ما دلالات تنفيذ روسيا لتجربة صاروخية مضادة للأقمار الصناعية في الفضاء؟

يأخذ الصراع على الفضاء وجها آخر، في الوقت الذي ينضاف فيه لاعب جديد وقوي إلى الحلبة هو: الصين، بعد أن كان الصراع في السابق منحصرا بين الولايات المتحدة وروسيا.
لم يعد الفضاء مجالا للأبحاث والاستكشافات العلمية فقط، ولم يعد المشروع الفضائي المشترك المتمثل في ’’المحطة الفضائية الدولية‘‘ يقنع أصحابه بعد انطلاقه منذ سنة 1998، فروسيا عازمة على مغادرته سنة 2023، والصين في صدد إنشاء محطة فضائية لها، والاستيطان في الفضاء دخل مرحلة أخرى، يغلب عليها هذه المرة طابع السيطرة والعسكرة.
وتأتي التجربة الروسية يوم الاثنين 15 نونبر/تشرين الثاني 2021 لتؤكد هذا الاتجاه. وهي التجربة التي أرادت بها موسكو اختبار قدرات صواريخها المضادة للأقمار الصناعية في الفضاء، وانتقدتها واشنطن في بيان شديد اللهجة وحذّرت من أنها (التجربة) خلفت حطاما مداريا بإمكانه تهديد مصالح جميع الدول.
تجربة روسية ناجحة وغضب أمريكي لافت
قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في بيان، إن روسيا أجرت بشكل غير مسؤول اختبارا تدميريا لصاروخ مضادٍّ للأقمار الصناعية، استهدفت به أحد أقمارها الصناعية
وأضاف أن هذه التجربة الصاروخية ’’خلّفت أكثر من 1500 قطعة من الحطام المداري الممكن تتبّعه، ومئات آلاف القطع من الحطام المداري الأصغر حجما، والتي تهدّد الآن مصالح جميع الدول‘‘.
وأوضح بلينكين في البيان، أن بلاده ’’ستعمل جنبًا إلى جنب مع الحلفاء والشركاء لإيجاد رد على هذا العمل غير المسؤول‘‘.
كما حذّر المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، من الحطام المداري، واعتبر أنه بالإمكان أن يشكل خطرا على محطة الفضاء الدولية. وأشار، إلى أن واشنطن تراقب نوع الوسائل التي تحاول روسيا تطويرها.
وفي نفس الاتجاه ذهب مدير وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، بيل نيلسون، حيث أوضح أن الحطام الناتج عن التجربة الروسية أدى إلى اتخاذ طاقم محطة الفضاء الدولية لإجراءات سلامة تتعلق بحالات الطوارئ.
وأفادت بعض التقارير الإعلامية، أن رُوّاد الفضاء السبعة الموجودين على متن محطة الفضاء الدولية، لجؤوا إلى سفنهم الملتحمة بالمحطّة استعدادا لإخلاء محتمل.
عسكرة الفضاء
يسود قلق متزايد بشأن محاولات الدول الكبرى الثلاث (الولايات المتحدة وروسيا والصين) بعسكرة الفضاء وتحويله إلى مجال للصراع وتنفيذ نوع من العمليات العسكرية.
وقد جاء في بيان الخارجية الأمريكية، أن الولايات المتحدة ’’ستدعو جميع الدول المسؤولة في مجال الفضاء للاتحاد في هذه الجهود لتطوير قواعد السلوك المسؤول…‘‘.
غير أن ’’قواعد السلوك المسؤول‘‘ تظل عبارة غامضة لا يُفهم القصد منها على وجه التحديد، لا سيما مع استحضار إعلان الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في مارس/آذار 2018، عن خطط إنشاء قوات عسكرية فضائية تتماشى مع استراتيجية الدفاع الوطنية الجديدة التي لا تستبعد إمكانية إجراء عمليات قتالية في المجال الفضائي.
وكان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، أعلن في وقت سابق، أن دول الحلف تعتزم الاعتراف بالفضاء كمجال عملياتي جديد، لكنها لن تنشر أسلحة فيه.
دلالات التجربة الروسية
تتزامن التجربة الروسية الأخيرة باختبار أسلحة مضادة للأقمار الصناعية في الفضاء، مع توتر متصاعد مع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية في عدة قضايا ذات بعد استراتيجي، وكذا مع ما قاله نيك كارتر رئيس القوات المسلحة البريطانية يوم الأحد 14 نونبر/تشرين الثاني 2021، بأن: ’’الجيش يجب أن يكون جاهزًا للحرب مع روسيا بعد التوترات الأخيرة في أوروبا الشرقية…‘‘، وذلك في إشارة إلى الأحداث الجارية على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا حليفة روسيا بشأن اللاجئين، وقيام موسكو بحشد قواتها على طول الحدود مع أوكرانيا.
كما أنها تأتي بعد يوم واحد من تصريح الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، بشأن اعتزام الاتحاد الموافقة على توسيع العقوبات ضد بيلاروسيا خلال اجتماع وزراء خارجيته الذي يعقد الاثنين 15 نونبر/تشرين الثاني 2021، حسب ما أوردته وكالة رويترز.
وفي يوم الاثنين نفسه، حذّر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، روسيا قائلا إن الحلف يقف إلى جانب أوكرانيا في مواجهة حشد كبير وغير عاد من القوات الروسية على حدودها.
هنا يجب التذكير بأن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كان قد أقر في يونيو/حزيران 2021 ، وثيقة استراتيجية تصنف تطوير أسلحة مضادة للصواريخ ونشرها وأسلحة هجومية في الفضاء، كأحد التهديدات العسكرية الرئيسية للبلاد.
ثم عاد بعد ذلك للإعراب عن قلقه بشأن الموضوع ذاته خلال خطابه في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما أعلن أن بلاده تؤيد إبرام اتفاقية ملزمة قانونيا لجميع القوى الفضائية، بشأن حظر عسكرة الفضاء.
وتحتمل التجربة الروسية الأخيرة عدة قراءات، فقد تكون استعراضا للقوة ورسالة لمن يهمهم الأمر لعدم الإقدام على مغامرة مجهولة العواقب، أو دعوة لواشنطن وبكين لإحداث إطار قانوني دولي حول المجال الفضائي، وقد تكون مجرد ورقة ضغط جديدة للضغط على الغرب بصفة عامة، كسابقاتها من أوراق الضغط المستعملة، كورقة الغاز وورقة اللاجئين وغيرها.
والمؤكد أن صراع القوى العظمى حول الفضاء يأتي لينضاف إلى الصراع النووي القائم، الذي يهدد الأمن والسلم العالميين.
فحسب إحصائيات معهد أبحاث السلام الدولي في ستوكهولم SIPRI الخاصة بسنة 2020، فإن الولايات المتحدة تملك 5800 رأسا نوويا، 1750 منها تم نشرها في عدة نقاط من العالم. بينما تملك روسيا 6375 رأسا نوويا، توجد منها 1550 ضمن نظام التشغيل و4580 رأسا مخزنة.
وما بين الصراع النووي وبداية عصر حروب الفضاء، ثمة سؤال كبير حول مصير الإنسانية المجهول…
(الفهرس/ وكالات/ سعيد منصفي التمسماني)