لا يستقيم أن يظل القطاع غير المهيكل غير مدمج ضمن الاقتصاد الوطني.

أولا، لأنه يحرم الفئة المنتمية إلى هذا القطاع الاستفادة من عدة خدمات عمومية، وولوج القروض، والعيش في إطار حياة اقتصادية واجتماعية واضحة ومستقرة ودون قلق أو تردد من ربط علاقة ثقة بالمرفق العمومي المغربي.

ثانيا، لأنه يحرم الدولة من إيرادات مهمة، ويجعل مؤسساتها غير قادرة على تكوين صورة مقربة عن الحالة الاقتصادية/الاجتماعية للدولة، سواء عندما يُراد الحصول على معطيات واقعية بشأن الناتج الداخلي الخام، أو عند السعي إلى رصد الفئات الاجتماعية المستحقة للحصول على الإعانات الاجتماعية.   

ثمة عدة عوامل تساعد في اللجوء إلى القطاع غير المهيكل من طرف العديد من الفئات الاجتماعية. وهذه العوامل، يمكن تفاديها، أو تقليصها على الأقل، بإزالة الأسباب المؤدية إلى تفشي ظاهرة القطاع المذكور. وإزالةُ هذه الأسباب، يقتضي مبدئيا اعتماد الخطوات التالية:

من المهم ربط علاقة ثقة بين المكلف وإدارة الضرائب

أولا، يجب العمل بقوة من طرف الإدارة المغربية من أجل بناء “علاقة ثقة‘‘ بين المواطن وبين إدارة الضرائب. فهناك تخوف سائدٌ بين صفوف العاملين لحسابهم في القطاع غير المهيكل من هذه الإدارة، نظرا لنقص المعلومات لديهم، أو لتخوفهم من ترتب ضرائب عليهم قد لا تتناسب مع مداخيلهم.

وبالتالي، أصبح ضروريا، أن تستثمر الدولة في نشر “الثقافة المالية الضريبية‘‘ التي من شأنها أن تنسج علاقة ثقة بين المرتفق وإدارة الضرائب.

وذلك، إنما يتم عبر تكثيف التواصل بين هذا الجهاز من جهة، وبين المكلفين من جهة أخرى أو من هم مرشحون إلى أن يصيروا مكلفين، وفتح أقسام تتولاها أطر إدارية مؤهلة، للاستشارات وتقديم المعلومات، وفتح خطوط هاتفية مجانية للاستفسارات، ومنصات رقمية مخصصة للإرشادات، وتكثيف النشاط التواصلي من طرف أطر الإدارة بواسطة عقد الندوات التحسيسية المستمرة سواء من خلال لقاءات مباشرة أو عبر الفضاء الافتراضي.

هذا، بالإضافة إلى وضع دلائل مبسطة، وتمكين المرتفقين من الحصول على الاستمارات، حتى وإن كان الأمر يتعلق بمجرد رغبتهم في الاطلاع عليها، ووَضْع مساطر إجرائية مبسطة سواء عند التصريح بممارسة النشاط أو عند التصريح بانتهائه، لأن كثرة التعقيدات المسطرية، لا سيما ساعة التصريح بانتهاء النشاط، تشجع العاملين في القطاع غير المهيكل على الانغلاق في عالمهم، بل والسعي ـ وهذا هو الأخطر ـ إلى إبداع طرق بديلة للتعاملات المهنية والتجارية دون اللجوء إلى المرافق العمومية و المؤسسات المالية، وبهذا، يتم خلق سلطة اقتصادية تعمل في الخفاء موازية للسلطة الاقتصادية الرسمية.

ضرورة تنظيم عمليات البيع بالجملة وأسواقها

ثانيا، تنظيم عمليات البيع بالجملة. وذلك على نحو يسمح فقط للذين يتوفرون على الرسم المهني أو بطاقة المقاول الذاتي أو أي تصريح رسمي آخر يدل على ممارسة النشاط بشكل قانوني من إمكانية شراء السلع بأثمنة الجملة، سواء تعلق الأمر بالسلع التي سيعاد بيعها أو بتلك التي ستُسْتغَلُّ في التصنيع أو إعادته.

إذ لا يستقيم أن تتساوى تكاليف السلع الموجهة للاستغلال التجاري بين من يؤدي التزاماته الضريبية وبين من لا يؤديها.

