هل الأهداف المخططة تتعدى الحيّز الإقليمي الفنزويلي إلى كافة القارة الأمريكية؟

منذ شهر سبتمبر 2025، وبدعوى محاربة تهريب المخدرات، تحاصر الولايات المتحدة الأمريكية فنزويلا بحرا وتقصف قواربها تحت ذريعة نقْلها للمخدرات، ويتزامن ذلك مع نشر واشنطن مجموعة حاملة الطائرات “جيرالد آر فورد” وقوات عسكرية كبيرة في منطقة الكاريبي يعتبرها بعض المحللين أنها أكبر عملية حشدٍ للقوات الأمريكية في أمريكا الجنوبية منذ غزو بنما سنة 1989.
وقد زعمت بعض وسائل الإعلام الأمريكية أن ترامب أبلغ الرئيس الفنزويلي نيكولا مادورو بضرورة مغادرة فنزويلا مع عائلته وفق مهلة محددة لم يستجب لها الرئيس الفنزويلي، فانتهت الاتصالات بنشر ترامب إعلانا على منصته “تروث سوشيال” في أواخر شهر نونبر 2025 ينبه من خلاله شركات الطيران بأن المجال الجوي فوق فنزويلا قد بات مغلقا.
يأتي ذلك كله في سياق انطلاق ما يُعرف بــ “عملية الرمح الجنوبي” التي ترمي إلى “إخراج إرهابيي المخدرات من النصف الغربي للكرة الأرضية”، حسب تعبير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وذلك في إشارة للقارتين الأمريكيتين.
والظاهر أن مشهد اتهام العراق في عهد صدام حسين بامتلاك أسلحة الدمار الشامل لتبرير غزوه، يتكرر حاليا مع ترويج ادّعاءٍ يزعم أن القيادة الفنزويلية تدير شبكة دولية للمخدرات تهدد الأمن الأمريكـــي!!
وسواء شنّت الولايات المتحدة حربا مفتوحة ضد فنزويلا (يُرجّح البعض أنها لن تكون في صالح واشنطن على المدى البعيد) أو اكتفت بضربات محدودة وإجراءات استنزافية لإضعاف الحكومة المركزية في كاراكاس ثم إجبارها على التنازل عن السلطة، فإن الأهداف المخططة تتعدى الحيّز الإقليمي الفنزويلي إلى كافة القارة الأمريكية.
تمتلك فنزويلا أكبر احتياطات نفطية مؤكدة على مستوى العالم، ولها موقع جغرافي استراتيجي يجعل منها منصة أساسية لأي مشروع يروم التحكم في المنطقة.
سنة 2023، قال دونالد ترامب: “عندما غادرت، كانت فنزويلا على وشك الانهيار، كنا سنستولي عليها، وسنحصل على كل هذا النفط…”.
تريد واشنطن إزاحة مادورو وتنصيب شخص موال لها على شاكلة زعيم المعارضة غونزاليس أوروتيا أو الحائزة على جائزة نوبل للسلام ماريا ماتشادو… لكن عين واشنطن لا تقف عند حدود كاراكاس، بل تنظر إلى عواصم أمريكية أخرى حيث السلطة هناك بأيدي أشخاص مزعجين للبيت الأبيض، وإزعاجهم نابعٌ من كونهم يسعون إلى نهج سياسة وطنية تتسم بالاستقلالية والخروج عن مقتضيات المشروع الأمريكي المرسوم لأمريكا الجنوبية.
من الرئيس البرازيلي إغناسيو لولا دا سيلفا إلى الرئيس الكولمبي غوستافو بيترو مرورا برئيسة المكسيك كلوديا شينباوم ورئيس نيكارغوا دانييل أورتيغا؛ كل هؤلاء هم أشخاص غير مرغوب فيهم حسب أعراف السياسية الخارجية الأمريكية وأدبياتها ومصالحها، ومن ثم، تسعى الإدارة الأمريكية بشتى الوسائل إلى تغييرهم وإحلال أشخاص تتوفر فيهم شروط الموالاة والخضوع والمسايرة، كالرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي وباقي الرؤساء الآخرين في الشيلي والبيرو وغواتيمالا والسلفادور…
هذه الأهداف لو تحقّقت، سينفتح على إثرها الطريق نحو القضاء على ما تبقى من التيار الاشتراكي في أمريكا الجنوبية بصفة عامة وفي كوبا على وجه الخصوص لتصبح المنطقة كلها تدار من واشنطن وفق توجهاتها ومصالحها الاقتصادية.
إن الضغوط العسكرية، وإثارة المشاكل والأزمات الداخلية، واستعمال الدولار والعقوبات والآليات المالية، هي الأدوات الرئيسية التي تستعملها واشنطن لتحقيق أهدافها. وهنا، يجب التذكير، أن الدين العام في أمريكا الجنوبية ودول بحر الكاريبي قد وصل إلى 5,8 تريليون دولار أي ما يقارب 117% من الناتج المحلي الخام لكل المنطقة وما يقارب 140% من الناتج المحلي الخام للدول الخمس الكبرى في أمريكا الجنوبية.
تُعتبر فنزويلا الميدان التطبيقي الأول والملائم لإحياء إعلان “مبدأ مونرو” الصادر سنة 1823 وفق تحديثٍ موسّع تضمنه تقرير “استراتيجية الأمن القومي الأمريكي” الذي نشرته الإدارة الأمريكية في الخامس من شهر دجنبر 2025.
تضمّن التقرير، الذي لا يتعدى ثلاثين صفحة، ملحقا سمي بــ “ملحق ترامب”، ينصبّ على “مبدأ مونرو” بالإضافة والتوسيع، يُسمح بموجبه للولايات المتحدة الأمريكية أن تمنع أي تدخل روسي أو صيني في هذه المنطقة من العالم التي يذكرها التقرير باسم “النصف الغربي للكرة الأرضية” بعد أن كان المنع في النسخة الأولى من إعلان مونرو لسنة 1823 يقتصر على الدول الاستعمارية الأوروبية. ومعنى ذلك، أن النصف الغربي للكرة الأرضية Western Hemisphere بات منطقة نفوذ سياسي واقتصادي وعسكري لواشنطن لا يسمح لغيرها باختراقـــه.
فنزويلا كانت قد فتحت مجالاتها الاقتصادية والدفاعية للصين وروسيا وإيران، وتسير البرازيل في الاتجاه نفسه وربما بخطوات أوسع باعتبارها عضوا أساسيا من أعضاء منظمة البريكس، وعلى النهج ذاته تسير كل من كولمبيا والمكسيك، واحتمالٌ واردٌ أن تنضم دول أخرى إلى المَسير… والوضع الجاري لا يرضي الولايات المتحدة ولا يتفق مع مصالحها الاستراتيجية، وفي هذا السياق يأتي تدخلها القوي، وهو تدخّلٌ يضر مصالح القوى الكبرى وحلفائها في المنطقة… وبالتالي، هل ستقبل الصين وروسيا ومعهما الاتحاد الأوروبي بـ “ملحق ترامب” أم أن الأمر لا يتعدى كونه تقسيما لمناطق النفوذ وإعادة توزيع الأدوار….؟
(الفهرس/سعيد منصفي التمسماني)