدة دول ومنظمات دولية إنهاء محاولة الانقلاب الجارية في السودان من طرف الجيش وإطلاق سراح المعتقلين.

وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، في مؤتمر صحفي، إن مبعوث الأمم المتحدة للسودان الألماني فولكر بيرثيس التقى يوم الأربعاء البرهان وكذلك حمدوك. وأضاف، أن المبعوث الأممي بلّغ الفريق الأول البرهان أن الأمم المتحدة تطالب بـ ’’العودة إلى العملية الانتقالية‘‘ بموجب البنود الدستورية و ’’الإفراج الفوري عن جميع الذين اعتقلوا تعسفيا‘‘.

وأعلنت الولايات المتحدة الثلاثاء تعليق جزء من مساعداتها للسودان، وكانت قد تعهدت بتقديمها بعد إزالة اسم السودان في نهاية سنة 2020 من لائحة الدول الراعية للإرهاب التي تُعدّها واشنطن.

وأعلن بيان للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس الخميس، أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أدان في اتصال هاتفي مع نظيرته السودانية مريم المهدي، محاولة الانقلاب في السودان، داعيا إلى ضرورة الانتقال إلى الحكم المدني والإفراج الفوري عن القادة المدنيين الذين اعتقلهم الجيش.

بدوره، جمّد البنك الدولي مساعداته إلى السودان. وأوضح رئيسه ديفيد مالباس في بيان، الأربعاء، أن مجموعة البنك ’’علّقت صرف أموال كافة عملياتها في السودان وتوقفت عن البتّ بأي عملية جديدة‘‘.

وفي بيان آخر، أكدت بعثة الاتحاد الأوروبي في الخرطوم ومجموعة دول الترويكا في السودان التي تضم بريطانيا والنرويج والولايات المتحدة ’’التمسك بالاعتراف برئيس الوزراء وحكومته كقادة دستوريين للحكومة الانتقالية‘‘.

وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل  إنه تحدث مع حمدوك وأكد دعمه لفترة انتقالية بقيادة مدنية.

من جهته، أعلن الاتحاد الإفريقي، في بيان أصدره الأربعاء، تعليق عضوية السودان في المنظمة ’’حتى الاستعادة الفعلية للسلطات الانتقالية بقيادة مدنيين‘‘.

وجرت على مستوى مجلس الأمن، الأربعاء، نقاشات حول مسألة السودان وُصِفت بالصعبة. ومن المنتظر أن يصدر المجلس بيانا يومه الخميس يعرب فيه عن ’’القلق‘‘ من إجراءات الجيش السوداني الأخيرة. وأوردت وكالة الأناضول عن مصادر خاصة، أن نص البيان المطروح حاليا خال من أي إشارة لوقوع “انقلاب عسكري” في السودان، ولم يتضمن إدانة لإجراءات الجيش. وترجع بعض الجهات الإعلامية ذلك إلى معارضة روسيا لإدانة الانقلاب.

استمرار المعارضة والإصرار على التظاهر

يستمر السودانيون في التظاهر والخروج في احتجاجات شعبية ورفض الانقلاب العسكري بالرغم من حملة الاعتقالات التي يتعرضون لها والتنزيل الأمني المكثف في الشوارع الذي يطبقه الجيش.

وشوهد مئات المتظاهرين وهم يرشقون قوات الأمن بالحجارة أثناء محاولتها إزالة العوائق التي أقامها المحتجون من شارع الستين، أحد أبرز الشوارع في شرق الخرطوم، بحسب صحفي في وكالة فرانس برس، فيما أطلق عناصر الأمن الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاط على عشرات المتظاهرين في شمال العاصمة.

وأعلنت السفارة الأمريكية لدى السودان، في “إنذار أمني” عبر صفحتها في فيسبوك، الأربعاء، أنها تلقت تقارير عن احتجاجات متفرقة في الخرطوم ومحيطها، وأضافت أن المحتجين أقاموا حواجز على طرق، فيما نصب الجيش نقاط تفتيش، ما أدى إلى تقييد شديد للحركة في بعض المناطق.

وتابعت،  أنه تم اعتقال متظاهرين، مشيرة إلى أنها لم تتلق تقارير جديدة عن إصابات ولا مواجهات عنيفة، بعد أن تلقت تقريرا بسقوط 12 قتيلا و100 جريح ليلة الإثنين/ الثلاثاء، في مواجهة بين المتظاهرين وقوات عسكرية.

والثلاثاء، أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية على فيسبوك، مقتل أربعة محتجين بالرصاص على يد القوات العسكرية بالإضافة إلى إصابة أكثر من 80 آخرين منذ الإثنين.

وطالت الاعتقالات عددا من المحتجين، كما طالت عناصر من المعارضة السودانية، حيث تمّ توقيف مساعد رئيس حزب الأمة صديق المهدي، نجل رئيس الحكومة الراحل صادق المهدي، وأحد قيادي ائتلاف قوى الحرية والتغيير المطالب بتسلم المدنيين السلطة، وفق ما أفادت أسرته.

وكثّف الناشطون السودانيون تحركاتهم على مستوى منصات التواصل الاجتماعي، ودعوا إلى تنظيم ’’تظاهرة مليونية‘‘ السبت المقبل رفضا للانقلاب.

ومن جهة أخرى، أعلن تنظيم شعبي في السودان يدعى ’’لجان أحياء بحري‘‘، الخميس، من خلال صفحته على موقع فيسبوك، عن جدول يحتوي أنشطة رفضا للانقلاب العسكري.

وجاء في البيان: ’’نعلن عن جدول ثوري ممتد منذ اللحظة وحتى 17 نوفمبر يضم مواكب ليلية، مخاطبات، متاريس مستمرة، بالإضافة إلى العصيان المدني الشامل حتى إسقاط الحكم الانقلابي”.

وتابع: “سنعلن تفاصيل الجدول الثوري تباعا حتى إسقاط ’’العسكر”، موضحا أن ’’السلمية كانت وستظل السلاح الأقوى في كل الأوقات وتحت كل الظروف”، وذلك حسب ما ورد في البيان.

 (الفهرس/وكالات)

X