وما هي وظائفها؟ وكيف تطورت؟ وهل ننتقل من عهد النقود الملموسة إلى عهد النقود المجردة؟

  في اللغة العربية، كلمة النقد مشتقة من نقد ينقد نقدا، فنقول “نقد الشيء”  بمعنى نقره ليميز جَيِّده عن رديئه، و “نقد الدنانير” أي ميز جيِّدها من رديئها.

والنقد في البيع، يفيد التعجيل في الأداء والمبادلة وهو خلاف بيع النسيئة الذي يقوم على أساس بيع الشيء بتأخير بدله.

وقد عرف العرب النقود منذ زمن قديم، واستعملوها في معاملاتهم التجارية، وكانوا يطلقون على النقود الذهبية اسم “العين” وعلى النقود الفضية اسم “الورق”.

أما  النقود في الاصطلاح الاقتصادي، فهي، بصفة عامة:

كل شيء تم التعارف عليه وقبوله قبولا عاما كوسيلة للتسديد للحصول على سلع أو خدمات أو للوفاء بالديون .

*  *  *  *

وللنقود ثلاث وظائف اقتصادية محورية:

أولا، وظيفة التبادل، حيث إن النقود تعتبر وسيلة للتبادل في سائر معاملات البيع والشراء، وهي وسيلة فعالة، نظرا لما تتمتع به من قوة شرائية وما تضفيه على الاقتصاد من مرونة وسرعة في حسم المعاملات التجارية وإنجازها.

ثانيا، وظيفة قياس القيم، لأنها تعتبر وحدة حسابية لقيم السلع والخدمات، مثلما يستخدم المتر لقياس المسافات والغرام لقياس الأوزان.

ثالثا، وظيفة الادخار، أي أن النقود هي بمثابة مستودع للقيم، بالنظر لقوتها الشرائية ولما تمتاز به من مرونة  تجعل الناس يستعملونها للادخار والتحكم في وقت عمليات الشراء.. والنقود بهذه الوظيفة الثالثة، مثلها مثل باقي الأموال المنقولة والعقارات، بل إن هذه الأخيرة تعتبر مستودعا أهم من النقود إذا نظرنا إليها من  حيث تزايد قيمتها مع مرور الوقت، لكن الناس تلجأ عادة إلى الادخار بواسطة النقود لسمة أساسية تميزها عن باقي الأموال، وهي سمة “السيولة” التي تجعل منها أداة جاهزة لإنجاز المبادلات وحسمها بشكل سريع، في حين أن امتلاك عقار -على سبيل المثال- لا يمنح صاحبه هذه الميزة لأنه مطالب أولا ببيع العقار للحصول على السيولة مع ما يتطلبه الأمر من وقت ومصاريف.

*  *  *  *

لقد تطورت وسائل الأداء تدريجيا:

فعندما لم تستطع وسيلة المقايضة مسايرة تطور حاجيات الإنسان بسبب تنوعها وصعوبة التوفيق بين ما يريد الحصول عليه كل طرف في المعاملات التبادلية، تم التوافق على سلع تتمتع بقيمة عامة ومشتركة بين الناس لتصبح أداة للمبادلة، كالحبوب والملح والشاي…إلخ.

وفي وقت آخر، اهتم الناس بالمعادن، فتعاملوا أولا بالمعادن الرخيصة، ثم انتقلوا إلى استعمال المعادن النفيسة عندما اكتشفوا الذهب والفضة وحوّلوهما إلى قطع صغيرة ونظموا سكها .. و يطلق الاقتصاديون على وسائل الأداء هذه اسم: “النقود السلعية”، لأن الناس كانوا يتعاملون بها كأداة للمبادلة نظرا للقيمة التي تحتويها في حد ذاتها.

لكن سلبيات النقود السلعية، بما فيها تلك المشكلة من معادن نفيسة، كانت تأتي من ثقل وزنها وصعوبة حملها لاسيما أثناء المسافات الطويلة. لذلك، استدعت ضرورات الحياة الاقتصادية أن يبتدع الإنسان وسائل جديدة للمبادلات، فكان أن اهتدى إلى النقود الورقية، وقد استُعملت في البداية كسندات إيداع بنكية، لكنها ما لبثت أن اكتسبت صفة الإبراء بقوة القانون .

