الفهرس/سعيد منصفي التمسماني

كلما نشب نزاع بين المغرب وإسبانيا، كيفما كانت طبيعته، إلا وتدفقت معه سيول من المداد تفرزها أقلام تسترسل في الحديث عن ’’الخطر المحدق‘‘ بإسبانيا، وتتحجّج ببعض الوقائع التي ترويها من منظورها، وتحذّر من القدرات العسكرية التي أضحى المغرب يمتلكها والتي توصف بأنها تهدد الأمن الاستراتيجي لإسبانيا.

وفي خضم ما تشهده العلاقات المغربية الإسبانية من توتر بسبب عدة ملفات، في مقدمتها ملف الأقاليم الصحراوية الجنوبية، لا يكاد يمرّ يوم دون أن تثير فيه الصحافة الإسبانية مواضيع ذات حساسية عالية، بوعي منها أو بغير وعي، تزيد في تأجيج التوتر وتوسيع مسافة عدم الثقة.

يدور حديث خلال هذه الأيام في الصحافة الإسبانية يركز بشكل كبير على قدرات المغرب العسكرية، وتتداول عديد من الصحف التقرير الصادر عن المعهد الإسباني لـ ’’الأمن والثقافة‘‘ تحت عنوان: ’’المغرب ومضيق جبل طارق والتهديد العسكري لإسبانيا‘‘ والذي شارك في إنجازه الخبير في شؤون الأمن الدولي ’’غِيِّرْمو كولوم‘‘.

ولا تبتعد محتويات التقرير المذكور ولا المقالات الصحفية التي تتطرق إلى تحليلات  ’’غِيِّرْمو كولوم‘‘، في مضمونها واتجاهها، عن التحذيرات التي صرّح بها حزب ’’فوكس‘‘ من اليمين المتطرف، مُقدّما بشأنها مقترحا بمجلس النواب الإسباني في 27 أكتوبر الماضي، يطالب من خلاله الحكومة الإسبانية بوضع استراتيجية قادرة على الحفاظ على تفوق القوات المسلحة الإسبانية في الجهة الجنوبية لشبه الجزيرة.

ومن الصحف الإسبانية البارزة التي أثارت خلال اليومين الماضيين مسألة ’’تسلح المغرب‘‘، صحيفة ’’الباييس‘‘ المحسوبة نظريا على اليسار الإسباني، والقريبة إلى الحزب الاشتراكي على وجه التحديد.

في سياق حديثها عن التوتر بين المغرب وإسبانيا وإعلان هذه الأخيرة عن قرار عدم مشاركتها في مناورات الأسد الإفريقي التي سيُجرى جزء منها هذه السنة في المغرب، تطرقت الصحيفة المذكورة إلى اتفاقية التعاون العسكري المبرمة بين الرباط وواشنطن في أكتوبر الماضي، وقالت إنها مكنت المغرب الحصول على حزمة من الأسلحة الأمريكة قُدّرت بحوالي 20 مليار دولار أمريكي.

وأشارت ’’الباييس‘‘ إلى أهم الأسلحة التي تزودت بها القوات المسلحة الملكية من الولايات المتحدة الأمريكية، ومنها: 200 دبابة من نوع أبرامز، و20 طائرة مقاتلة من طراز F-16 من الجيل الأخير، و 24 طائرة هليكوبتر هجومية من نوع ’’أباشي‘‘ (مع إمكانية الحصول على 12 طائرة أخرى من هذا النوع)، وأربع طائرات مُسَيَّرة من نوع MQ-9 Sea Guardian؛ هذا، فضلا عن تحديث 23 طائرة مقاتلة يمتلكها المغرب.

وتساءلت الصحيفة حول مدى  قدرة المغرب على تمويل صفقات الأسلحة. وعلقت على الأمر قائلة، إنه على الرغم من أن ميزانية الدفاع للمغرب قد نمت بنسبة 29% منذ عام 2019، مُشكلة 4,3% من الناتج الداخلي الإجمالي، إلا أن أكبر جزء منها يُصْرف لتغطية نفقات الموارد البشرية، لاسيما بعد إعادة العمل بالخدمة العسكرية. وبالنظر إلى ذلك، تخلص الصحيفة إلى أن ثمة غموضا حول كيفية تمويل المغرب لصفقات السلاح التي يبرمها، وتستحضر ما طرحه الخبير ’’غِيِّرْمو كولوم‘‘ الذي رأى أن المشكل الأساسي يكمن في الغموض الذي يلف مسألة التسلح في المغرب، وأنه لا توجد بيانات موثقة وأن الحسابات لا تعطي صورة متطابقة.

