الطابع الفدرالي للدولة-السلطة التنفيذية-اختصاصات الرئيس-السلطة التشريعية-السلطة القضائية
ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تابعة للعرش البريطاني إلى عهد الملك جورج الثالث، وانتهت هذه التبعية بشكل كامل في الرابع من يوليوز 1776، وذلك عندما أعلنت ثلاث عشرة مستعمرة على طول الساحل الأطلسي استقلالها بعد الثورة التي قادها ’’جورج واشنطن‘‘ الذي صار بعد ذلك بقليل أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد كان لعامل الاحتكاك الطويل بالتاج البريطاني أثره في صياغة شكل نظام الحكم في الولايات المتحدة، وهو ما سيتجلى بعد حين في الصلاحيات الواسعة التي مُنحت لرئيس الدولة، والتي أُريدَ من بعض صورها، محاكاة سلطات الملك في بريطانيا.
في السابع عشر من شهر شتنبر سنة 1787 عُقدت اتفاقية فيلاديلفيا وأقِرّ الدستور الأمريكي. وفي سنة 1791 تمت المصادقة على ’’وثيقة الحقوق‘‘ التي استوعبت عشرة تعديلات احتوت على جملة من الحقوق المدنية والحريات الأساسية.
الطابع الفدرالي للدولة
النظام الفدرالي، كما يعرّفه البعض، يُعبّر عن طريقة خاصة من حيث تقسيم السلطة السياسية، ليس فقط على المستوى الوظيفي، وإنما بالخصوص، على المستوى الترابي، حيث تتعايش داخل هذا النظام، سلطتان: سلطة سياسية مركزية تمتد سيادتها على مجموع تراب الدولة وتختص بالقضايا العامة المشتركة وتسمى “الحكومة الفدرالية”، وسلطات جهوية سياسية تختص في تدبير قضاياها المحلية الخاصة.
وتُعَدّ الولايات المتحدة الأمريكية أقدم فدرالية في العالم، تأسست بعد انفصال عدد من الولايات عن التاج البريطاني وانضمامها إلى بعضها تحت سقف اتفاقية فيلاديلفيا.
ويُعتبر شكل الدولة الفدرالي بمثابة صمام أمان لضمان خصوصيات الدويلات (الولايات) المنضمة إلى الاتحاد وإسماع صوتها عَبْر ممثليها في مجلس الشيوخ، الذي يضم ممثّليْن اثنين عن كل ولاية.
ومن خصائص النظام الفدرالي، أنه يُخَوّل لكل ولاية انتخاب رئيس لحكومتها من أجل تدبير شؤونها الذاتية على نحو يجعلها تتمتع بنوع من السيادة الداخلية في ظل الازدواج المؤسساتي الذي يتميز به النظام الفدرالي، بحيث إن لكل ولاية أجهزتها الخاصة التشريعية والإدارية والقضائية على شاكلة أجهزة الحكومة المركزية الفدرالية.
السلطة التنفيذية
نصت الفقرة الثانية من المادة الثانية من الدستور الأمريكي الأمريكي على الآتي: ((تناط السلطة التنفيذية برئيس الولايات المتحدة الأمريكية. ويشغل الرئيس منصبه مدة أربع سنوات…)).
فالرئيس في النظام الرئاسي الأمريكي، هو السلطة التنفيذية، ولا توجد في هذا النظام حكومة بالمعنى المتعارف عليه في الأنظمة الغربية، إنما يوجد معاونون (كتاب دولة) إلى جانب الرئيس.
ويعزو فقهاء الدراسات الدستورية اتساع سلطة الرئيس إلى عامل التبعية الطويلة للتاج البريطاني والذي كان نظامه مطبوعا بهيمنة الملك على كل السلط. ومن ثمة، كان لهذا الإرث السياسي تأثيره ساعة صياغة الاختصاصات الدستورية لرئيس الولايات الأمريكية المتحدة، بحيث سيتعزّز مركز مؤسسة الرئاسة أمام الكونغرس على اعتبار أن مصدر الشرعية لكلا السلطتين هو الشعب الأمريكي.
بالإضافة إلى العوامل المذكورة التي ساهمت في تقوية مركز مؤسسة الرئاسة، يحضر اعتبارٌ آخر له صلة بالفكر اللبرالي الأمريكي المنسجم مع مبدأ ’’فصل السلط‘‘، والذي طبقه الأمريكيون بأسلوب صارم جعل وسائل الضغط المتبادلة بين السلط الدستورية والمعمول بها في الأنظمة التمثيلية الأخرى تكاد تكون منعدمة.
