أين يتجه الصراع؟ وعلى ماذا يؤشر طرد إسرائيل من القمة الإفريقية الــ36 ؟
عدة أحداث وتدخلات تشير إلى أن الصراع على إفريقيا قد أصبح قويا أكثر من أي وقت مضى. فأزمة الطاقة وأزمة الموارد الطبيعية بشكل عام، لا سيما بعد الحرب الروسية الأوكرانية، جعلت عيون القوى الكبرى تتجه باهتمام أزيد نحو القارة السمراء وإلى ما تتيحه من ثروات وبدائل.
في الوقت الحالي، تعتبر الصين أكبر شريك تجاري لإفريقيا. وهذا الإنجاز يُعَد ثمرة عمل متواصل من طرف العملاق الأسيوي الذي استغل تراجع الدور الغربي في القارة الإفريقية بعد الأزمة المالية لسنة 2008. وتزداد قوة الصين في إفريقيا بعد أن وقّعت معظم الدول الإفريقية ومفوضية الاتحاد الإفريقي على اتفاقية تعاون «الحزام والطريق» وبعد أن تضاعفت الاستثمارات الصينية فيها في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
في المقابل، تنظر الولايات المتحدة الأمريكية بقلق كبير تجاه الإستراتيجية الصينية في إفريقيا، كما أنها غير مطمئنة للدور الروسي المتنامي في القارة السمراء، لا سيما فيما يتعلق بنفوذها العسكري هناك وتغلغلها المتزايد في بلدان الساحل الإفريقي واعتبارها من أكبر الموردين للأسلحة لدول القارة. وفي هذا السياق المطبوع بتنافس القوى الكبرى، استضافت واشنطن القمة الأمريكية الإفريقية في 13 دجنبر/كانون الأول 2022 بهدف ’’تضييق فجوة الثقة مع إفريقيا، التي اتسعت على مدى سنوات بسبب حالة الإحباط من التزام الولايات المتحدة تجاه القارة‘‘ حسب قراءة وكالة أسوشييد برس لأهداف القمة.
أما فرنسا، فيُنظر إليها من طرف الأفارقة بأنها المستعمر القديم، ويتهمونها بعرقلة التنمية الإفريقية. وتزداد المشاعر المعادية لكل ما هو فرنسي في المنطقة، مما أدى إلى انخفاض كبير لوجودها العسكري هناك لفائدة التدخل الروسي. ويبدو أن الهيمنة التجارية الفرنسية تتناقص شيئا فشيئا، فقد كانت حصة إفريقيا من صادرات فرنسا سنة 1970 تبلغ 8.7%، وتراجعت إلى 5.6% سنة 2016، وهي مُستمرّة في التراجع إلى أدنى المستويات.
غير أن نقطة الأساس في العلاقات الفرنسية الإفريقية ترتبط حاليا بمحورين: الأول، له علاقة بوجود العديد من الشركات الفرنسية العاملة في قطاعات حيوية كالاتصلات والخدمات، وقطاع الطاقة على وجه الخصوص، حيث تنشط شركات كبيرة، كشركة ’’توتال‘‘ التي تعتمد على إفريقيا في إنتاج نسبة كبيرة تصل إلى 30% على وجه التقريب من إنتاجها للغاز والنفط. هذا، فضلا عن أن إفريقيا تُعدُّ من أكبر المُزوّدين لفرنسا من النفط. أما المحور الثاني، فله علاقة بارتباط عملات بعض الدول الإفريقية بالعملة الفرنسية. فما يعرف بــ ’’الفرنك الإفريقي‘‘ Franc CFA، اسْتُخدم كعملة في منطقتين نقديتين في إفريقيا منذ سنة 1945، ثم عملت فرنسا لاحقا على تثبيت قيمة الفرنك الإفريقي أمام اليورو. وبسبب الارتباط النقدي الساري إلى الآن، تستطيع فرنسا التحكم في اقتصاد عدد من الدول الإفريقية وسيادتها المالية، حيث تتمكن بموجب هذا الوضع الفريد أن توجه مدخرات هذه البلدان، من خلال إلزامها بإيداع 50% من احتياطي النقد الأجنبي الخاص بها في وزارة المالية الفرنسية. ولإنهاء هذه التبعية المالية، تحاول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ’’إيكواس‘‘ المكونة من 15 دولة، الاعتماد على عملتها الخاصة ’’الإيكو‘‘ بحلول عام 2027.