كما أن هذا الإجراء من شأنه أن يساهم في رفع أداء أسواق البيع بالتقسيط، حيث إن كثيرا من الزبائن يقفزون على هذه الأسواق وينجزون مشترياتهم مباشرة من أسواق الجملة.

ولكي ينجح هذا الإجراء، يجب إلزام أصحاب الجملة بالطلب من زبنائهم الإدلاء بالتصريحات المذكورة، وفتح ملف لكل زبون على حدة، مثلما هو حاصل في الكثير من الدول الأوروبية، حيث يمنع هناك تداخل بيع الجملة بالبيع بالتقسيط، لمصلحة الجميع ولتنظيم السوق.

وفي هذا السياق كذلك، يجب التسطير على ضرورة تجميع أسواق الجملة في أماكن معروفة وخاصة بها، سواء داخل المدار الحضري أو خارجه، وربطها بالمواصلات وتزويد تلك الأماكن بالمرافق الضرورية لاشتغالها.

تنظيم أسواق الباعة المتجولين

  ثالثا، تنظيم الأسواق المخصصة للباعة المتجولين و تحديثها. ذلك، لأن هذه الفئة تشغل حيزا مهما في القطاع غير المهيكل، و يعاني أصحابها من الفوضى المصاحِبة لنشاطهم.

فَوَجَب، إذن، تنظيم هذا النشاط وفق أسلوب حديث و متطور، يجمع بين الأسواق الأسبوعية والأسواق اليومية، وبين الأصالة و المعاصرة، ويشجع الشباب على هذا النشاط، الذي يُذِرّ أرباحا مهمة على أصحابه في الدول التي أحسنت تنظيمه.

فهذا النوع من الأسواق مؤهل لأن يحقق مبيعات يومية مهمة، لأن مَنطِقه يقوم على أساس أن البائع المتجول هو من يبحث عن الزبون و لا ينتظر إلى أن يأتي إليه هذا الأخير.

ولتحقيق ذلك، يجب العمل على إضفاء طابع العصرنة والنظام على هذه الأسواق، التي يجوز وصفها بالمتحركة، من خلال تزويدها بالشبابيك البنكية المتنقلة عندما تكون بعيدة عنها، ووسائل النظافة و الإجراءات الوقائية الصحية، وإلزام الباعة بعرض بضائعهم في متاجر متنقلة نموذجية وموحدة تحددها السلطة المحلية، و السماح لهم باستعمال أجهزة الدفع الإلكتروني لتسهيل عمليات البيع بالنسبة للزبناء الذين يفضلون التسديد ببطائق الائتمان، وتنظيمهم في جمعيات عصرية ومبدعة، وتمكينهم من الولوج إلى أسواق القروض التي يحتاجونها إذا ما أرادوا اقتناء مركبات لاستعمالها كمتاجر متنقلة، أو تطوير تجاراتهم … إلخ. وبالجملة، يجب إصلاح الأسواق بكل ما من شأنه أن يحفز فئات من المجتمع للاشتغال فيها في ظروف محترمة وللحصول على دخل كريم، ويساهم في تشجيع السياحة المحلية وتحسين صورة المدينة أو القرية وترويجها.

 رابعا، إيجاد حلّ بديل و فعال، للعاملين في مجال التهريب و في الأنشطة المتفرعة عنه، لأن هذا المجال يضم عددا لا يستهان بهم ممن يُحسبون ضمن القطاع غير المهيكل. و الحديث عنه يستلزم إفراد موضوع خاص به، نظرا لتعقيداته و تشعباته.

خامسا،  تنزيل مشروع التغطية الصحية ومعاش التقاعد لفائدة التجار والمهنيين، المندرج ضمن الورش الحكومي لتمتيع المستقلّين وأصحاب المهن الحرة بالحماية الاجتماعية. على أن يتم ذلك من خلال حوار مع المعنيين بالأمر، و الأخذ في الاعتبار الطاقات المادية لكل فئة ساعة تحديد المساهمات الشهرية في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مع سن مدة انتقالية تترواح بين ستة أشهر إلى سنة، يكون فيها مبلغ المساهمات منخفضا بصفة مؤقتة لجميع الفئات المعنية لتشجيع العاملين في القطاع غير المهيكل للالتحاق بالعملية و الاستفادة منها.

(الفهرس/سعيد منصفي التمسماني)

X