هذا، فضلا عن أن الولايات المتحدة الأمريكية مرت بمراحل تاريخية حساسة ساهمت في تعزيز دور السلطة التنفيذية ورئيسها على وجه الخصوص. فثمة محطات حرجة في التاريخ الأمريكي، أدى فيها بعض الرؤساء أدورا مهمة ساهمت مع مرور الوقت في تقوية مركز الرئاسة، من بينهم الرئيس أبراهام لنكولن ودوره خلال الحرب الأهلية الأمريكية، والرئيس روزفلت وكيفية تعاطيه مع تداعيات الأزمة الاقتصادية لسنة 1929.
اختصاصات الرئيس
حسب المواد الدستورية، يعتبر رئيس الولايات المتحدة مسؤولا عن ملف السياسة الخارجية، وتحديد الخطط العامة الاقتصادية والسياسية للدولة، ويتولى قيادة الجيش وتوجيه العمليات الحربية، ويملك حق العفو، ويعين الوزراء، ويأمر بإعفائهم عند الاقتضاء، كما أنه يعيّن عددا من كبار الموظفين، بينما يعيّن البعض الآخر منهم بمشاركة مجلس الشيوخ.
وللرئيس حق تعيين عدد من قضاة المحكمة العليا بمشاركة مجلس الشيوخ، ولا يجوز له بعد ذلك عزلهم أو إقالتهم.
وفي مجال التشريع، يصدر رئيس الولايات المتحدة اللوائح التنفيذية المتعلقة بتطبيق القوانين الصادرة عن الكونغرس.
وله حق الاعتراض (الفيتو) على مقترحات القوانين التي صادق عليها الكونغرس، داخل أجل خمسة عشر يوما، دون أن يمنع ذلك من صدور القانون المعترض عليه إذا عاد المجلس التشريعي وصوت عليه بثلثي أعضائه. غير أن أهمية الاعتراض تتجلى عندما يتعلق الأمر بتلك القوانين الصادرة عن الكونغرس في الأيام العشرة الأخيرة من دورته، ويسمى هذا الاعتراض بــ ’’فيتو الجيب‘‘ الذي يستعمله الرئيس، بحيث لا يكون مجبرا على إعادة مقترح القانون إلى الكونغرس، مما يجعل عملية إقراره متوقفة على مسطرة تشريعية جديدة تبدأ مع حلول الدورة التشريعية التالية، ومن ثم، يكون أمام الجهاز التنفيذي متسع من الوقت للتفاوض حول مقترح القانون المعترض عليه بهدف إلغائه أو تقديمه في صيغة جديدة.
السلطة التشريعية
تنظم مقتضيات المادة الثانية من الدستور الأمريكي -وما أدخل عليها من تعديلات- عمل السلطة التشريعية واختصاصاتها.
وتتكون السلطة التشريعية من مجلسين: مجلس النواب، ومجلس الشيوخ، يشكلان معا ما يسمى بــ ’’الكونغرس‘‘ الأمريكي.
ومهمة الكونغرس الأساسية هي: ’’التشريع‘‘، حسبما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة الأولى للدستور الأمريكي.
ويشارك كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ في التشريع، وفي حالة اختلاف المجلسين حول مقترح قانون، تُعّيَّن لجنة يُسْنَد إليها مهمة التوفيق، تتكون من أعضاء ممثلين للمجلسين. فإذا ما تعذّر الوصول إلى اتفاق، حصل التخلي عن مقترح القانون بصفة نهائية.
أولا: مجلس الشيوخ
يتشكل مجلس الشيوخ من مائة عضو (سيناتور) على أساس التمثيل الترابي، بنسبة عضوين عن كل ولاية أمريكية. ويترأسه نائب رئيس الولايات المتحدة. لكن رئيس مجلس الشيوخ لا يحق له التصويت إلا في حالة وجود تعادل في الأصوات. وتمتد ولاية الأعضاء لمدة ست سنوات يتم تجديد الثلث منهم كل سنـة. وتعوَّض المقاعد الشاغرة في مجلس الشيوخ بواسطة تعيينات يجريها حاكم الولاية المعنية.