وإلى غاية القرن التاسع عشر كانت الأوراق النقدية قابلة للتحويل إلى عملة من المعدن النفيس، لأن إصدارها كان مرتبطا بتغطية ذهبية، لكن سيتم إلغاء هذا الارتباط ومعه ستفقد  العملة الذهبية  كل دور في معاملات الأسواق الداخلية، ومنذ سنة 1914، سيتم العمل بنظام السعر الإلزامي، ولن يسمح بتحويل الأوراق النقدية إلى ذهب إلا خلال فترات قصيرة ترواحت بين 1928 و 1936 وخلال حيز قصير من الزمن في ظل  النظام النقدي الدولي المقام بموجب اتفاقية بريتون وودز.

   *  *  *  *

تتمثل النقود المعاصرة في شكلين أساسيين، هما النقود الائتمانية والنقود الكتابية monnaie fiduciare et monnaie scripturale .

 تتكون النقود الائتمانية من النقود الورقية ومن النقود المعدنية الصغيرة المساعدة ، وتصدر عن البنك المركزي لكل دولة. وتوصف هذه النقود بــ “الائتمانية” لاكتسابها ميزة الائتمان المستمدة من ثقة الناس بالجهة التي تصدرها.

أما النقود الكتابية فهي الودائع البنكية، وتسمى كذلك بالحسابات الدائنة Dépôts et les soldes créditeurs des comptes courants ، ولا يجب الخلط بينها وبين الشيكات، فهذه الأخيرة هي وسيلة مساعدة لتداول الودائع .. وقد انتشر استعمال النقود الكتابية مع انتشار المؤسسات البنكية وتزايد دورها على المستوى الاقتصادي، وقد ساهمت بشكل كبير في تكثيف العمليات التجارية وتسهيلها.

وبالإضافة إلى النقود الائتمانية السالفة الذكر، توجد حاليا وسائل أخرى للأداء أفرزها تطور التقنيات التكنولوجية، فهناك الأداء الإلكتروني عبر الإنترنت وبطائق الائتمان[1]  وبطائق المصرف الآلي[2].  

 *  *  *  *

   إن كل هذه الوسائل المبتكرة تشير إلى أن تطور مسار النقود انطلق من المادي الملموس وهو آخذ في السير تدريجيا نحو المجرد .. ومثلما أن الأوراق النقدية أحدثت ساعتها ثورة في الحياة الاقتصادية، يبدو أن وسائل الأداء الإلكتروني والعملات الرقمية ترسم هي الأخرى حياة جديدة للاقتصاد وصورة مجردة للنقود ..  غير أن ثقة الناس بهذه الوسيلة ما زالت لم تكتمل لسببين رئيسيين: أولهما، تحديات القرصنة التي تتعرض لها المعاملات الإلكترونية. ثانيهما، تردد الناس في استعمال وسائل الأداء الإلكترونية خوفا من فقدان السرية في معاملاتهم المالية .. وهذان السببان يعتبران عقبة تمنع وسائل الأداء الإلكترونية من أن تحظى بقبول عام .. و قد أثبتت التجارب أن أي شيء كي يكتسب صفة “وسيلة عامة للأداء” يجب أولا أن ينال ثقة المتعاملين.

(الفهرس/سعيد منصفي التمسماني)

—————–

[1] ـ هي بطاقة بلاستيكية تصدرها الأبناك تسمح لحاملها بشراء البضائع و الخدمات و أحيانا العملات الأجنبية بالدين.

[2] ـ هي بطاقة يمنحها البنك لزبنائه الذين يتوفرون على حساب لديه للقيام ببعض العمليات المصرفية كالسحب و الإيداع و الاطلاع على الحساب و السداد من خلال أجهزة الصرف الآلية أو أنظمة التحويل الإلكتروني.

(الفهرس)

X