الفهرس
الخرطوم/ عادل عبد الرحيم/ AA
أعاد مجلس الأمن الدولي قضية سد النهضة إلى الاتحاد الإفريقي مع كلمات تشجيعية للدول الثلاث بالمضي في مسار التفاوض، ودون تحديد سقف زمني كما طالبت مصر والسودان.
وخلت كلمات أعضاء مجلس الأمن من الحديث بشكل مباشر عن إجراءات الملء الثاني، التي اتخذتها إثيوبيا بشكل أحادي في 5 يوليو/تموز الجاري.
وهو ما اعتبره بعض المراقبين نجاح إثيوبيا في مسعاها خلال جلسة مجلس الأمن، بالتأكيد على دور الاتحاد الإفريقي في التفاوض، وكذلك إبعاد المجلس عن التدخل الواضح في قضايا المياه العابرة للحدود، على أساس أنها ليست من اختصاصه.
رغم أن الأساس الذي لجأت فيه مصر والسودان لمجلس الأمن، يتعلق بتحذيراتهما من أن الملء الثاني لسد النهضة فيه تهديد للسلم والأمن الإقليمي في المنطقة.
والخميس 8 يويوليو/تموز، عقد مجلس الأمن جلسة لمناقشة أزمة سد النهضة، أكد خلالها على دعم الوساطة الإفريقية لحل الخلافات حول السد الإثيوبي.
وقبل ذلك، أي، الإثنين 5 يوليو/تموز، أخطرت إثيوبيا دولتي مصب نهر النيل؛ مصر والسودان، ببدء عملية ملء ثانٍ للسد بالمياه، من دون التوصل إلى اتفاق ثلاثي، وهو ما رفضته القاهرة والخرطوم، باعتباره إجراءً أحادي الجانب.
وتصر أديس أبابا على تنفيذ ملء ثانٍ للسد بالمياه، في يوليو الجاري وأغسطس/ آب المقبل، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه، وتقول إنها لا تستهدف الإضرار بالخرطوم والقاهرة، وإن الهدف من السد هو توليد الكهرباء لأغراض التنمية.
بينما تتمسك مصر والسودان بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي حول ملء السد وتشغيله لضمان استمرار تدفق حصتهما السنوية من مياه نهر النيل.
** نجاح دبلوماسي
يري سفير السودان السابق لدى إثيوبيا، عثمان نافع، أن الخرطوم والقاهرة نجحتا دبلوماسيا في إيصال القضية لمجلس الأمن الدولي، لأنها قضية تمثل تهديدا حقيقيا للأمن والسلم الدوليين.
وأضاف نافع، “لا يمكن أن نتعامل مع ملف سد النهضة بطريقة الربح والخسارة، فما تحقق حتى الآن انتصار دبلوماسي لدولتي المصب في أن يتم طرح القضية في مجلس الأمن الدولي ويتداول الأعضاء حولها”.
وذكر أن اهتمام مجلس الأمن يجعل الاتحاد الإفريقي أمام التزام أكبر بإنجاح المفاوضات بين الدول الثلاث وفق إطار زمني محدد”.
وأردف الدبلوماسي السوداني، أن “الخيار الآن هو التفاوض، ولكن سيكون على الاتحاد الإفريقي أن يكون أكثر جدية بتحديد مدى زمني للتفاوض، لأن الوضع خطير ويحتاج لاتفاق قانوني ملزم”.
وتعثرت المفاوضات، على مدار 10 سنوات، وسط اتهامات متبادلة بين القاهرة وأديس أبابا بالتعنت وفرض حلول غير واقعية.
** خيار واحد
يقول المختص في شأن القرن الإفريقي، السوداني، عبد المنعم أبو إدريس، إن الخرطوم لم تكن تريد أن يخرج ملف سد النهضة من المنظمة الإفريقية، بل كانت تريد الحصول على مزيد من الضغط الدولي لإنجاح المفاوضات، وأن تضع المنظمة الدولية الملف في أجندتها.
ويضيف أبو إدريس، “لا نستطيع أن نقول إن إثيوبيا نجحت، لأن تشدد دول مجلس الأمن على بقاء الملف للاتحاد الإفريقي هو ذاته موقف السودان”.
واستطرد “خاصة أن مجلس الأمن سيراقب الأمر، وإضافة الأمم المتحدة للمحادثات بين الدول الثلاث. كما أن الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريش) مطالب بإطلاع المجلس على الموقف بصورة دورية”.