وقد كانت عملية انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ تعود إلى الهيئة التشريعية لكل ولاية، لكن هذا الوضع تغير بمقتضى التعديل السابع عشر للدستور الأمريكي سنة 1913، إذ منذ ذلك الحين، جرى العمل بانتخاب أعضاء مجلس الشيوخ مباشرة من طرف الشعب.
ومسألة التمثيل المتساوي للولايات في مجلس الشيوخ –على أساس عضوين عن كل ولاية- وُضعت لاعتبارات سياسية، كان الهدف منها طمأنة الولايات الصغيرة وتشجيعها على الانضمام إلى الاتحاد الفدرالي.
ويشارك مجلس الشيوخ في التشريع، وينفرد بالمجالات الآتية:
ـ إجراء المحاكمات في القضايا التي يصدر فيها مجلس النواب اتهاما، كقضيتي عزل الرئيس أو اتهام أحد أعضاء المحكمة العليا.
ـ مشاركة رئيس الولايات المتحدة في تعيين عدد من قضاة المحكمة العليا، والمحاكم الفدرالية الأدنى، وتعيين بعض موظفي الدولة.
ـ المصادقة على المعاهدات الدولية.
ثانيا: مجلس النواب
يتألف مجلس النواب أو ’’مجلس الشعب‘‘، من 435 عضوا، يُنتخبون على أساس التمثيل السكاني للولايات الأمريكية، لمدة سنتين. ويتم ملء كل شغور، بإجراء انتخابات خاصة.
يضم مجلس النواب كذلك، ممثلين لخمس وحدات ترابية وممتلكات أمريكية لا يحق لهم التصويت في المجلس: مقاطعة كولومبيا، ساموا الأميركية، غوام، بورتوريكو، وجزر فيرجين الأميركية.
ويعود سبب قصر مدة الولاية التشريعية لأعضاء مجلس النواب إلى مبدأ إشراك الناخبين في فرض مراقبة متواصلة على ممثليهم وعدم منحهم آجالا وظيفية طويلة.
يمارس مجلس النواب السلطة التشريعية، وينفرد بالمجالات الآتية:
ـ سن القواعد المتعلقة بالضرائب.
ـ توجيه الاتهامات لعزل الرئيس وقضاة المحكمة العليا.
ـ اختيار رئيس الدولة في الحالات التي لا ينال فيها أي مرشح للرئاسة أكثرية أصوات مجمع الناخبين.
السلطة القضائية
يؤدي القضاء دورا مهما في النظام الدستوري الأمريكي، باعتباره سلطة مستقلة عن باقي السلط، وله تأثيره السياسي من خلال وظيفته في تفسير القوانين، من ضمنها القواعد الدستورية، حتى إن بعض فقهاء القانون ذهبوا إلى تعريف نظام الحكم في الولايات المتحدة بأنه ’’نظام حكم القضاة‘‘.
يستمد القضاء الأمريكي استقلاليته من الوثيقة الدستورية، وكذلك من بعض اجتهادات القضاة الأمريكيين، كان أولهم القاضي ’’مارشال‘‘ رئيس المحكمة العليا سنة 1803، صاحب الاجتهاد الأبرز الذي قال بمبدأ اختصاص المحكمة العليا وكافة محاكم الولايات في ممارسة مراقبة دستورية القوانين.
وحسب المادة الثالثة من الدستور الأمريكي، فإن السلطة القضائية في الولايات المتحدة موكولة إلى المحكمة العليا وإلى محاكم أدنى درجة.
وتبسط السلطة القضائية ولايتها على جميع المنازعات المدنية والإدارية والقضايا المتعلقة بالقانون والسفراء والوزراء والقناصل، والمنازعات التي تكون فيها الولايات المتحدة طرفا، والمنازعات التي تنشأ بين الولايات، والمنازعات التي تنشأ بين ولاية ومواطني ولاية أخرى، أو بين ولاية ودولة أجنبية.
وتنظر المحكمة العليا، باعتبارها أعلى سلطة في الهرم القضائي الأمريكي، كجهة استئنافية في القضايا المذكورة سابقا، بالإضافة إلى وظيفتها الجوهرية المتمثلة في مراقبة دستورية القوانين، والبت في المنازعات التي تنشأ بين الحكومة الفدرالية والولايات.
(الفهرس: سعيد منصفي التمسماني)
مقالات ذات صلة: