إن الزيادة المقلقة التي تشهدها الأسواق المغربية على مستوى أثمان المواد الغذائية لا يجوز وصفها أو التعاطي معها كوضع ظرفي خاص مرتبطٍ بشهر رمضان وتغَيُر طبيعة نفقات الأسر، بل إن الأمر يتخطى ذلك، ويندرج ضمن ظاهرة غلاء المعيشة في المغرب والتي أضحت تلازمه منذ سنوات وتتسبب في زيادة نسبة الفقر واتساع الفجوة بين المغرب الثري الصغير والمغرب الفقير الكبير الذي يرى كيف تتهاوى قدرته الشرائية يوما بعد يوم دون تدخُّل يُذكر من طرف المسؤولين.

صحيحٌ، من حيث المبدأ، ما ورد في مذكرة المندوبية السامية للتخطيط حول تغيُّر عادات الأسر فيما يتعلق باستهلاك بعض المواد، غير أن ذلك لا يمكن اعتباره كعامل أساسي في ارتفاع الأسعار، لأن الوقوف على تفصيلات حركة السوق ومصادره تُنبئ باختلالات جمة.

فقد ارتفعت أسعار الأسماك والحوامض وبعض أنواع الخضر والفواكه على نحو لا يتماشى مع القدرة الشرائية لأغلب المواطنين، ولا سيما خلال هذه الظروف الصعبة التي يعاني فيها قسم كبير من المغاربة من إجراءات الإغلاق بسبب جائحة كورونا.

ومن المحتمل، حسب مذكرة المندوبية، أن تنحو الأسعار منحى الزيادة مع حلول النصف الثاني من شهر رمضان.

هذا، دون الحديث عن أسعار اللحوم الحمراء التي أصبحت مسألة ارتفاع أسعارها شيئا بنيويا وتحوّل وجودها على موائد عدد كبير من المغاربة إلى ما يشبه نوعا من اللقاءات الفريدة التي تحصل في بعض المناسبات الخاصة.

وجُل المواد المذكورة(الخضر ـ الحوامض ـ الأسماك)، تعتبر من المنتجات الأكثر تصديرا من طرف المغرب إلى الخارج بالنظر إلى قدرته الإنتاجية والأرقام التي تعرضها وزارة الفلاحة والصيد البحري .. وبالتالي فإن ارتفاع أثمانها في الأسواق الداخلية لا يَصِحّ تفسيره حصريا بزيادة الإنفاق الأسري في شهر رمضان، بل ثمة عوامل أخرى ذات طابع بنيوي، تساهم بشكل كبير في ارتفاع الأسعار، ولها علاقة بسوء التدبير على وجه الخصوص.

وسوء التدبير، يراد به، عدم قيام القطاعات الحكومية المعنية بالتدخل من أجل الحفاظ على القدرة الشرائية واعتدال الأسعار بواسطة إبقاء التوازن بين العرض والطلب في الأسواق الداخلية مع إعطائها الأولوية من حيث التزويد؛ كما أن له علاقة بعمليات المضاربة وجشع السماسرة والمضاربين المُراكمين للأموال على حساب الأمن الغذائي للمغاربة، ويضاف إلى ذلك، عدم فرض رقابة حقيقية وفعالة على المصدرين من الفلاحين الكبار وشركات الصيد البحري المغربية  الحائزة على رخص الصيد في أعالي البحار، المنشغلين بمصالحهم وبالعملات الصعبة أكثر من انشغالهم بأمن السوق المغربية الداخلية.

من المؤسف أن نرى، في مغربٍ يتوفر على واجهتين بحريتين ممتدتين على طول 3.500 كلم، منها أزيد من 500 كلم على البحر الأبيض المتوسط وما يقل بقليل عن 3000 كلم على المحيط الأطلسي، من المؤسف أن نرى غياب بعض أنواع الأسماك عن معظم الموائد المغربية بسبب ارتفاع أسعارها لأن هناك من قرّر بأن يُصَدَّر الجزء الأكبر منها إلى بلدان أخرى دون الأخذ بعين الاعتبار متطلبات السوق الداخلية.

ومن المؤسف كذلك، أن نرى في بلد يُفترض فيه أنه فلاحي، وأن أجور العاملين في حقوله ومزارعه تندرج ضمن الأجور المتدنية على المستوى الدولي، ويتمتع فيه النشاط الفلاحي بإعفاء ضريبي، من المؤسف أن نرى أنه بالرغم من كل هذه العوامل المؤدية إلى انخفاض تكلفة المنتوج الفلاحي كيف ترتفع أسعار بعض الخضر الأساسية والفواكه لتتعدى أحيانا أسعار مثيلاتها في الأسواق التي يُصدِّر إليها المغرب.

(الفهرس/سعيد منصفي التمسماني)

X