يتوفر المغرب على شبكة مهمة ومتنوعة من المنشآت المائية، تتمثل أساسا في 149 سدا كبيرا بسعة إجمالية تفوق 19 مليار متر مكعب، وتسع محطات تحلية لمياه البحار تنتج 147 مليون متر مكعب في السنة، فضلا عن آلاف من الآبار تستخرج منها المياه الجوفية.

هذه المعطيات، التي أدلى بها وزير التجهيز والماء، نزار بركة، الاثنين 1 نونبر/تشرين الثاني 2021، خلال مداخلته بمجلس النواب، وإن كانت تبرز مدى أهمية السياسة المائية المتبناة في المغرب، وتعطي انطباعا للوهلة الأولى بقدرتها على تلبية الحاجيات الضرورية المائية، فإنها لا تحجب المشاكل الآنية والمخاطر المستقبلية المتعلقة بالماء.

تحدث الوزير المغربي عن بعض تلك المشاكل، لافتا إلى تراجع مخزون المياه  في السدود، حيث لم تتجاوز نسبة الملء فيها 35% من طاقتها إلى غاية فاتح نونبر/تشرين الثاني الجاري، كما تحدث عن العجز المقلق الذي سجلته بعض الأحواض المائية، كملوية، وتانسيفت، وسوس ماسة.

ومن الإشكاليات التي أثارها الوزير، تلك المتعلقة بالعالم القروي، فإذا كانت نسبة التزود بالماء الصالح للشرب وصلت إلى 97.8% هناك، فإن نسبة الأسر المرتبطة بشبكة الماء لا تتجاوز 65%، بالإضافة إلى أن الربط بشبكة الصرف الصحي السائل لا يتعدى 10% في العالم القروي.

وأوضح المسؤول الحكومي عن قطاع التجهيز والماء،  أن حصة الفرد من المياه تصل إلى 606 متر مكعب في المتوسط، لكنها تتباين بشكل شاسع حسب الأحواض المائية، حيث تبلغ 1200 متر مكعب في حوض اللوكوس (في الشمال الغربي)، ولا تتعدى 141 مترا مكعبا في حوض أبي رقراق، مشددا على أن ’’حصة الفرد من المياه، في ظل التغيرات المناخية، ستتراجع ما بين 10 و20 في المائة في أفق 2030، ثم بين 40 و50 في المائة في أفق 2050 ‘‘.

في هذا السياق، تجب الإشارة إلى ’’الورقة التحذيرية‘‘ التي أصدرها ’’المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي‘‘ إلى القائمين على الشأن العام في المغرب بتاريخ 26 شتنبر/أيلول 2019، وقد ورد في مستهلها تذكيرٌ ببعض المعطيات مفادها أنه ’’عندما تقل المياه التي يتوفر عليها بلد ما عن 1000 متر مكعب للفرد سنويا، فإنه يعتبر في وضعية خصاص من حيث الموارد المائية‘‘. أما في المغرب، تضيف الورقة، ’’فإن الوضع قد أصبح مقلقا على اعتبار أن موارده المائية تقدر حاليا بأقل من 650 مترا مكعبا للفرد سنويا، مقابل 2500 متر مكعب سنة 1960. ومن المتوقع أن تقل هذه الكمية عن 500 متر مكعب بحلول سنة 2030‘‘. حسب ما ورد  في الورقة.

 وذكّر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالاحتجاجات التي شهدتها بعض المدن المغربية في السنوات الأخيرة، ’’بسبب تواتر ظاهرة العطش وصعوبة الولوج إلى الماء الشروب‘‘. وحذّر من أن ’’ظاهرة الموارد المائية بالمغرب ستزداد حدة إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء أو إذا تأخر تنفيذ الإصلاحات المعلن عنها‘‘. 

ولم تكد تمر إلا بضعة أسابيع على توجيه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لورقته التحذيرية للحكومة حول مآلات وضع الماء في المغرب، ليترأس الملك محمد السادس خلال شهر يناير/كانون الثاني 2020، جلسة عمل بالقصر الملكي بمراكش انصبَّ موضوعها على ’’البرنامج الأولوي الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027‘‘.

وقد أوضح رئيس الحكومة السابق، سعد الدين العثماني، خلال الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة التي انعقدت بتاريخ 27 يناير/كانون الثاني 2020 بمجلس النواب، بأن تنزيل البرنامج سيكلف 115 مليار درهم، 61 مليار درهم لتنمية العرض المائي، و25.1 مليار درهم لتدبير الطلب وتثمين الماء، إلى جانب 26.9 مليار درهم لتقوية التزود بالماء الصالح للشرب بالوسط القروي، و2.3 مليار درهم لإعادة استعمال المياه العادمة، ثم 50 مليون درهم للتواصل والتحسيس.

الوزير نزار بركة من جهته، أكد أن الحكومة الحالية ستواصل السياسة التي تم وضعها بشأن التصدي لإشكالية ’’ندرة المياه‘‘، أي، الانطلاق من البرنامج الوطني للتزويد بالماء الصالح للشرب ومياه السقي للفترة 2020-2027.

وتتمثل أولى التحديات التي يواجهها المغرب فيما يخص ملف الماء في انخفاض الموارد المائية المتجددة نتيجة التغيرات المناخية وتراجع نسبة التساقطات المطرية في بعض السنوات وعدم تناسبها مكانيا وزمنيا. ففترات الجفاف التي تضرب المغرب من حين لآخر، حسب العديد من الدراسات، أضحت تشكل سمة بنيوية وليس حالة عرضية.

ومن ثمة، من المتوقع أن تحدث التغيرات المناخية خللا بين حاجيات المغرب المائية بسبب النمو الديمغرافي الذي يشهده وبين ما هو متاح .. أي، إن المغرب مرشح كي يعاني أزمة مائية نتيجة ارتفاع نسبة الطلب وانخفاض منسوب الموارد المائية.

ويملك المغرب قدرات ومخططات طموحة رغم كلفتها المادية المرتفعة من شأنها التصدي للمشاكل المائية المطروحة إذا ما تم تنزيلها وفق البرامج الموضوعة لها وفي إطار  الحكامة وحسن التدبير.

(الفهرس/سعيد منصفي التمسماني)

مواضيع ذات صلة:

ـ دراسة حول الوضع المائي للمغرب

X