تشهد منطقة شمال إفريقيا، وبالخصوص منطقة المغرب العربي، تغييرات كبيرة، من شأنها التأثير على العلاقات السياسية والاقتصادية التقليدية التي كانت تربط دول المنطقة بالاتحاد الأوروبي.
ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية قد عملت كثيرا في إحداث هذه التغييرات وأنها تسير في اتجاه تقليص النفوذ الأوروبي، مقابل تعزيز الحضور الأمريكي الاستراتيجي المدعوم ببعض القوى الإقليمية والعربية.
ولا تعتبر المستجدات الحاصلة في المنطقة وليدة اللحظة، بل هي نتاج سياسات تم التخطيط لها منذ عقود، ثم ترتبت عليها العوامل المساعدة المتمثلة في الحرب الليبية الداخلية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى انشغال الدول الأوروبية بتداعيات جائحة كورونا.
والظاهر أن المغرب يسعى إلى التأقلم مع الوضع الجديد الذي تعرفه المنطقة، بل إنه يعمل في بعض الجوانب لتوظيفه من أجل إيجاد حلول لبعض قضاياه الداخلية. من جملة ذلك، مثلا، تطوير علاقاته الثنائية مع المملكة المتحدة، والتي يعتبر المراقبون أنها ستحظى بزخم كبير بعد البريكست، وأن الطرف المغربي سيتسفيد منها على مستوى الاستثمارات وتوسيع حجم تبادلاته التجارية.
ويبدو أن المغرب قد انتبه إلى المستجدات الطارئة التي أخذت تفرض نفسها، وربما أراد أن يستبق نتائجها، حيث وقّع سنة 2018 الاتفاق الاستراتيجي مع المملكة المتحدة، ثم اتفاق الشراكة في أكتوبر/تشرين الأول 2019. تلاهما في 21 يناير/كانون الثاني 2020 لقاءٌ في لندن، على هامش القمة البريطانية الإفريقية، نظمته وزارة الخارجية المغربية والاتحاد العام لمقاولات المغرب، وشاركت فيه 116 مقاولة مغربية و 225 مقاولة بريطانية. واستكمالا لهذا المسار، أعلِن في الخامس والعشرين من دجنبر/كانون الأول 2020 في الرباط التطبيق المؤقت لاتفاق الشراكة بين البلدين اعتبارا من يناير/كانون الثاني 2021.
والمرجّح أن تستفيد المملكة المغربية من البريكست، حيث سيسمح لها الوضع الجديد بتجاوز القيود والحصص التي كان يفرضها الاتحاد الأوروبي، وبالتالي زيادة حجم صادراتها إلى بريطانيا.
وتشير البيانات المقدمة من طرف المكتب الوطني للإحصاء في بريطانيا إلى أن قيمة الصادرات المغربية إلى بريطانيا خلال سنة 2018 بلغت حوالي 850 مليون دولار، استحوذت فيها المنتجات الزراعية على نسبة 80 في المئة، ثم الملابس والأجهزة الإلكترونية المتوسطة بنسبة 16 في المئة، وجاءت في المرتبة الثالثة بعض القطع المنتمية لصناعة السيارات والطيران. وحسب الاتحاد العام لمقاولات المغرب، فإن حجم المبادلات التجارية السنوية بين المغرب والمملكة المتحدة بلغت أكثر من 18,3 مليار درهم، أي ما يقارب 4 في المئة من إجمالي المبادلات مع الاتحاد الأوروبي سنة 2018.
ولا شك في أن اتفاق الشراكة المُوقّع بين المغرب وبريطانيا، سوف يعزز وضع المغرب على مستوى التصدير، لأنه يسمح للمنتجات والسلع المغربية بولوج السوق البريطانية التي تعتبر إحدى أهم الأسواق العالمية. كما أنه سيوسع الاستثمارات البريطانية في عدة مجالات كالفلاحة والصناعة والطاقات المتجددة والتكنولوجيا وقطاع الخدمات المالية، بالإضافة إلى أنه سيشكل فرصة لتعزيز المعاملات التجارية بين المغرب وجبل طارق من جهة، ومن جهة أخرى تعزيز الحضور البريطاني في إفريقيا عبر بوابة المغرب باعتبارها مدخلا استراتيجيا نحو القارة السمراء.
وسيكون القطاع السياحي في المغرب هو الآخر من أكبر المستفيدين من اتفاق الشراكة المذكور، حيث تحتل بريطانيا الرتبة الثانية من حيث عدد ليالي المبيت بمدن المغرب بمعدل وصل إلى 750 ألف سائح سنة 2019، وهو رقم مرشح أن يرتفع، إذ يقدر مهنيو القطاع أن يتجاوز عدد السياح البريطانيين مليون سائح بعد انتهاء أزمة تفشي وباء كورونا. هذا بالإضافة إلى أن ثمة حديثا عن استثمارات بريطانية في مجال البنيات التحتية السياحية، ولا سيما في المناطق الشمالية للمغرب.
وتضاف إلى المكاسب الاقتصادية المفترض الحصول عليها من اتفاق الشراكة بين المغرب وبريطانيا، مكاسب سياسية، أهمها، تأكيد الاتفاق على ولوج المنتجات المغربية، السوق البريطانية، أيا كان مصدرها، بما في ذلك الأقاليم الجنوبية للمغرب؛ وهو ما يتضمن في طياته اعترافا رسميا بريطانيا بقانونية المبادلات التجارية للبضائع والمواد الواردة من الصحراء، وهذا الاعتراف يُفَسَّر على أنه اعتراف ضمني بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، بل ثمة تقارير أوردتها عدة وسائل إعلام دولية تحدثت عن اتجاه المملكة المتحدة نحو فتح قنصلية عامة لها في إحدى المدن الصحراوية بهدف إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة وتسهيل عملياتها الاستثمارية هناك وفتح أسواق جديدة ومد صلاتها التجارية إلى أبعد من أوروبا. ولا يستبعد المراقبون أن يكون الموقف البريطاني في هذا الصدد، قد صدر منسجما مع الاعتراف الأمريكي الأخير بمغربية الصحراء، وأنه يأتي كذلك في سياق إجراءات التطبيع المغربية الإسرائيلية.
في المقابل، ثمة توجس إسباني، وربما فرنسي، من التقارب البريطاني المغربي .. فقد ذهبت بعض الصحف الإسبانية إلى الحديث عن وجود بعض التوتر في العلاقات المغربية الإسبانية أدى إلى تأجيل عقد قمة بين البلدين الجارين، ومردّه، حسب بعض المصادر الإعلامية، إلحاح الجانب المغربي على أن تحسم إسبانيا نهائيا موقفها من نزاع الصحراء بالاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وهو ما يبدو إلى حد الآن غير مطروح في الأجندة الإسبانية التي تتقيد بالسياسة الخارجية لدول الاتحاد.
(الفهرس)