ما هي أهداف موسكو من بيع الغاز بالروبل؟

   لا تقل الحرب الاقتصادية/المالية بين روسيا من جهة، وبين الغرب بقيادة أمريكا من جهة أخرى، ضراوة عن الحرب الميدانية الجارية في أوكرانيا. ولا يبعد المرء إذا قال، إن الأخيرة، من حيث أسبابها، ما هي إلا مُحصِّلةٌ للأولى .. فمنذ أن بدأت الصين وروسيا تسعيان إلى إيجاد بدائل للنظام المالي الحالي القائم على الدولار، ضاعفت واشنطن وحلفاؤها  وتيرة الضغط على ’’المُتمردَيْن‘‘ بشتى الوسائل  ومن خلال توظيف عدة ملفات حساسة.

ويبدو الآن، أن موسكو، بقرارها فرض تسديد الغاز الطبيعي بالروبل بالنسبة لـ«الدول غير الصديقة»، قد نقلت المواجهة إلى مستوى جديد، يمكن اعتباره أنه في مراحله الأولى.

وقبل إصدار القرار، اتخذت روسيا مجموعة من الإجراءات الاقتصادية الوقائية، من ضمنها تحديد سقف التحويلات إلى الخارج وقيام البنك المركزي الروسي برفع أسعار الفائدة إلى 20% لوقف تدني قيمة الروبل.

وقد أدت الآليات المتبعة من طرف موسكو، مُدعَّمَة بالإعلان عن قرار تسديد الغاز بالروبل، إلى أن تستعيد العملة الروسية قيمتها حيث تراوحت خلال الأيام الأخيرة بين 80 و 84 روبل للدولار الواحد. غير أن مديرة الاتصالات في البيت الأبيض، كيت بيدنغفيلد، اعتبرت في وقت سابق، أن السلطات الروسية “تقود رفع قيمة الروبل بشكل مصطنع”، مما يعني، حسب الإدارة الأمريكية، أن قيمة الروبل الحالية ليست حقيقية.

أما الأوربيون، فقد أبدوا معارضتهم للقرار الروسي، لكن واقع حالهم يقول، إنهم غير مستعدين لمواجهة التبعات الاقتصادية المرتبطة باحتمال لجوء روسيا في هذه الظروف إلى وقف إمدادات الغاز عنهم، حيث أكدت موسكو أنها ستمتنع عن تسليم الغاز للدول التي ترفض الالتزام بالقرار؛ بينما اعتبر الرئيس الروسي فلادمير بوتين، أن ’’الولايات المتحدة تسعى إلى تحويل وجهة أوروبا نحو شراء الغاز الأمريكي المسال باهظ الثمن، وبالتالي تقويض القدرة التنافسية للشركات الأوروبية‘‘، مُحذِّرا أن ’’أوروبا مهددة بخفض التصنيع على نطاق واسع وفقدان الوظائف بسبب الإجراءات الأمريكية‘‘.

والظاهر، أن الصراع الإعلامي من خلال محاولة كل طرف تغليب روايته، قد ساهم بشكل كبير في إخفاء المعطيات الحقيقية  لما يجري في أوكرانيا وحجم تداعيات الحرب وتأثيراتها وأسبابها الموضوعية.

مضمون القرار 

يكمن القرار الروسي في ما  أعلنه الرئيس فلاديمير بوتين في 23 مارس/آذار الماضي من أن روسيا لن تقبل بعد الآن أن يدفع الاتحاد الأوروبي بالدولار أو اليورو لشراء الغاز.

ولتفعيل هذا التوجه على المستوى القانوني، أصدر  بوتين، في 31 آذار/ مارس مرسومًا بشأن إجراء تسديد ثمن الغاز الروسي مع ’’الدول غير الصديقة‘‘ بالروبل.

وينص المرسوم الذي نُشر في موقع الكرملين على أن مصرف ’’غاز بروم بنك‘‘ سيُؤذن له بتنفيذ التعاملات المالية المرتبطة ببيع الغاز الطبيعي، وأنه يتوجّب على العملاء فتح حسابَيْن في هذا المصرف: الأوّل بالروبل الروسي، والثاني بعملات أجنبية، لسداد مدفوعات الغاز.

وأوضح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف في عدة تصريحات أدلى بها، أن القرار سيتم تفعيله بشكل تدريجي وأنه لن يدخل حيز التنفيذ دفعة واحدة في فاتح أبريل/نيسان، لأن العملية من حيث جانبها التقني يتطلب تنزيلها وقتا أطول.

وفي مقابلة مع قناة ’’روسيا1‘‘، قال بيسكوف، إن قرار التسديد بالروبل سيشمل في المستقبل سلعا أخرى وسيأخذ مساحة أكبر في العلاقات التجارية الخارجية لروسيا.

أبعاد القرار الروسي

قال دميتري بيسكوف، إن  “قرار تسعير الغاز الروسي بالروبل لم يُتخذ من أجل تأديب الغرب”، بل “حرصاً من روسيا على عدم خسارة الدولارات واليورو بسبب العقوبات الغربية”.

ويرى العديد من المحللين الاقتصاديين، أن القرار الذي تريد روسيا تطبيقه، من شأنه دعم العملة الروسية من خلال زيادة الطلب عليها من طرف البنوك والشركات الأوروبية، مما سيؤدي إلى إبطال مفعول الإجراءات الاقتصادية الغربية المتخذة بهدف عزل البنك المركزي الروسي.

وهذا ما ذهب إليه فرانسيسكو جيافازي، المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء الإيطالي في منتدى “Bloomberg Capital Market” في ميلانو بالقول إن ’’الدفع بالروبل سيعني تجنب العقوبات‘‘.

أما نيكولا مازوتشي، المتخصص في شؤون الطاقة من مؤسسة البحوث الاستراتيجية الفرنسية، فقد اعتبر أن تنفيذ القرار الروسي ستترتب عليه نتيجتان: الأولى، ستتمثل في ارتفاع قيمة الروبل بسبب زيادة الطلب عليه. أما النتيجة الثانية، فهي قدرة روسيا على تفادي جزء كبير من العقوبات الأمريكية التي يُوَظَّف فيها الدولار، لأن قسماً كبيراً من صلاحية القانون الأمريكي خارج أراضي الولايات المتحدة يقوم على الدولار، ومن ثمة، فإن عدم ’’دولرة‘‘ بعض السلع الروسية يعني إبطال جانب مهم من الآليات الأميركية المستعملة في ممارسة الضغوط الاقتصادية.

وما تزال تفاصيل الإجراءت التقنية التي ستتخذها موسكو لتفعيل قرارها غير واضحة، إذ تظل بعض الأسئلة  تفرض نفسها حول القيمة المرجعية للروبل مقابل الدولار أو اليورو أو إن كانت روسيا ستلجأ إلى ربط عملتها بالذهب لإضفاء طابع الضمان والثقة على الروبل، وذلك وفق ما أوردته بعض المصادر الإعلامية…

وعلى العموم، فمن السابق لأوانه الحديث عن تغيير جذري في التعاملات التجارية الخارجية لروسيا، لكن يمكن القول، بأن القرار الروسي يشكل بداية مسار جديد في مجال التجارة الدولية.

(الفهرس/سعيد منصفي التمسماني)

X