هل سيعرقل مسار التفاهمات؟ أم أنه تم التوصل إلى صيغة توافقية بشأن ذلك؟

من المسائل المهمة التي تم الاتفاق حولها مؤخرا بين المغرب وإسبانيا هي مسألة ترسيم الحدود البحرية، وذلك من خلال اللجنة الثنائية المعنية بترسيم الحدود.

هذه اللجنة، التي انقطع عملها منذ أربع عشرة سنة، من المفترض أن تعقد اجتماعها في مايو/أيار الجاري، في ظل أجواء تتميز بنوع من الانسجام بين الطرفين.

لكن تظل بين المغرب وإسبانيا نقاط شائكة يجب الاجتهاد من أجل تسويتها.

فبالرغم من أن الاتفاق المغربي الإسباني يعتمد على مبدأ احترام كل طرف للوحدة الترابية للطرف الآخر، فإن الإشكالية تكمن في المفهوم الذي تضفيه كل دولة على ما تعتبره وحدتها الترابية.

صحيحٌ أن الرسالة التي بعثها الرئيس الإسباني بيدرو سانشيس إلى الملك المغربي محمد السادس فيها تأييد لمبادرة الحكم الذاتي التي يتبنّاها المغرب بشأن ملف الصحراء، إلا أن ذلك لا يعني أن القضايا الخلافية بين المغرب وإسبانيا باتت هيّنة.

ولعل  الملف الشائك والأكثر تعقيدا بين الطرفين، هو ذاك المتعلق بترسيم الحدود البحرية بينهما، وذلك لكونه يحتوي على إحدى النقاط الأكثر حساسية.

والمقصود هنا بالنقاط الأكثر حساسية، هي تلك المرتبطة بمطالب المغرب بشأن استرجاع سبتة ومليلية والجزر الجعفرية في البحر الأبيض المتوسط، يضاف إليها الخلاف المغربي الإسباني بشأن ترسيم الحدود البحرية المتواجدة بين جنوب المملكة المغربية وجزر الكناري في المحيط الأطلسي.

يؤكد البعض على أن المسألة التي تستحوذ على اهتمام البلدين فيما يتعلق بترسيم الحدود تتعلق أساسا بالحدود الأطلسية، نظرا لطابعها الاقتصادي المهم، لا سيما بعد اكتشاف جبل تروبيك البركاني، الذي يتوفر على حجم كبير من المعادن النفيسة المهمة بالنسبة لصناعة السيارات الكهربائية، وبطاريات الهواتف الذكية  والصناعات الصديقة للبيئة عموما.

في هذا الصدد، أوردت بعض الصحف المغربية المحلية أن وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، أكد على أن “مجموعة العمل المعنية بالحدود البحرية بين إسبانيا والمغرب ستعمل على تحديد هذا الفضاء مرة واحدة وإلى الأبد وسيكون فضاء مشتركا”.

ويجب التذكير، أن  البرلمان المغربي بغرفتيه كان قد صادق بالإجماع على القانونين الصادرين في 6 مارس/آذار 2020، أحدهما يتعلق بتعيين حدود المياه الإقليمية للمغرب، والثاني يتعلق بالمنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري للمملكة على مسافة 200 ميل بحري عرض الشواطئ المغربية.

حينها، اعترضت إسبانيا على خطوة المغرب، واعتبرت أن مسألة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين لا يجب أن تتم وفق عمل أحادي الجانب.

والحقيقة، أن جبل تروبيك، شكل إحدى العقبات الرئيسية أمام عملية ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين وعرقل التوصل إلى حلّ توافقي بين الطرفين؛ لذلك بادر المغرب من جانبه إلى ترسيم حدوده البحرية  وفق ما تقتضيه قواعد القانون الدولي المتعلق بالبحار وتحديد المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية البحرية.

هذه المسألة تحوم حولها العديد من الأسئلة؛ حيث يتساءل البعض حول مصير القانونين المغربيين بشأن ترسيم حدود المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية والجرف القاري للمملكة في ظل عودة اللجنة الثنائية المذكورة إلى مباشرة عملها، وهل ثمة تفاهمات أخرى تنصرف إلى بناء شراكات اقتصادية مفيدة للطرفين تجعلهما يتجاوزان خلافاتهما؟

على أية حال، يظل كل من الرأي العام الإسباني والمغربي غير مطلعين بشكل كامل على تفاصيل الاتفاق الذي توصلت إليه السلطتان المغربية والإسبانية، وحول طبيعة التفاهمات وماهية التنازلات المفترضة من كل طرف، ولا يمكن معرفة الأبعاد الحقيقية لهذا الاتفاق إلا برصد الخطوات القادمة المحددة في خارطة الطريق وتتبعها.

والخلاصة، أن التفاهمات الإسبانية المغربية لبناء مرحلة جديدة من العلاقات، لا بدّ وأنها تناولت جميع القضايا العالقة بين البلدين؛ بدءا بملف الصحراء، إلى ملف سبتة ومليلية والجزر المغربية التي تسيطر عليها إسبانيا، مرورا بملفي الهجرة والتهريب، وصولا إلى ملف تعيين الحدود البحرية.

 

X