استغلت الجزائر، عن طريق وزير خارجيتها الجديد، المناقشة الوزارية العامة لحركة عدم الانحياز، التي عقدت بشكل افتراضي يومي 16 و 14 يوليو/تموز، للتطرق إلى موضوع لم يكن مطروحا على جدول أعمال الاجتماع، ألا وهو موضوع الصحراء.

وتماشيا مع التقليد الذي دأبت عليه الجزائر منذ ما يزيد عن أربعة عقود من افتعال القضية الصحراوية، تحدث وزير الخارجية الجزائري، رمطان العمامرة، عن دعم بلاده لحق تقرير المصير لسكان الصحراء، وما إلى ذلك من الادعاءات التي ما فتئ جهاز النظام الجزائري بآلته الإعلامية يرددها أينما حل وارتحل، ويجعلها ضمن أولوياته التي تحجب باقي القضايا المهمة.

وكرد على هذا التدخل، الذي اعتبره المغرب استفزازيا وخارج سياق الاجتماع، حرص السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة،عمر هلال، على أن تتناول مذكرة الرد كافة الادعاءات الجزائرية بشأن قضية الصحراء المغربية. ووُجّهت هذه المذكرة إلى الرئاسة الأذربيجانية للحركة ووُزّعت على جميع الأعضاء.

ولعل أبرز نقطة أزعجت النظام الجزائري فيما ورد في المذكرة، هو ما خلص إليه الممثل الدائم للمملكة لدى الأمم المتحدة بالقول بأن الوزير الجزائري الذي “يقف كمدافع قوي عن حق تقرير المصير، ينكر هذا الحق نفسه لشعب القبائل، أحد أقدم الشعوب في إفريقيا، والذي يعاني من أطول احتلال أجنبي”. مضيفا أن “تقرير المصير ليس مبدأ مزاجيا. ولهذا السبب يستحق شعب القبائل الشجاع، أكثر من أي شعب آخر، التمتع الكامل بحق تقرير المصير”.

والدولة الجزائرية، لها حساسية فيما يخص هذا الموضوع؛ ولهذا فهي منزعجة من كلام السفير المغربي، ولا تريد أن تسمع قولا يغاير رأيها حول  ما يعرف بـ “الحركة من أجل استقلال القبائل”، حيث تعتبرها ’’منظمة إرهابية‘‘.

وحركة القبائل هي حركة أمازيغية، تطالب بالحق في تقرير المصير بغية استقلال منطقتها، الواقعة في الشمال الشرقي، عن الجمهورية الجزائرية. وأعلنت  الحركة سنة 2010 في باريس، عن تشكيل حكومة قبائلية مؤقتة وذلك لإنهاء ما تسميه بالاحتلال الجزائري.

وطالبت الجزائر، الجمعة، السلطات المغربية بتوضيحات بشأن ما وصفتها بـ”تصريحات عدوانية” لسفير المغرب.

وأصدرت الخارجية الجزائرية بيانا قالت فيه إن الممثلية الدبلوماسية المغربية قامت بنيويورك (بالأمم المتحدة) ’’بتوزيع وثيقة رسمية على جميع الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز، يكرس محتواها بصفة رسمية انخراط المملكة المغربية في حملة معادية للجزائر‘‘.

وأضاف البيان أن الوثيقة عبرت عن “دعم ظاهر وصريح لما تزعم بأنه حق تقرير المصير للشعب القبائلي” الذي، حسب المذكرة المذكورة، “يتعرض لأطول احتلال أجنبي”.

وأدان البيان بشدة لما وصفب بـــ ’’الانحراف الخطير، بما في ذلك على المملكة المغربية نفسها داخل حدودها المعترف بها دوليا”، حسب ما ورد في البيان..

وتابع: “في ظل هذه الوضعية الناشئة عن عمل دبلوماسي مريب صادر عن سفير، يحق للجزائر، الجمهورية ذات السيادة وغير القابلة للتجزئة، أن تنتظر توضيحا للموقف الرسمي والنهائي للمملكة المغربية بشأن هذا الحادث بالغ الخطورة”.

ولم يسبق للمغرب أن طرح مسألة القبائل أو استعملها كورقة ضغط ضد الجزائر، بالرغم من أن الأخيرة انخرطت بشكل مباشر في دعم جبهة البوليزاريو وتسليحها وتوظيفها كأداة لاستنزاف المغرب طيلة أكثر من أربعين سنة.

لذلك، ثمة سؤال حول دلالات ما أشار إليه الدبلوماسي المغربي بشأن قضية القبائل، هل سيتبناها المغرب كرد على السياسة الجزائرية المعادية للوحدة الترابية للمغرب؟ أم إن التصريح لا يعدو كونه تنبيه للجار الجزائري للتعاطي مع ملفاته وأولوياته الداخلية بدل التدخل في ملفات خارجية كتلك المتعلقة بقضية الوحدة الترابية للمغرب؟ وهل ستدرك الجزائر بُعْد هذا التصريح وتربطه بالمقولة العامية المتداولة: ’’الذي بيته من زجاج لا يرمي بيوت الناس بالحجارة‘‘؟

إن ما تدعيه الجزائر من دفاع عن حق الشعوب في تقرير المصير، ما هو إلا ذريعة لاستخدامها بهدف إدامة مشكل الصحراء، ومن ثمة محاصرة المغرب بهذا الملف؛ و لا يُعرف السبب الحقيقي وراء ذلك. واللافت أن الجزائر لا تستحضر هذا المبدأ عندما يمس مصالح دول قوية أو حليفة كروسيا، والصين، وتركيا، أو حتى إسبانيا فيما يتعلق المسألة الكطلانية … على سبيل المثال لا الحصر.

غير أن الجزائر، بسياستها هذه، تساهم بشكل كبير، من حيث تعلم أو لا تعلم، بإضعاف ذاتها من تلقاء نفسها من خلال  إضعاف  المغرب الكبير برمته، من موريطانيا والمغرب إلى ليبيا، وعرقلة تعاونه وعمله الجماعي، وتدفع أطرافه إلى تقديم تنازلات مجانية للقوى الكبرى ولبعض الدول الأجنبية الطامعة في خيرات هذه البلاد والتي ليس من مصلحتها أن يلتئم شمل الأسرة المغاربية في يوم من الأيام، بل إن مصلحتها تقتضي  إبقاء الصراع على ما هو عليه بين مكونات الأسرة وتجزئة المُجزأ بأيادي أصحابه!!

لسنا من دعاة تقسيم الدول إلى كيانات مصطنعة بغية تفتيتها والاستيلاء على ثرواتها لأننا ضد التقسيمات الاستعمارية التي نالت من منطقتنا. وإذا كنا ندافع عن وحدة الجزائر واستقلال قرارها، فإننا نطالب المسؤولين فيها باحترام سيادة المغرب والكف عن افتعال الأزمات لأن ذلك من شأنه إلحاق الضرر البالغ ببلاد المغرب العربي قاطبة.

(الفهرس/سعيد منصفي التمسماني)

 

X