وحول موضوع انخراط المغرب في سباق التسلح، ترى الصحيفة، أنه من الناحية النظرية فإن الأمر يرتبط بمحاولة المغرب ترجيح هيمنته الإقليمية أمام الجزائر التي تخصص نسبة 6,7% للدفاع. لكنها تعود لتستحضر تحليلات المصادر العسكرية الإسبانية التي ترى بأن ذلك أثّر في نفس الوقت على التوازنات القائمة بين المغرب وإسبانيا. وحسب هذا التحليل، يوجد تساو بين البلدين في بعض المجالات العسكرية، في حين يُلاحظ فيه أن المغرب قد أخذ يتفوق في بعض المجالات التكنولوجية؛ حيث تشير تلك المصادر، على سبيل المثال، أن المغرب اشترى أحدث نسخة من صاروخ ’’هاربون‘‘ A GM-84 لاستخدامه في طائرات F-16، وهو نفس النوع من الصواريخ التي ترغب إسبانيا في الحصول عليه لاستخدامه في  غواصة S-81  التي من المنتظر أن تتزود بها القوات الإسبانية.

وفي نفس السياق، تضيف صحيفة ’’الباييس‘‘ إلى أن المغرب استمر في الحصول على تجهيزاته العسكرية من فرنسا، التي زودته بأول أقماره الصناعية للتجسس، وأنه تعاقد مع الصين لاقتناء صواريخ مضادة للطائرات، وفي نفس الوقت، ينتظر من واشنطن تزويده ببطاريات ’’باتريوت‘‘ المضادة للصواريخ.

وأوردت الصحيفة عن بعض القادة العسكريين السابقين، قولهم إن المغرب أضحى يمتلك آليات الصيانة والتدريب، وأن ذلك قد اتضح من كيفية استخدامه لطائرة مسيّرة لاغتيال رئيس الحرس الوطني للبوليزاريو في مطلع شهر أبريل/نيسان الماضي، بالإضافة إلى انخراطه في مناورات منتظمة مع الولايات المتحدة الأمريكية على نحو يساعده على تحيين قدراته العسكرية.

وتخلص الصحيفة إلى أن الأفضلية العسكرية التي كانت لإسبانيا أمام المغرب قد تضاءلت، ومعها ضعفت قوة الردع الإسبانية، خصوصا بعد أن أوقفت إسبانيا استثماراتها في مجال الدفاع خلال الفترة المتراوحة بين 2008ـ2018. واسشهدت في هذا الصدد برأي الخبير ’’غِيِّرْمو كولوم‘‘ الذي حذّر من أن تقلّص الفجوة في القوة العسكرية بين البلدين من شأنه تغيير المعادلات الاستراتيجية والتأثير على الاستقرار في مضيق جبل طارق القائم في أصله ’’على عدم توازن القوى‘‘.

وأنهت الصحيفة مقالها بملاحظة حول الموقف الأمريكي مما يجري بين المغرب وإسبانيا في أزمة سبتة ، الناجمة عن الدخول غير القانوني لأكثر من 8000 مهاجر ، حيث رأت أن التغيير في موقف واشنطن كان واضحًا، وأن الولايات المتحدة إذا كانت في عام 2002  قد وقفت إلى جانب إسبانيا في قضية جزيرة ليلى (بيريخيل) ، بينما ظل الاتحاد الأوروبي على الهامش ، فهذه المرة حظيت مدريد بدعم شركائها الأوروبيين، بينما وقفت واشنطن على مسافة متساوية، حيث اكتفت بدعوة الطرفين للتوصل إلى اتفاق. ولفتت الصحيفة ما  حذّر منه الخبير ’’غِيِّرْمو كولوم‘‘ في هذا الشأن، من أن هذا سيكون على الأرجح موقف الولايات المتحدة في المستقبل ، وذلك بالنظر إلى دور المغرب المتنامي في استراتيجيته الأمنية.

(الفهرس/سعيد منصفي التمسماني)

ــــــــــــــــــــ

 

X