ولتقوية وجودها في إفريقيا، وحماية مصالحها هناك، تلجأ القوى الكبرى إلى توظيف أدوات إقليمية واقتصادية وكيانات مؤثرة لإحداث مزيد من الاختراق عبْرها. وتُعتبر إسرائيل من أبرز هذه الأدوات.
ففي مؤتمر إفريقيا-إسرائيل الذي نظم في مايو 2022 من طرف سفارة إسرائيل في باريس بالتعاون مع اللجنة اليهودية الأمريكية، صرّح رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، يائير لابيد، بأن إسرائيل عادت إلى القارة الإفريقية بعد غياب طويل وأنها طبّعت علاقاتها مع ثلاث دول من القارة ذات أغلبية مسلمة كما أنها قامت بتعزيز علاقاتها مع عدة بلدان أخرى.
وتريد إسرائيل التغلغل سياسيا واقتصاديا وعسكريا في إفريقيا لمصلحتها الخاصة ووفق الأجندة الأمريكية، ومن ناحية أخرى، تسعى إلى إضعاف التأييد الذي تحظى به القضية الفلسطينية في الدوائر الإفريقية ومن خلالها في مؤسسات الأمم المتحدة.
وكانت إسرائيل قد حصلت على صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي سنة 2021، وأبدت دول معارضتها، من بينها جنوب إفريقيا والجزائر، كما طالب الفلسطينيون بسحب صفة مراقب من إسرائيل. وسنة 2022 علق الاتحاد الإفريقي بالإجماع قرار منح صفة مراقب لإسرائيل، وأعلن تشكيل لجنة خاصة لبحث الأمر.
وخلال أعمال القمة الإفريقية السادسة والثلاثين التي انعقدت بتاريخ 12 فبراير/شباط 2023 في أديس أبابا، أراد وفد إسرائيلي برئاسة شارون بارلي نائبة مدير دائرة إفريقيا في الخارجية الإسرائيلية، المشاركة في الجلسة الافتتاحية للقمة، لكن اعتراض دول إفريقية منع الوفد من ذلك.
وأوضح رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي أن سبب طرد المسؤولة الإسرائيلية مردُّه أن إسرائيل لم تُستدع إلى القمة، وأنه تم تعليق “قرار منح إسرائيل صفة مراقب حتى يتم بحث هذا الإجراء عبر لجنة خاصة”.
وقد تبيّن لاحقا أن وفدي الجزائر وجنوب إفريقيا اعترضا على مشاركة الوفد الإسرائيلي، مما استدعى تدخل أجهزة الأمن كي تطلب من الوفد مغادرة القاعة.
ودعا البيان الختامي للقمة الإفريقية إلى ’’دعم توجه دولة فلسطين للحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة والدعوة لدعمها دوليا‘‘.
وفي حديث خصه وزير الخارجية الجيبوتي لقناة الجزيرة، قال فيه، إن طرد إسرائيل من القمة الإفريقية يتماشى مع الموقف الرافض لمنحها صفة مراقب، مضيفا، أن هناك موقفا على المستوى الإفريقي يدعو إلى عدم التطبيع مع إسرائيل وأنهم متمسكون بقرار إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
وأضاف المسؤول الجيبوتي، أنهم يتعاملون بحصافة مع التنافس الدولي والاستقطابات وفق المصالح الوطنية، موضحا في هذا الصدد، أن ’’الصين دولة عظمى وأول شريك تجاري للدول الإفريقية وإعطاؤها موطئ قدم قد يدهش البعض‘‘، حسب تعبيره.
وواضحٌ أن الموقف الإفريقي بشأن القضية الفلسطينية هو موقف متقدم ويلقى إشادة كبيرة، غير أن الموقف من إعطاء إسرائيل صفة مراقب لا يحظى بالإجماع على المستوى الإفريقي، فقد استطاعت إسرائيل بمؤسساتها ونفوذها أن تتغلغل في عدة دول إفريقية وأن تحدث اختراقا خطيرا لفائدتها بخلق محور إفريقي يدافع عن مصالحها وعن تطبيع العلاقات معها .. ويبقى من المهم معرفة ما إذا كان الاتحاد الإفريقي سيثبت على موقفه تجاه إسرائيل، أم أنه سيتنازل بفعل الضغوطات الدولية.
(سعيد منصفي التمسماني/وكالات)