تحديد النسل، ضبطه أو تنظيمه، هي مصطلحات تطلق على نوع من السياسة، التي تتبناها الدول بهدف تنظيم الأسرة وتخطيط عملية النمو الديمغرافي لديها من خلال التحكم في نسب الخصوبة.  

وحسب تقديرات العديد من المنظمات الدولية، فإن تبني سياسات تحديد النسل في دول العالم النامي تساعد على زيادة النمو الاقتصادي بتخفيض النفقات الأسرية والسماح للنساء بالمشاركة في الحياة الإنتاجية، هذا فضلا عن تجويد الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية.  

وحسب دراسات صادرة عن منظمة الأمم المتحدة، فإن تبني أساليب تنظيم النسل يساهم في توفير من اثنين إلى ستة دولارات مقابل كل دولار يتم إنفاقه.   

وقد اعتمدت بعض الدول خلال النصف الثاني من القرن العشرين إجراءات تنظيم النسل وتخفيض المواليد للتحكم في التزايد السكاني المتسارع الذي كانت تعرفه. وقد شجعت جهات دولية مختلفة هذه الإجراءات، واعتبرتها أداة فعالة لخفض العجوزات المالية وتحويل الدول إلى قوى اقتصادية صاعدة.  

وخلال العقود الأخيرة من القرن العشرين، لجأت كل من كوريا الجنوبية والصين وتايوان وسنغافورة إلى تخفيض مواليدها، كأسلوب لتنظيم الأسرة والتحكم في النفقات المتزايدة للدولة.  

لكن سرعان ما عادت بعض الدول إلى مراجعة سياساتها، والعمل من جديد على تشجيع الزيادة في معدل المواليد؛ وتعتبر كل من الصين واليابان من أبرز الدول المغيرة لسياساتها في هذا المجال، لا سيما اليابان، التي دقت تقاريرها الرسمية ناقوس خطر انخفاض عدد الفئة النشيطة والمنتجة بشكل أضحى يؤثر على اقتصادها وماليتها.  

بل إن كوريا الجنوبية ذهبت إلى وضع لوحات إعلانية في بعض المدن، تُروج من خلالها لحفلات الزواج والإنجاب، وذهبت الحكومة هناك إلى إقرار مساعدات مالية مهمة لتحفيز الإنجاب.  

والسبب في انتهاج كوريا الجنوبية لهذه السياسة الجديدة، يعود إلى تسجيل انخفاض في عدد السكان للمرة الأولى، ودخول المجتمع الكوري في أزمة ديمغرافية.  

وكانت كوريا الجنوبية قد راهنت خلال تسعينيات القرن الماضي على سياسة تخفيض المواليد، فأدى ذلك إلى تحسين الأوضاع المعيشية والصحية والتعليمية للسكان بشكل كبير، لكنها أدركت مؤخرا أن المجتمع قد تخطى عتبة الشيخوخة وأن معدل الخصوبة لا يساعد على تدارك الاستقرار السكاني، وأن ذلك كله يفقد اقتصاد الدولة قوته وجاذبيته.  

ومن أبْين مخاطر سياسات تخفيض معدل الإنجاب وتداعياته على المدى الطويل، أنها تساهم مع مرور الوقت في توجيه بنيات اقتصادات الدول نحو الأنشطة الخدماتية على حساب الأنشطة الإنتاجية الصناعية والفلاحية التي تتطلب وفرة العمالة؛ وهو ما يجعل هذه الاقتصادات مرتبطة بالأسواق العالمية ومعرضة لهزاتها وغير مكتفية بذاتها.  

ثم إن سياسة تحديد النسل وتوجيهه نحو الانخفاض، تستغرق وقتا طويلا، تتأثر على امتداده ثقافة المجتمع وميولاته وأنماطه المعيشية والاستهلاكية، فيصعب، بعد مُضي هذا الوقت، على المسؤولين تعديل السياسة الديمغرافية وتوجيهها نحو النمو إن هم أحسوا بالحاجة الاقتصادية إلى ذلك؛ وقد يتطلب الأمر وقتا طويلا من أجل تدارك الوضع، وعند هذه النقطة تدخل الدولة في مرحلة تعاني فيها من نقص في الموارد البشرية، يؤدي إلى اختلالات اقتصادية، وذلك على النحو الذي تعيشه بعض الدول المتقدمة اليوم في أوربا وآسيا وأمريكا.

(الفهرس/سعيد منصفي التمسماني)

X