ويشير أبو إدريس، إلى أن الخيار أمام مصر والسودان الآن طاولة المفاوضات فقط، لأنها أخذت زخما من خلال تناول مجلس الأمن للقضية.
** خيارات ضيقة
يعتبر الخبير الاستراتيجي السوداني أمين مجذوب، أن المداولات في مجلس الأمن، كانت متوقعة لعدة أسباب، أولها التأخير الزمني في الوصول إلى مجلس الأمن الدولي قبل أسبوع من ملء سد النهضة.
وثانيا تصريحات رئيس مجلس الأمن المندوب الفرنسي، الأسبوع الماضي، كانت تعبر عن موقف المجلس، وأيضا قضية السد، لم تمس حتى الآن السلم والأمن الإقليمي أو الدولي، لذلك جاءت كما كان متوقعا بنقله للاتحاد الإفريقي”.
وفي الأول من يوليو، قال رئيس مجلس الأمن الدولي ،مندوب فرنسا نيكولاس دي ريفيير، إن المجلس “لا يملك سوى دعوة أطراف الأزمة إلى الدخول في مفاوضات”.
وفي هذا الصدد، أوضح مجذوب، قائلا: “دفوعات ومرافعات مصر والسودان أمام المجلس كانت ضعيفة لأنها تعتمد على إعلان المبادئ منذ 2015، وسمح فيه لإثيوبيا أن تفعل ما تشاء.
وفي مارس/ آذار 2015، وقعت السودان ومصر وإثيوبيا “إعلان المبادئ” بالخرطوم، والذي نص على 10 بنود منها: التعاون في الملء الأول وإدارة السد، و أمان السد، وتبادل المعلومات والبيانات.
ويشير مجذوب، إلى أن الخيارات المتاحة أمام مصر والسودان تتمثل في مقاضاة إثيوبيا أولاً، وهذا لا يمنع استمرارها في الملء الثاني.
وثانيا مواصلة التفاوض، محذرا من أن مواصلة التفاوض “أمر مجرب، ومن جرب المجرب يحصد الندامة”.
ويواصل قائلا “الخيار الثالث استخدام العنف، وليس واضحا إن كان المجتمع الدولي سيكون ضده، لذلك الخيارات أصبحت ضيقة أمام السودان ومصر، وهي هزيمة سياسية، وفي نهج التفاوض أكثر منها هزيمة اقتصادية أو فنية”.
واعتبر مجذوب، أن إثيوبيا نجحت في نهجها التفاوضي، وقرأت نفسيات النخب في مصر والسودان، وتعاملت معهما بأسلوب المراوغ، وكسب الوقت، وأحدثت اختراقات بين النخب السياسية بالدولتين.
ولفت إلى أن عجز إثبات السودان ومصر الحقوق في مجلس الأمن سيتيح لدول حوض النيل الأخرى المطالبة بأمرين؛ أولهما تحفيز أي دولة من دول الحوض إلى إقامة سدود دون اتفاق أو مشاورة وهذا متوقع مستقبلا.
وثانيا المطالبة بإعادة (تحديد) حصص المياه في نهر النيل الأبيض والأزرق.
وأردف مجذوب “يمكن أن يتم عمل عسكري باستهداف سد النهضة، وهو أمر سيترتب عليه رد من إثيوبيا، باستهداف أهداف حيوية في السودان أو مصر، وهذا سيشعل المنطقة بأكملها”.
وينبع النيل الأزرق من بحيرة “تانا” في مرتفعات إثيوبيا، الرافد الرئيس لنهر النيل، ويأخذ مساره جنوب البحيرة باتجاه غرب السودان.
ويحصل نهر النيل على ما يزيد من 70 بالمئة من مياهه من النيل الأزرق عند التقائه مع نهر النيل الأبيض في جزيرة “المقرن” بالعاصمة السودانية، ليواصل مسيره عابرا مصر إلى مصبه في البحر الأبيض المتوسط.
فيما ينبع نهر النيل الأبيض من بحيرة فكتوريا إحدى البحيرات العظمى الإفريقية، وتطل عليها ثلاث دول هي كينيا وأوغندا وتنزانيا.
ويضم حوض النيل 11 دولة، هي: إريتريا وأوغندا وإثيوبيا والسودان وجنوب السودان والكونغو الديمقراطية وبوروندي وتنزانيا ورواندا وكينيا ومصر.