الفهرس

شنت ’’مجلة الجيش‘‘ الجزائرية، هجوما مندفعا على المغرب، في عددها 696 الخاص بشهر يوليو/تموز من سنة 2021.

ومجلة الجيش، هي مجلة شهرية، تأسست في مارس 1964، تختص بأنشطة الجيش الجزائري، وتصدر عن وزارة الدفاع الجزائرية، وبالذات عن مديرية الإيصال والإعلام والتوجيه؛ وبالتالي، فإن ما توزّعه، وما تحتويه من منشورات وآراء، تمثل في مجملها الاتجاه الرسمي للدولة.

وفي عددها الأخير، خصصت المجلة مواضيع تميزت بهجومها على المغرب. وأفردت مقالا أعدته هيئة تحرير المجلة، تحت عنوان ’’حملات عقيمة ونتائجها مفضوحة‘‘، اتهمت من خلاله وسائل إعلام ومن سمّتهم بـ ’’أبواق الفتنة، بشن حملة تحريضية على الجيش الجزائري واتهامه بإرسال قوات خارج الحدود.

كما اتهمت المجلة، من وصفتها بوسيلة إعلام (لم تسَمّها) تصدر من فرنسا تهتم بالشأن الإفريقي، وقالت عنها بأنها تتلقى تمويلا من ’’المخزن المغربي‘‘، وبأنها نشرت خبرا زائفا حول زيارة سرية قادت رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق السعيد شنقريحة، إلى باريس لمناقشة قضية الساحل الإفريقي. وأبدت المجلة استغرابها لنشر مثل هذا الخبر، وتساءلت: ’’من الذي يمنع الدولة الجزائرية أن تعلن بصفة رسمية جهارا نهارا، عن زيارة للفريق السعيد شنقريحة إلى فرنسا، إن تمت فعلا هذه الزيارة؟‘‘.

واعتبرت مجلة الجيش، أن من يقفون وراء هذه الإشاعات و’’ينشرون الهرطقات ويختلقون الأكاذيب‘‘، هم معروفون بتاريخهم وحقدهم على الجزائر. وقالت، إن رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في حواره الأخير مع قناة الجزيرة، قسمهم إلى ثلاثة لوبيات. الأول يقوده معمرون غادروا الجزائر، ورّثوا لأبنائهم الحقد والكراهية تجاه الجزائر. والثاني، هو ’’امتداد لمنظمة الجيش السري الإرهابية‘‘. واللوبي الثالث، ’’يتشكل من جزائريين تاهت بهم السبل وفقدوا بوصلة الصواب وآثروا الخيانة والغدر، وللأسف إنهم من بني جلدتنا‘‘، حسب ما ورد في نص المقال.

لكن المجلة لم تكتف بمن ذكرهم رئيس الجمهورية، ورأت أن تضيف طرفا رابعا إلى من سبق ذكرهم، فقالت: ’’إضافة إلى هذه اللوبيات الثلاث التي ذكرها السيد رئيس الجمهورية، تأتي دولة مجاورة لم تخف حقدها وكرهها لبلادنا، ليس من اليوم فقط، بل على امتداد قرون خلت‘‘.

وتساءلت: ’’من خان البطل النوميدي يوغرطة سنة 104 قبل الميلاد وسلمه إلى روما لتقتله؟ ألم يكن بوكوس ملك موريطانيا القيصرية، المغرب حاليا. من انقلب على الأمير عبد القادر في ديسمبر من سنة 1847 وتحالف مع العدو الفرنسي لحصاره؟ ألم يكن السلطان مولاي عبد الرحمن المغربي. من خان الزعماء الخمسة ووشى بهم إلى فرنسا في أكتوبر 1956، عندما كانت طائرتهم متوجهة من المغرب إلى تونس؟ ألم يكن ولي العهد المغربي؟ من هاجم بلادنا في أكتوبر 1963 وجراحها لا تزال تنزف، لاحتلال وضم مدينتي تندوف وبشار إلى مملكته؟ ألم يكن صاحب الجلالة وأمير المؤمنين الملك الحسن الثاني .. من ومن ومن؟‘‘.

