ما هي خلفية الصراع، وكيف بدأ، وهل الأمر أكبر مما يجري على أرض أوكرانيا؟ (5/1)

 

مضى عامٌ كامل على الحرب الروسية الأوكرانية، التي اندلعت يوم 24 فبراير/شباط 2022، وهي الآن  تدخل عامها الثاني، ولا شيء يدلُّ على اقتراب نهايتها أو وجود رغبة في التفاوض حول حلّ واقعي من قِبَل الأطراف المعنية. بل إن ما يحدث هو العكس، فالأوكرانيون يرفضون الحوار إلى حين خروج القوات الروسية من كل الأقاليم الأوكرانية، بينما يتداول الروس في الآونة الأخيرة خطابات إيديولوجية وأدبيات تستحضر التاريخ لجعل المجتمع الروسي يؤمن بفكرة الانتماء التاريخي للأراضي الأوكرانية لروسيا، وبالتهديد التاريخي والمستمر الذي تواجهه الدولة الروسية من طرف الغرب، وذلك من أجل إعداده نفسيا لتقبُّل الدخول في صراع طويل الأمد.

وما يزيد الوضع غموضا ويجعله مقبلا على مصير مجهول، هو عدم قدرة أي طرف  حسم الحرب لصالحه: فلا روسيا استطاعت إنهاء المهمة من خلال حرب خاطفة كما كانت تتوقع، ولا أوكرانيا المدعومة من طرف الغرب، وحلف شمال الأطلسي على وجه الخصوص، استطاعت التأثير على روسيا ودفعها للخلف واستعادة كلّ الأراضي التي استولت عليها. فالحرب الروسية الأوكرانية هي حرب سجال ومنعطفات يستفيد منها طرف ثم لا تلبث أن تتحول لفائدة الطرف المقابل.

ومن ثمة، فإن عدم الحسم يعني أن الوضع ربما سيزداد تعقيدا، وأنه مرشح إلى أن يتحول إلى حرب واسعة قد تنخرط فيها أطراف أخرى بصفة مباشرة، أو إلى حرب استنزاف لا تُعرف نهايتها ولا يمكن توقع خسائرها من حيث الأرواح ولا من حيث تداعياتها على الاقتصاديْن الروسي والغربي وعلى الاقتصاد الدولي بشكل عام.

5/1 خلفيات النزاع

كانت أوكرانيا تعتبر من ضمن الجمهوريات السوفياتية الخمس عشرة. وبعد انحلال الاتحاد السوفياتي سنة 1991، أعلنت أوكرانيا استقلالها يوم 24 أغسطس/آب من نفس السنة.

سنة 2005، أسقطت الاحتجاجات التي عُرفت باسم ’’الثورة البرتغالية‘‘ حكومة الرئيس ليونيد كوتشما التي كان يقودها فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا. وفاز في الانتخابات الرئاسية المعارض فيكتور يوتشنكو الذي ظل في منصبه إلى سنة 2010، ليحل محله يانوكوفيتش إلى غاية سنة 2014 حيث أطاحت به احتجاجات ساحة ’’يورو ميدان‘‘، التي اندلعت بسبب تعليق الحكومة الأوكرانية إجراءات توقيع الشراكة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي. بينما ذهبت روسيا إلى اعتبار العملية برمتها كونها انقلابا سياسيا خُطّط له من الخارج.

عقب أحداث ’’يورو ميدان‘‘، وتزامنا مع إعلان الساسة الأوكرانيين نيتهم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، ستدخل القوات الروسية شبه جزيرة القرم التي كانت إلى ذلك الحين تابعة لأوكرانيا وسيتم ضمها إلى الاتحاد الروسي في مارس/آذار 2014 رغم  إدانات المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة. في حين اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه لم يكن هناك ضمٌّ وإنما استجابة للاستفتاء حول تقرير المصير الذي أجري في الجزيرة.

منذ ذلك الحين، عملت موسكو على دعم الانفصاليين الموالين لها في إقليم “الدونباس”، ودخلت المنطقة الشرقية من أوكرانيا في صراع دام أزيد من سبع سنوات.

في دجنبر/كانون الأول 2021، تمركز نحو مائة ألف جندي روسي على طول الحدود مع أوكرانيا. وفي 24 فبراير/شباط 2022 بدأ الغزو الروسي.

هل كان القرار الروسي مُدبّرا منذ فترة طويلة؟ أم أن أوكرانيا بدعم من واشنطن والناتو كانت تُعدّ مستنقعا لاستدراج روسيا؟

المعروف، هو أن  ’’الناتو‘‘ كان قد بدأ في زيادة وجوده في أوروبا الشرقية بعد ضم روسيا  جزيرة القرم سنة 2014، وأن محادثاتٍ بين الروس والناتو ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي أجريَت في يناير/كانون الثاني 2022، كما أن ممثلي الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا كانوا قد التقوا في جنيف في محاولة لتجنب التصعيد، لكن الاجتماع لم يسفر عن أي حل.

روسيا اتهمت في عدة مناسبات ’’الناتو‘‘ بمحاولة التوسع وتهديد أمنها وأمن المنطقة، وأبدت استياءها إزاء توسع الحلف شرقا إلى دائرة النفوذ السوفييتي القديم وإنشاء قواعد عسكرية على مقربة من حدودها، واعتبرت أن أدوات الردع العسكري للحلف الذي تقوده واشنطن تشكل تهديدا لروسيا.

ويتلخص المطلب الرئيسي لموسكو بالحصول على ضمانات واسعة النطاق من ضمنها الالتزام بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو ما تم رفضه في اجتماع مجلس الأمن في 12 يناير/كانون الثاني 2022 من طرف ’’الناتو‘‘.

من زاوية أخرى، هناك من ينظر إلى الحرب الجارية في أوكرانيا بأنها انعكاس لعدة صراعات، أبرزها الحرب الاقتصادية/المالية بين روسيا والصين من جهة، وبين الغرب بقيادة أمريكا من جهة أخرى. فمنذ أن بدأت الصين وروسيا تسعيان إلى إيجاد بدائل للنظام المالي الحالي القائم على الدولار وعلى نظام سويفت، ضاعفت واشنطن وحلفاؤها  وتيرة الضغط على ’’المُتمردَيْن‘‘ بشتى الوسائل  ومن خلال توظيف عدة ملفات حساسة. وبالتالي، فإن ما يحدث في أوكرانيا ما هو إلا جزء من الصراع الاستراتيجي بين القوى الكبرى، ولا يمكن عزله عن الصراع الجاري في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وفي القارة الإفريقية، ومناطق أخرى في العالم.

من هذا المنظور المتعدد الأبعاد يجب، إذن، النظر إلى الصراع القائم في أوكرانيا، لفهم خلفياته ورصد تداعياته وأبعاده واستشراف آفاقه…. (يتبع)

(سعيد منصفي التمسماني/وكالات)

X