في المقابل، أشادت المجلة بعقيدة الجيش الجزائري ومواقفه بعدم التدخل في شؤون الغير، واعتبرت أنه كان بمقدوره ’’التدخل في المغرب على مرتين أو على الأقل لمساندة الذين كادوا أن يعصفوا بالتاج المغربي  […] في انقلاب الصخيرات عام 1971 وبعده بسنة واحدة انقلاب الجنرال أفقير‘‘، لكن الجيش الجزائري، حسب وصف المجلة، هو ’’سليل جيش التحرير لم يتربّ على الخيانة والغدر…‘‘.

وفي مقال آخر، نشرته المجلة تحت عنوان عريض: ’’في ظل معركة كسر العظام بين الرباط ومدريد .. إسبانيا شريك فعال للجزائر لحل المأساة الصحراوية‘‘، اعتبرت فيه أن الدبلوماسية الإسبانية ’’لقنت نظام المخزن درسا في احترام المواثيق الدولية‘‘.

وجاء في المقال المذكور، الذي أعدته ’’حنك نبيلة‘‘، أن موقف الخارجية الإسبانية كان مشرفا عند استقبالها لإبراهيم غالي للاستشفاء، وأن موقف مدريد بخصوص الصحراء، يتوافق تماما مع المقاربة الجزائرية.

وأشار مقال المجلة، إلى أن إسبانيا كانت أول دولة رفضت قرار الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بشأن ’’الاعتراف بسيادة الرباط على الصحراء الغربية‘‘.

واستحسنت المجلة، في أسلوب قريب من الإشادة، الإجراءات التي اتخذتها إسبانيا خلال أزمتها مع المغرب والقرار الذي صدر عن البرلمان الأوروبي. واعتبرت أن المغرب افتعل أزمة هجرة غير مسبوقة يومي 17 و 18 ماي الماضي، حيث سمح بهجرة نحو 8 آلاف مهاجر مغربي من بينهم 1500 قاصر تجاوزوا الأسوار الحدودية الموجودة في البحر بين المغرب ومدينة سبتة، وفق ما ورد في المقال.

***

وبصرف النظر عن ما أوردته المجلة من مغالطات تاريخية فادحة بخصوص مواقف المغرب الأقصى تجاه إخوانه الجزائريين في المغرب الأوسط وبخصوص قضية الصحراء المغربية دون أي مراعاة لعوامل التاريخ والاجتماع والسياسة والوضع القائم، وبصرف النظر عن ما وصفت به المجلة موقف الدبلوماسية الإسبانية، حيث إن رأي المجلة في هذا الموضوع يدخل ضمن ’’الكلام المنسوخ حكما‘‘ في ظل التغييرات التي أحدثها الرئيس الإسباني بيدرو سانشيث على حكومته والرسائل الضمنية الإيجابية التي بعثها وزير الخارجية الإسبانية الجديد ’’خوسي مانويل ألباريث‘‘ خلال كلمته التي ألقاها عند تسلمه الحقيبة الوزارية واصفا المغرب بـ ’’الجار والصديق الكبير في الجنوب‘‘، وبصرف النظر عن الأسلوب الذي تطرقت به المجلة إلى مدينتي سبتة ومليلية اللتين تشكلان قضية تصفية استعمار للمغاربة كان من المفترض أن يصطف بشأنها الأخ مع أخيه… بصرف النظر عن كل هذا وأمور أخرى بُنيت على نوع من الاستخفاف بعقل القارئ… فإن اللافت ها هنا، هو الخط التحريري لمجلة تصدرها مؤسسة رسمية هي وزارة الدفاع الجزائرية، والتي يفترض فيها الحياد، والنأي عن السجالات اليومية والسياسية وتركها لأهلها في مجال الصحافة والسياسة، والتركيز مقابل ذلك على أمن البلاد بالتحلي بالهدوء والكتمان وبعد النظر، وتسليم ملف قضايا العلاقات الخارجية للسلطة التنفيذية ورئيسها وعدم التطاول على اختصاصاته.

إن مؤسسة بحجم الجيش الجزائري، يجب عليها أن تترفع عن أسلوب المشادات الكلامية والسقطات الإعلامية، وأن تنظر لمنطقة بلاد المغرب الكبير نظرة شمولية استراتيجية، تتوخى المصلحة العامة لشعوبها، وتسعى إلى تحريرها من تبعية الأجنبي والأسباب المؤدية إلى ذلك، وتراعي عواملها التاريخية والاجتماعية والأخطار التي أحدقت بها على مدى تاريخها وما تزال، وفق نظرة استشرافية واعية بتحديات المستقبل والمصير المشترك.

X